قاضي زادة محمد بن مصطفى الطوغاني

نشر بتاريخ: الأحد، 05 آب/أغسطس 2018 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

(929/1523 1045/1635)

ناشر دعوة الإمام محمد بير علي البركوي، ومؤسّس أوّل حركة سلفيّة في الدولة العثمانيّة، صاحب الطريقة المشهورة في التقشّف والتمسّك في الدين. 

ولد في بلدة (باليكسير) بالشمال الغربي للأناضول، وتتلمذ في بلده على الشيخ فضل الله أحد أبناء الإمام البركوي، ثم انتقل إلى استانبول لإكمال تعليمه الديني، وانضمّ إلى الطريقة الخلوتيّة ثمّ انشقّ عنها واتخذ موقفاً صارماً من الطرق الصوفيّة.

وتبنى مقولة البركوي: أنّ الصوفيّة وعاء للبدع، وأنّ الطرقيّة مروّجة للبدع وحامية لها، وأنّ الكتاب والسنّة كافيان في أمر الدين، وكانت دعوته ثمرة لجهود هذا الإمام الكبير.

 

تأثّر برسالة البركوي (وصيّة نامة)، وكتابه (الطريقة المحمّديّة والسيرة الأحمديّة) في الزهد والرقائق، واتخذهما منهاجاً لمحاربة التصوّف البدعي الذي انتشر في الدولة العثمانيّة، وشكّل تهديداً لأمن المجتمع المسلم، ودعا للتمسّك بالسنّة النبويّة، والعودة إلى نقاء الدين كما جاء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.

واشتهرت المناظرات العلميّة التي عقدها مع الشيخ الصوفي عبد المجيد السيواسي، وكان السلطان محمد الثالث قد استدعاه من سيواس إلى استانبول للقيام بالوعظ والإرشاد.

ألّف قاضي زادة في مسائل الاعتقاد والفقه ونبذ البدع، متأثّراً بدعوة شيخ الإسلام ابن تيميّة، وترجم رسالته (السياسة الشرعيّة في إصلاح الراعي والرعيّة) باسم (تاج الرسائل ومنهاج الوسائل)، وأضاف عليها تعليقات وشروحاً، وقدّمها للسلطان مراد الرابع، ولخّص كتاب ابن القيّم (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان) في كتاب (إرشاد العقول المستقيمة إلى الأصول القويمة بإبطال البدع السقيمة).

وبعد وفاة ابن البركوي تولّى الخطابة والوعظ في جامع السلطان سليم، وجامع بايزيد وجامع السليمانيّة وجامع آيا صوفيا، فسحر قلوب الناس بمنطقه، وسلامة منهجه. 

ودعا السلطان لإغلاق التكايا والخمارات والمقاهي، وحظر القهوة والتدخين، وكان لحركة قاضي زادة صدى في البلقان والأناضول والولايات العربيّة، وخاصّة في مصر وسوريّا.

وتلقى قاضي زادة دعماً من السلطان مراد الرابع، لإنشاء كيان جديد يحد من نفوذ الجيش الانكشاري، ويخضعه لسيطرته عرف باسم "قاضي زادة ليلّر"، أو "فقيهلر".

وكان ظهور حركة قاضي زادة رد فعل على انتشار الصوفيّة البدعيّة بين العامّة، وزيادة نفوذ الصوفيّة البكتاشيّة العلويّة في صفوف الجيش الإنكشاري الذي انخرط في الفساد الاجتماعي، وبات يشكل خطراً على السلاطين، وشكّل هذا الظهور الغطاء الديني للسلطان مراد للتخلّص من الانكشاريّة.

وبعد عقد من وفاة الشيخ قاضي زادة تولّى قيادة التيّار السلفي الشيخ محمد الأسطواني الدمشقي مولداً المشهور بسلطان الواعظين، الذي استطاع كسب السلطة السياسيّة إلى جانب حركته، واستصدار فرمان من الصدر اﻷعظم مَلَك احمد پاشا بالسماح بتدمير تكية للطريقة الخلوتيه، ومهاجمه افراد الحركه لمن كان بداخلها، ثم أخذوا ينتقدون الصدر الاعظم والاداره العثمانيه لتهاونهم، ودعوا اتباعهم عبر المنابر لحمل السلاح ومهاجمه الصوفيه، فقبض على الشيخ الأسطواني مع مجموعة من أتباعه ونفي إلى قبرص.

ووصلت الحركة أوج قوّتها في عهد الداعية السلفي واني محمد أفندي المشهور ب(شيخ السلطان) الذي تحالف مع محمد باشا كوبرلو، وابنه الصدر الأعظم الفاضل أحمد كوبرلو لتدمير تكيّة للبكتاشيّة مرتبطة بالانكشاريّة في أدرنة، واستصدار قرار من السلطان بمنع شرب الخمور. 

وشارك واني محمد في الحملات العسكريّة التي خاضتها الدولة العثمانيّة، لردع الطامعين بالسلطنة وردّ عدوانهم، مجاهداً يتقدّم الصفوف الأماميّة للجيش العثماني، ويحث الجنود على التضحية والاستشهاد، وآخرها الحملة العسكريّة على فيينا في عام 1024، بقيادة الصدر الأعظم قرة مصطفى باشا. 

ووجد الباحثون تشابهاً بين دعوة قاضي زادة، ودعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وتتتبّعوا التسلسل الزمني لقيامهما فوصلوا إلى نتيجة مفادها أنّ دعوة قاضي زادة مهّدت لقيام دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب.

وبينما أخذت دعوة قاضي زادة بالتراجع بعد فشل محاولة التوسّع في أوروبا، وفك حصار فيينا كانت دعوة محمد بن عبد الوهاب السلفيّة تتقدم في نجد.

 

المراجع:

1 مركز إنماء للبحوث والدراسات عثمانيّون وسلفيّون: حركة قاضي زادة بين محاربة التصوّف والعودة إلى عهود السلف.

2 دعوة جماعة قاضي زادة الإصلاحيّة في الدولة العثمانيّة قبل ظهور دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وقيام الدولة السعوديّة، محمد داود كوري. 

الزيارات: 1916