قصّة القنطرة

نشر بتاريخ: الأربعاء، 07 حزيران/يونيو 2017 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

أدرك معلّم التاريخ أنّنا قد تقدمنا في استيعاب الفصل المقرّر لمادته، فلبّى رغبتنا في زيارة معالم منطقتنا الأثريّة والتعرّف عليها.

قطعنا مسافة بعيدة بالسيارة ثم مشينا على أقدامنا بهمّة ونشاط في طريق وعرة يتقدمنا ولد سمين اضطرّ المعلّم أن يسير الجميع على خطواته.

بدت أطلال المدينة القديمة من بعيد ثم أخذت تكبر، قبل أن نتوقّف أمام قنطرة حجريّة عالية، نصبنا خيمتنا قربها، وجلسنا حولها نستريح من مشقّة الطريق .

وقف المعلّم أمام القنطرة يحدثنا عن تاريخ المكان كأنّه يقف أما السبورة، فأثنى على تفوّق أهلها في فن العمارة وتقدمهم قبل أن تدمرها الزلازل .

ثم انطلقنا نتمتّع بنسيم الصباح وسط الحقول وقد اكتست الجبال من حولنا ثوبها السندسي الجميل، وتدفّقت الجداول بالعذب الزلال، وغرّدت العصافير ابتهاجاً بعودة الربيع. 

 

لم يتوقّف الطلاّب عن تأمّل بقايا الأعمدة المحطّمة، والتيجان المنحوتة ببراعة، والقاعات المفروشة بالحجارة البيضاء، ودفع الفضول بعضهم إلى ارتقاء القنطرة الحجريّة بواسطة أحجار ناتئة في جدار القنطرة، رغم تحذيرات المعلّم وإرشاداته، وكان الولد السمين في مقدمة من خالف المعلّم وصعد القنطرة، وكان أسعد من وقف فوقها، لأنّه أثبت من خلال الصعود خفّة حركته ورشاقته أمام هذا الحشد من الطلاّب. 

ولمّا مال قرص الشمس نحو الغروب، تجمّع الرفاق حول المعلّم استعداداً للعودة إلى المدينة، ونزل كل من صعد القنطرة الواحد تلو الآخر بتؤدة وخوف حتّى لامست أقدامهم الأرض فانطلقوا نحو مكان الاجتماع.

انتظر الولد السمين جميع من ارتقى القنطرة حتّى نزلوا جميعاً، وكان كلّما نظر من أعلاها نحو الأرض شعر بالهوّة السحيقة التي تفصل موضع أقدامه عن الأرض، فلمّا أراد الهبوط من حيث هبط رفاقه شعر بأنّ الحجارة المثبتة بالجدار تتحرّك تحت قدميه، فلمّا أمسك الأحجار الناتئة وتدلّى بقدميه في الهواء أحسّ أنّ يديه لن تستطيع حمل جسمه الثقيل، وأدرك أنّه ميّت لا محالة إذا أعاد المحاولة .

أما رفاق الرحلة فكانوا يضحكون بعد كل محاولة فاشلة، ويسخرون من الولد السمين بعباراتهم اللاذعة ؛ ثم اقتنعوا جميعاً أنّهم أمام مشكلة حقيقيّة يجب معالجتها بسرعة قبل حلول الظلام، وفي مقدمتهم المعلّم.

صعد أحد الطلاب القنطرة وحاول مساعدة السمين، فشجعه وأخذ بيده، لكنّه خشي على نفسه من السقوط فنزل من حيث أتي خائباً.

وتحوّلت السخريّة من الولد السمين إلى حزن وقلق وبدت الدموع في مآقي عدد من الطلاّب الطيّبين. 

أخذ المعلّم يبحث عن حلّ لهذه المشكلة، ويقلّب النظر بحثاً عن المخرج، وهو ينصت لأفكار الصبيان الحادّة بإمعان، ويشجعهم على ابتكار الحلول .

ـ أري أن نحضر سلّماً خشبيّاً من القرية المجاورة.

ـ ولكن القرية بعيدة جداً ويحتاج نقل السلّم إن وجد إلى عدّة ساعات .

وجاء ولد فاقترب من المعلّم وأخذ يهمس في أذنه: أقترح يا سيّدي: . . .

ـ أسلوب جريء . . فكرة رائعة!!.

شرح المعلّم للطلاّب طريقة التنفيذ 

حمل الصبيان الخيمة ففرشوها تحت جدار القنطرة، ثم رفعوها عن الأرض وأمسكوا بها من جميع أطرافها كما أمرهم المعلّم .

ثم صعد القنطرة فأقنع الولد السمين بالفكرة فلم يقتنع وأبى تنفيذ الفكرة ؛ فما كان من المعلّم إلاّ أن رمى بنفسه وسط الخيمة المشدودة، فلم يصب بأذى، وقام وهو يبتسم .

تشجّع الولد السمين لمّا تحقّق من سلامة المعلّم، ولم يشعر بالأمان حتى هبط خلف المعلّم من أعلا القنطرة وسط ضحكات الأولاد وصياحهم .

طوينا الخيمة من جديد وحملنا الولد السمين على أكتافنا باتجاه السيارة التي كانت بانتظارنا بعيداً، غير عابئين بوزنه الثقيل ولا بوعورة الطريق، ولم نتوقف عن النشيد وسط الحافلة حتى وصلنا مشارف المدينة. (تمت)

 

الزيارات: 1743