السيّد عمر مكرم

نشر بتاريخ: الإثنين، 03 شباط/فبراير 2020 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

(1168/1755 ـ 1237/1822)

وصف بعلو الهمّة، وقوّة الشخصيّة، وسعة المواهب، وكان شريفاً فاضلاً، صادق العاطفة لا يسعى لمنفعة . 

هكذا تحدّثت المصادر العربيّة عن سيرة السيّد عمر مكرم بن حسين، نقيب الأشراف، والرأس المفكر لثورة القاهرة الثانية 1214/1800 ضد الوالي التركي خورشيد باشا، زعيم المقاومة الشعبيّة في العهد الفرنسي.  

ولد في أسيوط، وفيها نشأ وتلقى مبادئ العلوم الدينيّة واللغويّة على طريقة أبناء عصره . 

 

التحق بالأزهر الشريف منذ مطلع شبابه، وتتلمذ على شيوخه وعلمائه، وبرز فيه كعالم ضليع في شتى العلوم الدينيّة، واشتهر بالتقوى والورع . 

وأسندت إليه نقابة الأشراف سنة 1207/1793 .

اشترك في سنة 1209/1795 في كتابة الوثيقة السياسيّة التي تعهّد فيها المماليك بالعدل ورد المظالم .

وحفّزته عاطفته الدينية إلى مناهضة الفرنسيين، والسعي لإخراجهم من مصر، وتمثلت الحملة الفرنسية في خاطره اعتداءً من النصرانيّة على الإسلام، وصعد القلعة فأنزل منها علماً كبيراً سمّته العامّة (البيرق النبوي) فنثره بين يديه، وطاف به منادياً بالجهاد الديني ضد الغزاة، فاجتمع إليه ألوف المسلّحين بالأسلحة، والعصي، يهلّلون ويكبّرون، ومعهم الطبول، إلا أن جيش المماليك خيّب الآمال . 

وقاوم الحملة الفرنسيّة سنة 1213/1798، وحفر الخنادق حول إمبابة، ثم فرّ إلى يافا بعد دخول الفرنسيين، لكن نابليون أمر بإعادته إلى القاهرة بعد دخوله يافا، فأعيد معزّزاً مكرّماً، فاعتزل في بيته، ورفض أن يدخل الديوان، ويسترجع مكانه في نقابة الأشراف، فلما رحل نابليون، وقامت ثورة القاهرة الكبرى ضد (الجنرال كليبر) سنة 1215/1800 كان على رأس القيادة الشعبيّة، يحثّ الناس على الجهاد، ويدعوهم للصمود في وجه الاحتلال، فلمّا فشلت الثورة غادر القاهرة مفضّلاً الفقر والتشرّد على أن يبيع دينه بحطام زائل من حطام الدنيا . 

لم يسع للرئاسة أو للحكومة، بل أدرك أن محمد علي الألباني هو أصلح الناس لولاية أمور البلاد، وكان يرى فيه رجلاً صالحاً عادلاً، وأقام من المصريين فرقاً حلّت محلّ الجنود الألبان الذين خذلوا  قائدهم، وقاد الناس باقتدار، حتى أقرّ السلطان العثماني اختيارهم، وثبّت الباشا الذي طلبوا سنة 1220/1805 ولم يدر أنه أعان ظالماً، سيحوّل البلاد إلى ضيعة له ولأهله لا يشاركه في ملكها أحد، كما قال الجبرتي، ولربما اختار أهون الشرور، ظنّاً من أهل الحلّ والعقد أنهم قادرون على عزله كما قدروا على تعيينه .

وحاول محمد علي أن يترضّاه بالمال، فأبى أن يتزحزح عما طلب من الإشراف والرقابة، وكان يخشى أن يستبدّ محمد علي بالناس، وأن يسيء السيرة فيهم، فلما وجده كذلك خالفه، وهدّد بإحالة موضوع الخلاف معه إلى الباب العالي.

وتوعّد بتحريك الشعب عليه، وخلعه من الولاية، كما فعل مع خورشيد باشا من قبل، وقال: كما أصعدته إلى الحكم فإني قدير على إنزاله منه . 

إلا أن محمد علي أفرده وحده، وأظهره في صورة المتمرّد والمخالف وحده، وذلك بحيله ودسائسه لدى المشايخ، وأحاط بيته بالجواسيس، ولما أتاه الشيخ محمد السادات لإصلاح ذات البين مع عمر مكرم، لثم محمد علي يده وعيّنه نقيباً للأشراف .

وهكذا نفّذ محمد علي الدرس القائل: إن على الحاكم تحطيم أولئك الذين رفعوه إلى الحكم، دون أن يتلقّى الدرس على (ميكيافيلي) صاحب كتاب الأمير .

ولما خرج محمد علي عن وعده، وتنكّر لما اشترط عليه العلماء، وأحدث البدع والمظالم، رفض عمر مكرم مفاوضة الباشا، لأن الخلاف من وجهة نظره خلافاً حول مبدأ لا يقبل جدلاً .

واستطاع محمد علي بما يملكه من مال ونفوذ أن ينفيه إلى دمياط سنة 1224/1809 ويشوّه سمعته لدى الباب العالي، ويجرّده من منصب نقيب الأشراف، ثم نقله إلى طنطا سنة 1227/1812 

وأعيد إلى القاهرة سنة 1234/1819 بعد مذبحة القلعة، ثم نفي سنة 1237/1822 ثانية فتوفي بمنفاه بطنطا معتزلاً الناس . 

جمع بين الدين والسياسة، وارتفع فوق المطامع والأهواء، وآمن بحق الشعب والدفاع عنه، وحرص على الوقوف بينه وبين الظلم، والاستبداد، والطغيان، وكان يرى أن أولو الأمر هم حملة الشريعة، والسلطان العادل، وأن الخليفة والسلطان إذا جار وظلم جاز عزله وخلعه . 

أرّخ له محمد فريد أبو حديد في (زعيم مصر الأول السيد عمر مكرم) ومحمد أمين حسونة (كفاح الشعب من عمر مكرم إلى جمال عبد الناصر) وعبد العزيز الشناوي (عمر مكرم بطل المقاومة الشعبية). 

 

المراجع:

(1) تاريخ مصر السياسي ص 146 أمين سعيد . (2) تراجم الأعلام المعاصرين ص 331 أنور الجندي. (3) الشرق الإسلامي في العصر الحديث ص 100 و144 حسين مؤنس . (4) دور الأزهر في الحياة المصرية ص 68 و409 و437 مصطفى محمد رمضان . (5) بطولات مصرية ص 9 نعمان عاشور.

 

الزيارات: 1308