كتاب الإسلام حضارة وتقدم ورفاه

نشر بتاريخ: السبت، 04 آذار/مارس 2017 كتب بواسطة: المؤلّف: محمد علي شاهين

صدر اليوم عن دار جهينة في عمّان كتاب "الإسلام حضارة وتقدم ورفاه" لمؤلفه محمد علي شاهين، وهذه هي المقدّمة:

 الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على المبعوث هدى ورحمة للعالمين، اللهم أغنني بالعلم، وزيني بالحلم، وأكرمني بالتقوى، وجملني بالعافية، وبعد.

 فلم أزل منذ أن وردت مناهل العلم والعرفان، للحضارة الإسلامية عاشقاً، معتزاً بمنجزاتها، معجباً بأعلامها، مدققاً في الصور المشرقة التي التقطتها ذاكرتي عبر السنين، ودونها قلمي خلال رحلتي الطويلة بين أسفار كتب التراث، أنقب في كنوز المصادر العربية، عاكفاً على مؤلفات الكتاب المتخصصين في الحضارة العربية والإسلامية

 متناولاً بالقراءة المتأنية جانباً من الدراسات المتأخرة المترجمة، المعنية بالحضارة الإسلامية، لطائفة من المستشرقين والمستعربين، المتحررين من التعصب والهوى، وخاصة ما كان موصوفاً منها بالرصانة والموضوعية، قارئاً أبحاثهم بنهم، مناقشاً آراءهم بموضوعية وإنصاف وتسامح، مدوناً ذلك في مراجعي

 تبينت أن أهل الإنصاف من أهل الشرق والغرب قد أجمعوا على أن الإسلام دين حضارة متكاملة، تتناول كل جوانب الحياة، الدينية، والسياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والعسكرية

 واتفقوا على أن حضارته ليست سوى جانب من جوانب عظمته، أما التقدم والرفاه فهما ثمرتان ناضجتان من ثمار جنى جناته.

 وأنها حضارة وحي سماوي كامل شامل، لا يقبل التجزئة، بإحياء بعضه وإماتة بعضه، تشمل العقائد، والعبادات، والأخلاق، والمعاملات

 حضارة غير محصورة في الجوانب الأخلاقية والروحية، لتشمل التأمل والتفكير، وتحث على السير في الأرض، والنظر في ملكوت الله، والتنقيب في السنن الكونية والنواميس.
 
حضارة منفتحة بعقلانية على الحضارات السابقة، تأخذ، وتنقل، وتصهر، وتضيف، وتبدع، وتبتكر، لصالح البشرية، ومن أجل سعادة الإنسان ورفاهيته، وتعطي عطاءً سخياً ليس له حدود.
 
حضارة الإنسان المكرم خليفة الله في الأرض، الإنسان المتوازن، المعتدل العادل، المحسن، الذي يخشى الله ويرعى حقوق المخلوقين

حضارة الإنسان المحافظ على الأرض، الأمين على ثرواتها الدفينة من الهدر بطراً وإسرافاً.
 
حضارة أسهمت كتبها العربية الإسلامية المترجمة إلى لغات أوروبا في تطور الفكر الفلسفي، والطب البشري، والأدب العالمي، والمصطلحات العلمية، والفنون المعمارية والزخرفية، وكانت أساساً لتقدم أصول البحث والدرس والتأليف في شتى فروع المعارف الإنسانية

 حضارة متفوقة، أخصبت بترجماتها الأمينة، وفكرها الراقي، وثقافتها العالية، العقل الأوروبي وهو يتلمس طريقه نحو المستقبل ؛ وأيقظت حركة الاستعراب فيها أوروبا من سباتها الطويل، فكانت قديماً مدرسة المترجمين في طليطلة، وجامعة قرطبة، وجامعة إشبيلية، ومركز الثقافة في سالرنو، وجامعة نابولي، ومدرسة مونبليه، واسطة العقد بين الثقافة العربية وما تنطوي عليه مكتباتها من علوم الإغريق واللاتين المعربة، التي ادخرتها حضارة الإسلام المتفوقة للأجيال، وصانتها من العبث والضياع، وبين الغرب اللاتيني الذي أخذ يبدع ثقافته الحديثة.

