الحل الثوري بعد استنفاذ وسائل الإصلاح

نشر بتاريخ: الثلاثاء، 02 شباط/فبراير 2016 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

خذل العالم الإسلامي الأمّة الأندلسيّة، وتنكّر ملوك الاسبان للعهود التي قطعوها للمسلمين، وتحولت المعاهدة بينهما إلى حروف ميتة، ولم يسمح للموريسيكيين المسلمين  بحمل السلاح ولا تملّك الأراضي، وفرضت عليهم ضرائب باهظة، ولم يسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينيّة حتى في البيوت، وحرموهم من تطبيق الشريعة، وأحرقوا مصاحفهم، ومنعوهم من التحدث بالعربيّة، وحظروا عليهم الزي الخاص بالمسلمين،  ثم حملوهم على اعتناق النصرانيّة وتعميد أبنائهم، وأجبروهم على تسليم أطفالهم للقساوسة لتعليمهم المسيحيّة، وفرضوا عليهم أكل الخنزير، ورفعوا النواقيس والصلبان على المساجد، وأجبروهم على ترك أبواب بيوتهم مفتوحة، ليسهل عليهم تفتيشها في أي وقت.

 

صبر المسلمون على الضيم، وعلى انتهاك حقوقهم الدينية والمدنية، وتعرضوا للظلم والتعذيب والترويع، وتبددت آمالهم بنجدة سلاطين العثمانيين والمماليك وملوك المغرب، ولم يكن لهم من خيار إلا تعليم أبنائهم مبادئ الإسلام في السرّ جيلاً بعد جيل، ثم اللجوء للحل الثوري على هذه الأوضاع التي لا تطاق.

ولا يقيــم علـى ضيم يــراد بــه                        إلا الأذلان عير الحي والــوتد

هذا على الخسف مربوط برمته                        وذا يشج فــلا يرثي لــــه أحــد

 

وقاموا بعد مئة وأربعة وعشرين سنة من سقوط غرناطة بإعلان الثورة على الإسبان، في جبال البشرات (بين غرناطة والبحر)، سنة 1568 م وبايعوا رجلاً متعمّداً من سلالة عبد الرحمن الأول يدعى (فرناندو دي بالور) جهر بإسلامه وتسمّى محمد بن أمية، وبعد اغتياله بايعوا ابن عمه (دييغو لوبيز) أو عبد الله محمد المشهور بابن عبو .

نظّم ابن عبو صفوف قوّاته التي بلغت نحو ثلاثين ألف مقاتل، والتحق به نحو 5 آلاف من المتطوّعين المغاربة والجزائريين والأتراك، وسطّر انتصاراته على جبين الزمان، وتمكن خائن مغربي يدعى (الشونيش) من قتل مولاي عبد الله غيلة، فذهب إلى ربّه شهيداً، ولم يأبه بما فعل به بعد استشهاده.  

ولا يهمّمنا في هذا المقال من انتصر في (ثورة البشرات) بقدر ما يهمّنا أن نقول إن المسلمين ثاروا على الظلم، ودفعوا ثمن ثورتهم، لمّا انهزموا وتشتّتوا وبيعوا كعبيد، ولم يكونوا من القاعدين.

وعاش المسلمون أحراراً في ديار الإسلام، مرفوعي الهامات، لا يضرّهم من ظلمهم أو سلبهم حقوقهم، طال الزمن أو قصر، عدواً طامعاً، أو حاكماً ظالماً، ما داموا متمسّكين بشريعة ربّهم.

"يشير الشيخ جمال قطب إلى الدليل الشرعي على حق الرعية في التغيير وعزل الحاكم إلى ما قاله أبوبكر الصديق رضى الله عنه حين قال في بيان البيعة للناس قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتم في اعتدالا فساعدوني، وإن رأيتم في اعوجاجا فقوّموني، أو اعزلوني، وبقى رضى الله عنه يقبل المراجعة، ويسعى إلى مشاورة أهل الاختصاص والرأي، ولو كانوا مخالفين له، وأبو بكر لم يبتدع ولم يأت من عنده ولم ينقل من حضارة أخرى، وإنما قرأ قواعد الفقه الإسلامي وفهمه، فالشريعة تفرض على المأموم وهو في الصلاة أن يخرج عن الصلاة ويصحح للإمام، فإذا كان للمسلم أن يخرج من صلاته ويصحح للإمام حركاته وأقواله وأفعاله وتصرفاته، فإن العقل الإسلامي يدرك أن ما أبيح للمسلم في الصلاة، هو أكثر إباحة وشيوعا، بل يكاد يكون فرضا في كل ميادين الحياة، فلا تصح أعمال بغير مراجعة ولا يبقى مسؤول في موقعه دون رضا من رعيته".

وعندما عجز الأجنبي الطامع بأرض المسلمين عن امتلاك الزمام، استعان بالخونة وضعاف النفوس فكانوا جواسيسه وعيونه، وربّى آخرين على عينيه، فنفّذوا مخطّطاته الشيطانيّة بدقّة، وحقّقوا له أغراضه ومراميه البعيدة بإخلاص.

ومنحهم الأجنبي قبل رحيله عن ديار الإسلام الأراضي والعقارات والأموال والألقاب، والرتب العسكريّة، ووكالات السيّارات، والسفر والسياحة، وحلّى صدورهم بالأوسمة، وأرسل أولادهم للدراسة في معاهده وجامعاته، فكان من هؤلاء مؤسّسو الأحزاب، وقادة الرأي، وأصحاب الصحف والمجلاّت، وذوي الياقات البيضاء، والسهرات المخمليّة.

وتجرّأت هذه الطبقة الاجتماعيّة اللقيطة على أبناء الشعب فادّعت بطولات لم تعرفها ساحات النضال، ونادت فئة من هذه الحثالة بالعدالة الاجتماعيّة وهي التي نهبت المال العام، واحتكرت الاستيراد والتصدير، وتلاعبت بأسعار المعادن والعملات.

وتولّت طبقة أخرى من مخلّفات الجيوش الاستعماريّة مهمّة الانقلابات العسكريّة فحكمت بلدان العالم الإسلامي بالعصا والدبابة.

وهكذا رحلت الجيوش الفرنسيّة والبريطانيّة والإيطاليّة والروسيّة عن بلاد المسلمين، وهي مطمئنّة بأنّ مصالحها الاقتصاديّة ومناطق نفوذها وقيمها الفكريّة وربيبتها لن تمسّ.

وصبرت الأمّة على الضيم دهراً طويلا، حتى ظن المرجفون أنّ جبال الأطلس وسهول حوران وبادية الشام لن تنجب ثائراً مثل محمد بن أميّة وشقيقه في النضال ابن عبّو، وأن راية الكفاح التي رفرفت على قمم جبال البشارات، لن تخفق من جديد.

وطوبى للغرباء                                                                  رئيس التحرير

1/2/2016                                                                    محمد علي شاهين 

الزيارات: 2538