محمد المختار السلامي

نشر بتاريخ: الخميس، 12 أيلول/سبتمبر 2019 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

لا انفصال بين السلطة الدينية عن الزمنية في الإسلام، فقيصر وما يملكه قيصر، الكل لله
(    /1929 ـ 1440/2019)
مفتي الجمهورية التونسية (1984 ـ 1998)، رئيس الهيئة الشرعية العالمية للزكاة، عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدّة، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في تونس (1989 ـ 1993)، مفسّر للقرآن الكريم، باحث ضليع في علم مقاصد الشريعة الإسلاميّة، والاقتصاد الإسلامي.
ولد في صفاقس، حفظ القرآن الكريم وهو بالمدرسة الابتدائية، وتسلم شهادة التحصيل في العلوم الدينة من جامعة الزيتونة، ثم على الشهادة العالمية في شعبة أصول الدين في نفس الجامعة، بعد تخرجه، بدأ التدريس في الجامعة، وبعدها بوقت قصير التحق بالمعهد العالي لأصول الدين بتونس، ليتولى التدريس في اختصاص الدراسات القرآنية والفقه وقواعد التشريع.


كان ثالث ثلاثة: محمد الحبيب بلخوجة، والشيخ كمال الدين جعيط، الذين تولّوا الإفتاء بين عامي: (1976 ـ 2008)، ممن تتلمذوا في جامع الزيتونة على الشيخ عبد العزيز جعيط، والشيخ محمد الفاضل بن عاشور، والشيخ محمد المستيري، وغيرهم من أفاضل العلماء، الذين حملوا راية التعليم الديني بإخلاص، ونشروا العلم الشرعي في شمال إفريقيا.
ألف كتاب (منهاج الهداية الإسلامية من خلال الخطب الجمعية) وهو مجموعة خطب كان قد ألقاها بجامع السلام بحاضرة تونس، تناول فيها جوانب كثيرة تهم الإنسان المسلم، واعتنى بالعقيدة والأسرة ونشاط الإنسان في الحياة والأحداث التي تجد على الساحة الإسلامية بما فيها السارة والفاجعة.
ودعا الخطيب إلى الإخلاص لربه ومراقبة سلوكه، وأن يصفي نفسه بمقدار ما ينمي الله سبحانه في كلامه قوة النفاذ إلى القلوب والإصلاح للبشر، وقال: أية سعادة أعظم أن يلقى المؤمن ربه وقد اهتدى به غيره وصلح أمره على يديه، والهداية شعاع لا يضيء إلا إذا كانت شفافية المصدر واضحة لا قتام عليها ولا غبار، وذلك بالعمل الصالح والتزام الخطيب بتطبيق شرع الله والوقوف عند حد أمره ونهيه.     
لقد كتب الله على هذه الأمة أن تكون أمة الكفاح واليقظة والجهاد، إن نجاحها وفوزها مرتبط بحمايتها لهذه الأمانة الكبرى التي شرفها بها الله رب العالمين بحمايتها لدين الإسلام ونشرها لمبادئه ودفاعها عن دياره.                                                             
الإسلام ينادي كل إنسان أن انهض وارفع رأسك فالناس سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.
وقال: إن المتسلطين المرضى بحب التحكم في الناس والقهر للبشرية هم الذين سببوا للإسلام في القديم والحديث العداء، وهذا التعدي على دياره واتفاق الكلمة على سلب خيراته، وانتقاص أرضه من أطرافها ومن أوسطها، وهو الذي حرك أصحاب المكائد ليكيدوا لهذا الدين وأهله، وليشغلوا حملته عن المضي في هذا السبيل، إنه لون واحد من الغرور والإثم والتعدي المستمر على الأرض الإسلامية ؛ وقال: الدين وحده لا يقبل الانفصام واختيار جانب منه، ورفض جانب آخر هو تذويب لصلابته وقوته، شأنه شأن كل تنظيم لا يقبل الترقيع، ولا يكون المرقع إلا مهيأ للتمزيق، فاقدا للقوة غير محصن.
إن نظرية الفصل بين الدين والدنيا هي ثنائية مدمرة وهي مقياس غير إسلامي ؛ إن الإسلام يقول: فقيصر وما يملكه قيصر، الكل لله، ولذا لم تنفصل السلطة الدينية عن الزمنية في الإسلام.