 حضارة بناءة عجلت في نهضة أوروبا عدة قرون، يوم كانت حواضر العلم والأدب والفن في الأندلس، وابنتها الصغرى صقلية، ودمشق وبغداد والقاهرة وإسلامبول منارات هداية، ومقصداً للباحثين عن أسرار الكون وعلومه، ومنهلاً عذباً لطلاب العلم والمعرفة من أبنائها، أما ما تعلمه الغرب من حضارة الإسلام خلال مائتي عام من الحروب الصليبية، وقيام المملكة اللاتينية في القدس، التي كادت أن تتحول إلى مملكة شرقية، فقد ساهم بقسط وافر في يقظة أوروبا ونهضتها، وكان له الأثر المحمود في تطورها الاجتماعي وتقدمها الفكري.

 حضارة توحيد، لا وثنية فيها، وحرية لا قهر فيها ولا استعباد، وشورى لا استبداد فيها، وإخاء لا استعلاء فيها على المخلوقين، وعدالة لا ظلم فيها، ولا سرقة لجهود العباد.

 حضارة أمة مسلمة نبيلة كريمة متسامحة، مؤمنة بالتعايش بين أهل الأديان السماوية، تنفر من التعصب الديني، وحملات الكراهية والبغضاء، تبوأ في ظلها أهل الذمة أعلى مناصب الدولة، وتمتعوا بمكانة اجتماعية كريمة، وكانت حقوقهم في ظل دولتها مصانة، حيث بنى النصارى كنائسهم، وعقد أساقفتهم مجامعهم الدينية بكل حرية، وشهد لها بالتسامح علماء نصارى كثر أمثال الأستاذ (آدم متز) بقوله: إن الكنيسة الرسمية في الدولة الرومانية الشرقية قد ذهبت في معاداتها للمسيحيين الذين يخالفون رجالها في التفكير، أبعد مما ذهب إليه الإسلام بالنسبة إلى أهل الذمة
 
أما اليهود الذين تنكروا للمسلمين في الأندلس يوم وقفوا في خندق قشتالة، وفي فلسطين يوم أرادوها وطناً قومياً، فقد كثر سوادهم في ديار الإسلام، وعاشوا بعقيدتهم أحراراً، يتمتعون بالمال والثراء، ونقل العلوم من العربية إلى العبرية.

 حضارة لم تعرف خلال تاريخها المديد قمع العلماء، واضطهاد المفكرين، لأنها كانت على الدوام مؤتمنة على الحرية والعدالة، ولم تصادر فيها حركة البحث العلمي، ولا حرية التفكير، لأنه لا تناقض بين الدين الإسلامي وبين العلم

 حضارة لم يقم صرحها على حساب الأخلاق، والفضائل الروحية، ومعاداة الفطرة، ولا على الظلم والتسلط والبغي والفساد

 حضارة تبرأ إلى الله من محاكم التفتيش، والقبور الجماعية، والقتل على الهوية، والتمييز العنصري، والتطهير العرقي، والقمع السياسي، وانتهاكات حقوق الإنسان في الماضي والحاضر
 
حضارة لا زلنا نتفيأ ظلالها، وننعم بمواريثها الدينية، والأخلاقية، والأدبية، والفنية، ونشاهد آثارها العمرانية الباقية الخالدة أبد الدهر في أوابد الفردوس المفقود، وصقلية، ومدائن الإسلام وحواضره، ونلمس إنجازاتها الراقية التي لا تحصى في شتى ميادين المعرفة.

 حضارة كل المسلمين، عرباً وفرساً وأتراكاً وأكراداً وبربراً، وشركساً من كافة الأمم والشعوب، جمعتهم وحدة الدين، والتآخي في الله، وربطت بين قلوبهم محبة الله

حضارة شارك في بنائها إلى جانب المسلمين في دار الإسلام، أهل الأديان والملل والنحل.
 
حضارة أمة ماجدة ناهضة بأمانة الرسالة العالمية، فتراثها وإنجازاتها للجنس البشري كله، لا للعرب وحدهم ولا للمسلمين فحسب

 حضارة راقية حمل لواءها علماء عباقرة أفذاذ، وفقهاء وأدباء وشعراء وكتاب، وقادة حرب وسياسة، كانوا غرة جبين الدهر، استخدموا علومهم ومعارفهم لتطوير أحوال الجنس البشري، وارتقائه وإسعاده، والسمو به، وإحلال العدل والسلام بين شعوبه.

