طنطاوي بن جوهري

نشر بتاريخ: الأحد، 04 آذار/مارس 2018 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

رأى أن الدين صديق العقل وأن الإعجاز العلمي يخدم قضيّة الإيمان
(1287/1862 ـ 1358/1940)
حكيم الإسلام، عالم موسوعي، صاحب تفسير الجواهر، مفكّر إسلامي، مؤلف غزير الإنتاج العلمي، أحد نبلاء الأعلام، رئيس تحرير (جريدة الإخوان المسلمين) سنة 1352/1933.
ولد في قرية (عوض حجازي) إحدى قرى المنوفيّة بالمنطقة الشرقيّة، بريف المملكة المصريّة (سابقاً).
حفظ القرآن الكريم وجوّده على العادة الحميدة التي جرى عليها تعليم أبناء عصره، ثم التحق بالأزهر الشريف سنة 1294/1877 وقرأ على علمائه العلوم العقليّة والنقليّة، ثم التحق بدار العلوم 1306/1889 وتأثّر بحكيم الشرق الإمام المجدّد جمال الدين الأفغاني، وتلميذه الشيخ محمد عبدة.
وكان مثقّفاً بالثقافة الأوروبيّة، متمكّناً من اللغة الإنجليزيّة قراءة وكتابة.                                                    