رأى أن الدعوة الإسلامية عامة شاملة وإنه من لوازم الشطر الأول (العموم) أنها اصطدمت بما رسخ فى كثير من عقول البشر مما آمنوا به وأجروا عليه حياتهم وأقاموا عليه علاقاتهم الاجتماعية مما اعتبروه من القضايا اليقينية التى أطمأنوا إليها وأنسوا بها، فاقتضي ذلك أن يوقظ فى الإنسان ما خمد من تفكيره، وما ران على عقله من جمود وتقليد, وأن يعلن أن المبدأ الأول: هو أن كل قضية من القضايا التي ترد على عقل الإنسان يجب أن تكون خاضعة للعمل العقلي، وأن ما أقر العقل ثبوته هو علم ثابت، وأن ما رفضه العقل هو وهم ساقط ؛ وباعتماده العقل فى كل ما يمكن أن يدخل فى مجاله تحقق للدين الإسلامي نظريا ما قام عليه من العموم, باعتبار أن العقل هو القدر المشترك بين البشر، وأن من فقد القدرة العاقلة انحطت مرتبته، وان كان يتحتم تكريمه فإنما ذلك  لأنه حسب أصله عاقل.
وأما الشطر الثاني (الشمول) فإن الإسلام ينظر في كل علاقة تحصل بين الفرد وبين الآخر، إنسانا كان هذا الآخر أو حيوانا أو جمادا، وسواء أكانت هذه العلاقة فعلا أو إدراكا، ينطلق هذا الشمول من العقيدة الواضحة أن الله رب الكون وأن الإنسان مستخلف فيه، فالانسان مرتبط بالله خلقا ومعادا، ومرتبط بالكون تأثيرا وتأثرا.
وإن الارتباط بين الكون والإنسان العاقل يقوم على أساس المعرفة أولا ثم الفعل ثانيا.
لذلك اهتم الإسلام بالمعرفة وخط لها منهجا فريدا هو منهجه الذي تميز به. 
وجاء في كلمة خاطب بها أعضاء الهيئة الشرعية العالمية للزكاة عام 1989: توقفت الدراسات الفقهية للاقتصاد الإسلامي في جوانبه لقرون متعددة، ولم يواكب قضايا الواقع فتراكمت المشاكل والمسائل، وتقدم في واقعنا الحالي منهجان لمحاولة السير بالاقتصاد وتطويره هما: المنهج الاشتراكي والمنهج الرأسمالي، ونحمد الله أن العالم الإسلامي شعر أنه نام طويلا وأن عليه أن يعود لأصالته ليستمد منه تصورا صالحا للحياة بحيث يعيش المسلم عيشة واحدة متناسقة بين عقيدته وسلوكه.
عمل الشيخ السلامي رئيسا للهيئة الشرعية لبنك البركة في فرعه بتونس.
وكان عضو هيئة التوافق الشرعية بالبحرين، وذلك إلى جانب عضويته في الهيئة الشرعية لمصرف الزيتونة في تونس.
 وكان رحمه الله جمّاعة للكتب، تبرّع قبل وفاته بمكتبته الكبيرة والثرية الى المكتبة الجهوية بصفاقس وتضمّ أكثرمن 4851 مجلد من ضمنها العديد من المخطوطات والنسخ النادرة للمخطوطات و 343 كتابا باللغة الفرنسية ولغات أخرى، و520 دورية و 125 من الوثائق تتعلق بأشغال ندوات في مواضيع مختلفة..
ترك السلامي تراثاً فقهيّاً كبيراً تجلّى في تفسيره (نهج البيان في تفسير القرآن) ست مجلّدات، وفي كتابه (الفتاوى الشرعيّة) الذي أعدّه وقدمه الاستاذ محمد العزيز الساحلي، وله: (التعليم الزيتوني ووسائل إصلاحه) و(الأسرة والمجتمع) و(الاجتهاد والتجديد) و(الهداية الإسلاميّة) و(نظريّة التقريب والتقليب وتطبيقاتها في العلوم الإسلاميّة) و (الاجتهاد: النص ـ الواقع ـ المصلحة).
وصنّف في علم مقاصد الشريعة الإسلاميّة، وهو العلم الذي لا يقف عند جزيئات الشريعة ومرادها وحدهما، بل ينفذ منها إلى كلياتها وأهدافها، في كل جوانب الحياة، كتباً منها: (آفاق البحث في علم المقاصد) و(البحث في مقاصد الشريعة الإسلاميّة ـ نشأته وتطوّره ومستقبله) و(حقوق الإنسان محور مقاصد الشريعة) و(مدخل إلى مقاصد الشريعة) و(نظريّة المقاصد عند الشاطبي).
وبعد شيخوخة صالحة، وحياة حافلة بجلائل الأعمال انتقل إلى الرفيق الأعلى الشيخ محمد المختار السلامي مساء يوم 20/8/2019، وشارك في جنازته عدد كبير من رجال الدولة والوفود الإسلاميّة، وصلي عليه في جامع سيدي اللخمي بمدينة صفاقس.
______________________________________________________________
(1) مقدمة كتاب منهاج الهداية الإسلامية ص 5 ـ 9 وص 528 ـ 530 محمد المختار السلامي. (2) مجلة المجتمع س 20 ع 921 تاريخ 20 يونيو 1989 الندوة الثانية لقضايا الزكاة المعاصرة. (3) مفهوم العلوم في الإسلام لمحمد المختار السلامي. (4) جوهرة اف ام تونس 20/8/2019 مفتي الجمهورية الأسبق محمد المختار السلامي في ذمة الله. (5) ليدرز العربيّة 20/8/2019 في جوار النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين: فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

الزيارات: 1753