 حضارة أنجبت للمعرفة والفنون والآداب الإنسانية والعلوم العقلية والنقلية، أعياناً من العظماء الأعلام لا يأتي الزمان بمثلهم.

 حضارة مزدهرة شارك في بناء إنجازاتها الرجال والنساء، الحكام والمحكومون، الأغنياء والفقراء، الأحرار والعبيد، البيض والسود، البدو وأهل الحاضرة

 حضارة خيّرة مدت بجناحيها من نهر تاجة بإسبانيا إلى نهر الكانج بالهند، كأنها غيمة ممطرة، تحمل الخير والعطاء والنماء للشعوب والأمم عبر العصور، يوم كان الغربيون كما قال (دوزي) في ظلام الجهالة، لا يرون النور إلا من سم الخياط.

 حضارة أمينة على حفظ مواريث الحضارات العالمية القديمة، قادرة على ملء الفراغ الذي خلفه جزر الأنماط الحضارية المنحسرة، والتفاعل معها، والسمو والارتقاء بها

 حضارة قادرة على الانطلاق والوثوب من جديد، وجسر الهوة بين المسلمين وبين العالم المتقدم، وتخطي كافة العقبات والمعوقات، لأن طاقة الصحوة والانطلاق والنهوض فيها كامنة، تنتظر الإمام المجدد رافع راية الحرية والخلاص والتوحيد

 حضارة واقعية، جمعت بين علوم الدين وعلوم الدنيا، وبين الروح والمادة والفكر، والقول والعمل، وبين الكليات والأفكار العامة، حيث لا حواجز على الإبداع والابتكار.

 حضارة سامية تدعو إلى التمسك بالمثل العليا، والأخلاق الفاضلة، والسمو الروحي، وتحض على البذل والعطاء والكرم والإيثار، والتضحية والفداء.

 حضارة أمة لا يضيرها حقد أعدائها، وبغض حسادها، وضعف أبنائها، وعجز حكامها، وتعصب أصحاب الأهواء وذوي النفوس المريضة عليها، ما دامت محاطة برعاية الله وحفظه وتوفيقه

 حضارة قامت على أسس سليمة، وقواعد راسخة قوية، ومبادئ سامية، فبناؤها سليم متين شاهق ومتوازن وجميل.

 حضارة البدائل والحلول العملية لكافة المعضلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي عجزت الآيديلوجيات القديمة والمعاصرة عن حلها.

 إنها من أروع الحضارات التي حفظ التاريخ ذكراها، لأنها فتحت القلوب والعقول قبل أن تفتح البلاد بحد السيف، لأن السلاح يستطيع أن يحقق الانتصارات، ولكنه لا يستطيع أن يبني الحضارة الراسخة الشامخة التي تترك بصماتها المميزة على الأرض والإنسان.

 وإنها من أعجب الحضارات، لأنها استطاعت خلال مئتي عام أن تنقل العرب من ظلمات الجهل والتخلف إلى النور، بينما احتاجت أوروبا إلى ألف وخمسمائة عام بدون الإسلام لتصل إلى ما وصلت إليه من إنجازات

 إنها سيدة الحضارات بدون منازع، حقيقة لا تعصباً، لأن الإنسان عاش في كنفها سيداً حراً كريماً، مطمئناً على نفسه ودينه وعقله وعرضه وماله.

 وإنها حضارة الإسلام العظيم، دين تقدم لا رجعية فيه، وتمدن لا تخلف فيه، وسمو نحو المثل العليا، لا انحطاط فيه

 حضارة متوازنة تجمع بين المادة والروح، وبين الدنيا والآخرة، وبين الفرد والجماعة، بين القوي والضعيف، بين المسلم وأهل الأديان والملل والنحل، هدفها تحقيق رفاه الإنسان ورخائه، وسعادته في الدارين، وتوفير الطمأنينة والاستقرار والأمن في ربوع مجتمعاته، ونشر العدل والإخاء والتعارف بين شعوب العالم وأممه

 حضارة دين إلهي، جاءت شريعته ترفع الحرج عن الناس، وتدفع الضرر عنهم، وتضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، وتحل الطيبات، وتحرم الخبائث، لأن السعادة في إدراك الطيبات والتحلي بالفضائل، واجتناب الخبائث والرذائل.