               
اشتغل بالتدريس بعد تخرّجه في مدينة دمنهور، ثم في دار العلوم بين عامي (1329/1911-1332/1914) وأفاض على تلاميذه ومقدّري فضله معارفه العلميّة.
عاش عمره المديد متواضعاً سعيداً بالكفاف والقناعة، مفكّراً متألقاً بالعلم والحكمة، مناصراً الحركة الوطنيّة المصريّة وهي تخوض معاركها ضد قوى الاحتلال.
أولى دراسات علوم الطبيعة، وحياة الحيوان، والحشرات عناية فائقة، واهتم بالأرواح، واستمد من القرآن الكريم نظريّة السلام العالمي، وعني بالموسيقى العربيّة، وربطها بالفكر الإسلامي.                                                            
وكان شديد الاهتمام بالتصوّف الإسلامي السنّي، والعناية بكتب حجّة الإسلام الإمام الغزالي وخاصّة (إحياء علوم الدين) ونظريّاته.
رأى أن الدين صديق العقل، وأن في الطبيعة من الإعجاز العلمي ما يخدم قضيّة الإيمان، ودعا إلى ربط العلم الطبيعي بالدين، لتنتشر النهضة ببلاد المسلمين. 
وأثنى الدكتور ريتشارد هارتمان على منهجه العقلي فقال: "إن طنطاوي جوهري يسير على نهج الإمام محمد عبده في فهمه أن الإسلام هو دين العقل والفهم لا التقليد، وأن العلم إذا أحسن فهمه يصبح أداة صالحة لفهم الدين".       
وكان يتأمّل في أحوال المسلمين الدينيّة والدنيويّة، ويتحرّق على ما آلت إليه أحوالهم من تخلّف، وخرج بنتيجة مفادها: أنّ الإسلام، أضاعه ملك ظالم، وصولي طامع، وفقيه جاهل، وأنّ أسباب تدهور المسلمين وضعفهم لا تنبع من طبيعة الإسلام، ولكنها ترجع إلى انحراف المسلمين عن تعاليم الإسلام، وأوّلها الحرص على المعرفة، ودراسة الكون، وأنّها جاءت نتيجة الجهل بالعلوم.
ووصفه البارون كراديفو بأنّه واحد من المصلحين الذين ربطوا بين جوهر الإسلام وبين النهضة الحديثة.
كتبه الغزيرة في المباحث العلميّة التي تناولها بالتأليف والتصنيف، تشهد له بسعة الأفق ووفرة الاطّلاع على المصادر والمراجع العربيّة والأجنبيّة.
ألف سبعة وعشرين كتاباً في التفسير، والأدب، والشعر، والفلك، والطب، والكيمياء، والرياضيات، والفيزياء، وترجم شعراً عن كبار شعراء الإنجليز، أفرده في ديوان خاص مقفى، ومنها: (أين الإنسان) الذي وصفه المستشرق كريستيان جب بقوله: إن كتاب "أين الإنسان" يبحث في أعقد المشكلات العالمية بحثا عجزت أوربا إلى اليوم عن الإتيان بمثله، وكان جوهري قد تقدم به لنيل جائزة نوبل للسلام بعد ترجمته، وتوسّع به في (أحلام السياسة وكيف يتحقّق السلام العام) بالإنجليزيّة، وله:(جواهر العلوم) و(نهضة الأمم وحياتها) و(علاقة الإنسان بالحضارة) و(حياة العالم) و(التاج المرصّع بجواهر القرآن والعلوم) و(القرآن والعلوم العصريّة)
وتجلّت عنايته بالقرآن الكريم في تفسيره: (الجواهر في تفسير القرآن الكريم) في ستة وعشرين جزءاً، أكّد فيه إيمانه بأنّ القرآن هو سرّ العلوم، وأنّ الإنسان لا يستطيع أن يفهم القرآن حق الفهم ما لم يعرف العلوم الحديثة، وربط بين رسالة القرآن العلميّة وبين الإعجاز، وكان غرضه أن يشرح الله به قلوباً، ويهدي به أمماً، ويكون داعياً إلى درس العوالم، ليقوم من هذه الأمّة من يفوقون الفرنجة في العلوم والصناعات.
وكان يدعو إلى قيام نهضة علميّة شاملة تستند إلى مضامين القرآن الكريم ويتساءل عن سبب تقصير المسلمين في هذا الميدان: لماذا ألّف علماء الإسلام عشرات الألوف من الكتب الإسلاميّة في علم الفقه، وعلم الفقه ليس له في القرآن إلا آيات قلائل، لاتصل مائة وخمسين آية، وقلّ في علوم الكائنات التي لا تخلو منها سورة ؟ بل هي تبلغ سبعمائة وخمسين آية صريحة، إن آباءنا برعوا في الفقه، فلنبرع نحن الآن في علم الكائنات.
وتكمن ميّزته في النظرات الوجدانيّة السامية إلى الطبيعة والعالم باعتبارهما الكتاب المفتوح الذي تتجلّى فيه آثار الله في الخلق.
وقد انتقد آراءه الشهيد سيد قطب صاحب تفسير في ظلال القرآن، واعتبرها أخطاء منهجيّة، بسبب تعليقه الحقائق القرآنية القاطعة المطلقة بحقائق غير نهائية.
وانتقد المفكر الإسلامي محمد عزة دروزة منهجه في التفسير فقال: هذا في اعتقادنا تحميل لكلمات القرآن وآياته غير ما تتحمّل، وإخراج له من نطاق قدسيته وغايته، وتعريض له للجدل والنقاش.
وكان الشيخ محمد رشيد رضا صاحب المنار قد انتقد الشيخ طنطاوي جوهري عندما صنّف تفسيره الجواهر سنة 1348/1929.
واشتهر الشيخ طنطاوي جوهري عند معاصريه في مجلّتي (الفتح) و(المنار) وغيرها من الصحف الإسلاميّة ككاتب صحفي متميّز الأداء، ناصع العبارة، ساحر البيان، متعطّش للإصلاح.
وعندما دخل الإمام حسن البنّا بجماعته عالم الصحافة، قلّده رئاسة تحرير جريدة (الإخوان المسلمين) سنة 1352/1933، الأسبوعيّة التي كان السيّد محب الدين الخطيب مديراً لها فحمل مع إخوانه مسؤوليّة الكلمة الحرّة، ودافع عن قضايا المسلمين في العالم بقلم كاتب جريء.
وصف بين إخوانه بالتواضع والإيثار والجنديّة لإيمانه بأهميّة النظام والانضباط في العمل الإسلامي، وكان رحمه الله على علوّ قدره، وذيوع صيته، وكبر سنّه، وسعة علمه، لا يستكبر أن ينضوي راضياً تحت لواء (الإخوان المسلمين) وتحت قيادة الإمام حسن البنا.
وكانت شهرته في العالم الإسلامي كعالم مفكّر، وداعية محبّة وإصلاح تفوق شهرته في مصر.
أثنى عليه الشيخ محمد حسن الأعظمي عميد كليّة اللغة العربيّة بباكستان فقال: لم تشتهر في الشرق شخصية من المصريين كما اشتهر شيخنا العلاّمة طنطاوي جوهري، وإني لست بمبالغ إن قلت إنّه كما أحسن إلى مصر بتعريفه إياها للشرقيين، ولم تحسن مصر إليه، فإنّك تجد في الشرق من عرف مصر بعد معرفة شيخنا، والشرقيّون يعتقدون فيه أنه المصري الوحيد الذي عرف الثقافة الدينيّة الحديثة أتم المعرفة.
وكتب في سيرته المستشرق الفرنسي ج. جومييه كتاب: (الشيخ طنطاوي جوهري وتفسيره).
توفي بالقاهرة يوم 12/1/1940.






ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تراجم الأعلام المعاصرين ص 175 أنور الجندي. (2) وسائل الإعلام المطبوعة في دعوة الإخوان المسلمين ص 198و 207 محمد فتحي شعير. (3) الفكر الديني في مواجهة العصر ص 73 عفت الشرقاوي. (4) الدراسات القرآنية المعاصرة ص 25 محمد السديس. (5) أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث ص 231 فهمي جدعان. (6) النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين ج 1 ص 361 محمد رجب بيومي. (7) النور الأبهر في طبقات شيوخ الأزهر ص 60 محي الدين الطعمي. (8) صحافة الصحوة الإسلاميّة في البلاد العربيّة ص 19 محمد علي شاهين.

الزيارات: 6516