ابن قدامة الجماعيلي

نشر بتاريخ: الخميس، 12 أيلول/سبتمبر 2019 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

الإمام القدوة العلامة المجتهد شيخ الإسلام وفخر فلسطين
أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد
(541/1146 – 620/1223)
 فقيه حنبلي، زاهد، شيخ الإسلام وأحد الأئمّة، مقدسي ثم دمشقي، صاحب التصانيف الحسنة.
ولد في جماعيل من قرى نابلس بفلسطين، طلب العلم في دمشق مع أخيه الشيخ أبي عمر سنة إحدى وخمسين وخمسمائة.

حفظ القرآن دون سن البلوغ وحفظ مختصر الخرقي، وكتب الخطّ المليح، قرأ على والده، وعلى أبي المكارم ابن هلال، وأبي المعالي ابن صابر وغيرهم، ورحل إلى بغداد هو وابن خالته الحافظ عبد الغنى وسمعا الكثير من أبي الفرج بن الجوزي، وهبة الله الدقاق، وابن البطى، وسعد الله الدجاجي والشيخ عبد القادر الجيلي وخلق كثير، وأقام عند الشيخ عبد القادر مدة يسيرة فقرأ عليه الخرقي، ولمّا توفي الشيخ عبد القادر، لازم الشيخ أبا الفتح نصر بن فتيان المشهور بابن المنّى، وقرأ عليه المذهب والخلاف والأصول حتى برع.
وأقام ببغداد نحوا من أربع سنين ذكره الضياء ثم رجع إلى دمشق ثم عاد إلى بغداد ثم رجع إلى دمشق واشتغل بتأليف أحد كتب الإسلام فبلغ الأمل وهو كتاب بليغ في المذهب تعب عليه وأجاد فيه وجمل به المذهب وقرأه عليه جماعة وانتفع بعلمه طائفة كثيرة ونشأ على سمت أبيه وأخيه الشيخ أبي عمر في الخير والعبادة وغلب عليه الاشتغال بالفقه والعلم.
قال سبط ابن الجوزي: كان إماما في فنون، رحل إلى دمشق وبغداد، فاق الأقران، وانتهى إليه معرفة المذهب وأصوله، وكان مع تبحره في العلوم ورعا زاهداً تقياً ربانيّا، وكان عارفاً بمعاني الأخبار والآثار، انتهى إليه معرفة المذهب وأصولهً، عليه هيبة ووقار وفيه حلم وتؤدة وأوقاته مستغرقة للعلم والعمل، وكان يفحم الخصوم بالحجج والبراهين ولا يتحرج ولا ينزعج وخصمه يصيح ويحترق، أثنى عليه الأئمة كابن النجار، وعمر ابن الحاجب، وابن تيميّة، وأبي شامة.
وقال عنه ابن الحاجب: "كان ابن قدامة إمام الأئمة ومفتي الأمة، اختصه الله تعالى بالفضل الوافر والخاطر العاطر والعلم الكامل، طنت بذكره الأمصار وضنت بمثله الأعصار، قد أخذ بمجامع الحقائق النقلية والعقلية. فأما الحديث فهو سابق فرسانه، وأما الفقه فهو فارس ميدانه، أعرف الناس بالفتيا وله المصنفات الغزيرة" ...
وقال ابن تيمية: "ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من ابن قدامة" وقال: "الإمام القدوة العلامة المجتهد شيخ الإسلام ، كان من بحور العلم وأذكياء العالم".
وصنف الضياء في مناقبه وسيرته جزئين، وذكر فيه أنه إمام في القرآن وتفسيره، إمام في الحديث ومشكلاته، إمام في الفقه بل أوحد زمانه فيه، إمام في علم الخلاف، إمام في الفرائض، إمام في الأصول، إمام في النحو، إمام في الحساب، إمام في النجوم السيارة ومنازلها، بلغ درجة الاجتهاد، وانتفع المسلمون بتصانيفه،
صنف التصانيف الحسنة في المذهب فروعا وأصولا، وفي الحديث واللغة والزهد ومنها: (المغني في شرح الخرقي) عشرين مجلداً، وهو أجمع كتب الحنابلة، وذكر فيه مذاهب الفقهاء الثلاثة المشهورة ومذاهب الصحابة والسلف، (والكافي في الفقه) ثلاث مجلدات، و(البرهان) و(فضائل الصحابة) و(المقنع في الفقه) و(الهداية)، و(روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه) وقد شرحها ابن بدران شرحاً سماه: (نزهة الخاطر العاطر) و(مختصر العلل للخلال) ولو لم يكن من تصانيفه إلا المغني لكفى وشفى.
وله شعر جميل في الزهد ومنه هذه الأبيات اللطيفة:
أبعد بياض الشعر أعمر مسكناً
        سوى القبر إني إن فعلت لأحمق

يخبرني شيبي بأني ميت
        وشيكا وينعاني إلي فيصدق

تخرق عمري كل يوم وليلة
        فهل مستطيع رفق ما يتخرق

كأني بجسمي فوق نعشي ممددا
        فمن ساكت ومعول يتحرق

إذا سئلوا عني أجابوا وأعولوا
        وأدمعهم تنهل : هذا الموفق

وغيبت في صدعٍ من الأرض ضيق
        وأودعت لحدا فوقه الصخر مطبق

ويحثو علي الترب أوثق صاحب
        ويسلمني للقبر من هو مشفق

فيا رب كن لي مؤنسًا يوم وحشتي
        فإني لما أنزلته لمصدق

وما ضرني إني إلى الله صائر
        ومن هو من أهلي أبر وأرفق

توفي بدمشق، وقد أفرد الضياء المقدسي سيرة شيخه الموفق في جزأين وكذلك أفردها الذهبي.
_____________________________________________________________
(1) كشف الظنون ص 1378 حاجي خليفة. (2) مفاتيح الفقه الحنبلي ج 2 ص 111 الثقفي. (3) شذرات الذهب ج 5 ص 88 عبد الحي بن أحمد ابن العماد العكري. (4) المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد ج 2 ص 15 برهان الدين إبراهيم بن مفلح. (5) العبر في خبر من غبر ج 5 ص 79 محمد بن أحمد الذهبي. (6) هديّة العارفين م 1 ص 459 إسماعيل الباباني. (7) معجم البلدان م 3 ص 135 ياقوت الحموي. (8) صيد الفوائد ترجمة الإمام ابن قدامة، الداعية عبد الرحمن الهرفي.

الزيارات: 1087