 دين يمنح معتنقيه الطمأنينة، والقناعة، والأمن، والاستقرار الروحي والعاطفي، والرضى بقضاء الله وقدره

 دين كتابه الإلهي المعجز يحث على النظر في ملكوت الله، ولا تتعارض حقائقه القرآنية الأزلية مع الحقائق العلمية الحديثة، وتؤكد الأبحاث كل يوم على ما في آياته من إعجاز مذهل، ولا عجب أن يكون القوة الدافعة وراء كل الإنجازات العلمية، والابتكارات الفنية، والإبداعات الأدبية، والنهضة الفقهية، والأوابد العمرانية، والأبحاث المحفوظة في تراث الإسلام

 أما موطن حضارة الإسلام، فهو موطن الحضارات الأولى، وملتقى حضارات العالم القديم، ومهبط الأديان السماوية، يتوسط موقعه بين عالم الشرق وعالم الغرب، فهي بهذا المفهوم حضارة أمة وسط، أصيلة راسخة معمرة، ليست طارئة، ولا دخيلة، تضرب جذورها في أعماق التاريخ آلاف السنين
 
أما أمة الإسلام صانعة هذه الحضارة ومبدعة مدنيتها المطبوعة بطابع التراث الإسلامي، والعقل العربي، فهي أمة مفطورة على الإبداع، وهي خير أمة أخرجت للناس، ما دامت تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله

 أما إبداعاتها فلم تتوقف عند المنجزات العلمية المزدهرة في مجالات الطب، والصيدلة، والفيزياء، والكيمياء، والرياضيات، والطبيعيات، والزراعة، والاكتشافات العلمية، ولا عند المنجزات الفنية الأصيلة، والآداب الرفيعة، والصناعات المبتكرة، والمدن المنظمة، ولا عند الجغرافيا والاكتشافات البحرية فحسب، بل تعدتها إلى الفكر الديني والفلسفي والروحي.

 ومن أجل فهم أعمق وأصدق لحضارة الإنسان، والاعتراف بفضل المسلمين وتقدمهم في كافة نواحي العلوم والفنون والآداب، تأتي أهمية دراسة الحضارة الإسلامية، ويأتي هذا الكتاب (الإسلام : حضارة وتقدم ورفاه) والمسلمون يواجهون غزواً فكرياً وثقافياً واقتصادياً وعسكرياً، ليسلط الأضواء على صفحات مطوية من إنجازات حضارتنا الإسلامية الزاهية عبر العصور، ويميط اللثام عن وجهها المشرق الجميل، ويشحن ذاكرتنا بعبق هذا التراث العظيم، ويعيد الثقة بهذه الحضارة العظيمة التي لم تتوقف محاولات الغزو الحضاري الغربي عن تشويه صورتها الرائعة، وإنكار فضلها، والادعاء بعقمها، والقول بالأفول الأبدي لنجمها بعد هذا السطوع والإشراق الطويل
 
ويأتي أيضاً دعوة صادقة لإحياء التراث الإسلامي المجيد، والمحافظة عليه من عاديات الزمان، وصيانته من العبث والتزييف، ليبقى أبد الدهر ناصع الجبين، وصرخة مدوية لاستئناف الدور الريادي للأمة المسلمة بعد هذا التوقف المريع، ووصل حاضرها بتراثها، لتبقى شعلة التنوير متقدة، والروح حية متوقدة

 ولست أعني بالرفاه، المبالغة بالمظهر المادي للإنسان والحياة، لأن الترف يهدم الحضارة ولا يبنيها، إنما أعني بالرفاه تلبية مطالب الإنسان المادية والروحية، والاستمتاع دون إسراف بما أحله الله من الطيبات، وتحسين ظروف معيشة الإنسان المكرم، بما لا يتعارض مع الفطرة السليمة، ولا يضيع حقوق الفقراء

 إن ميادين الحضارة الإسلامية، محور اعتزازنا، وموضوع بحثنا، عديدة ومتنوعة، وليس من السهولة الحديث عنها جميعها في كتاب واحد، إلا ما كان عملاً موسوعياً مؤسسياً، تشترك في صياغته النخبة، أما الإحاطة بها في بحث جاد، فدونه جهد المقل، وما لا يدرك كله لا يترك جله.
 
إن دراسة الحضارة هي المدخل السليم لدراسة التاريخ، ولا يمكن فهم تاريخ أمة إذا لم يكن البعد السياسي، والثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي، واضح المعالم، ومن هنا جاء هذا الكتاب دعوة لالتماس تاريخنا المجيد في سجل حضارتنا التليد، ودعوة للتأمل في هذا التاريخ ببصيرة ملهمة، ومحاولة جدية لإبراز فضل الإسلام كدين وتعاليم في تقدم هذه العلوم، وتحديد هوية الاكتشافات والاختراعات الإسلامية الرائدة، والدعوة إلى إعادة كتابة تاريخ الحضارة الإسلامية من خلال الوثائق والتراث

 وإن الحضارة الإسلامية تشكل أحد مقومات وحدة أمة العرب والمسلمين، لأن سداتها العروبة، ولحمتها الإسلام، وإن وحدة الأمة العربية لم تتحقق في الماضي إلا مع ظهور الإسلام، وإن دولة الإسلام في المدينة المنورة هي وحدها التي استطاعت توحيد القبائل العربية تحت الراية النبوية الشريفة، وإن أي مشروع وحدوي عربي قادم غير مؤسس على الحضارة الإسلامية يبقى بعيد المنال.
 
وإن من أسباب الازدهار الحضاري الذي نعمت به الأمة الإسلامية وكان خيراً وبركةً على الإنسانية، وحدة دار الإسلام في ظل الخلافة وما استتبع ذلك من عدالة وأمن واستقرار، ووحدة لغة الحضارة لكافة شعوب دولة الخلافة، ووحدة الدين الذي تسمو به الأمة وترتفع نحو المثل العليا.
 
ولما كانت الحضارة ظاهرة إنسانية عامة اختص الله تعالى بها الإنسان دون سائر المخلوقين، فإن المسلمين بما يملكون من قوى روحية، وإمكانات مادية، أصحاب حضارة إنسانية متفوقة
 
وإن الإحاطة بجميع جوانب الحضارة الإسلامية يدعونا لدراسة الإسلام نفسه، وهو ما نطمح إليه في المستقبل، وكما يقول الدكتور حسين مؤنس: فإن الإسلام نفسه حضارة، عقيدته حضارة، وشريعته حضارة، ومعاملاته حضارة، ومكارم أخلاقه حضارة، وإنك عندما تقول: لا إله إلا الله.. محمد رسول الله، فأنت بهاتين الشهادتين تدخل عالم حضارة الإسلام الرحيبة

 وكيف لا نطمح لدراسة الإسلام صانع حضارتنا، ومانحها صبغتها، وخصائصها، ورؤيتها الشاملة للكون والحياة والإنسان، وواهبها طاقتها الروحية، ورسالتها الدعوية، وضوابطها الأخلاقية، ونسعى لاكتشاف نواحي العظمة فيه، وهو فخرنا وعزنا وانتماؤنا، وسبيل تقدمنا ورفاهنا، وقد أكمله الله وأتم نعمته به علينا، ورضيه لنا ديناً.

 جاء هذا الكتاب في مقدمة، وأربعة وعشرين فصلاً مختاراً من فصول حضارتنا التي لا تحصى، مع ما يحتاجه التصنيف الأمين من مصادر البحث ومراجعه.

 وعندما يتحقق وعد الله ببعث هذه الأمة من جديد، ويغير المسلمون ما بأنفسهم، تكون هذه الأمة جديرة باستئناف دورها الريادي، وحمل رسالتها الخالدة

 فطوبى لمن ساهم في تشييد صرحه، أو أضاف لبنة قوية ترفع بنيانه، أو نشر صفحة مطوية من صحائف مجده، أو أضاء شمعة في ظلام جهل أبنائه، وظلم أعدائه.

 وصلى الله على سيدنا محمد المبعوث هدى ورحمة وعلى آله وأصحابه أجمعين.

عمـان في: 1 / 12 / 2016

الموافق في: 1 / 3 / 1438

المؤلف: محمد علي سعد الدين شاهين

الزيارات: 3849