الملا مصطفى بن محمد البرزاني

نشر بتاريخ: الأربعاء، 06 أيلول/سبتمبر 2017 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين


(1322/1904 - 1399/1979)

البطل التاريخي لأكراد العراق، رئيس المجلس الثوري الكردي سنة 1385/1965 مؤسس (الحزب الديمقراطي الكردستاني) 16/8/1946.
ولد في قصبة برازان الواقعة على سفوج جبل شيرين الشاهق، ورث نفوذ جده وكان شيخاً نقشبنديّاً صالحاً التفّت القبائل الكرديّة حوله، واشتهر أبوه بلقب شيخ بارازان، إلاّ أنّه توفي قبل أن يرى الطفل النور، فنشأ يتيماً وتولى شقيقه الأكبر المنلا عبد السلام تربيته وتلقينه مبادئ العلوم الدينيّة،  وآداب الطريقة النقشبنديّة، وفنون القتال، وإعداده للقيادة، وأرسله إلى السليمانيّة لدراسة العلوم الشرعيّة على علماء الكورد، وبعد أن نضج عقله، تولى العمل العسكري لشقيقه الملا أحمد سنة 1831، بعد استشهاد الشيخ عبد السلام، الذي كان لاستشهاده أثر في توجهه الثوري.


سافر إلى جنوب شرق الأناضول يحمل رسالة شقيقه، فالتقى بالشيخ سعيد بيران النقشبندي، الذي رفض هدم الخلافة العثمانيّة، وقاد الثورات الكرديّة ضد الطاغية مصطفى كمال.
وتعاظمت شوكة الملا مصطفى في المناطق الجبليّة، وتضخّمت موارده الحربيّة، وقاد العمليات بين عامي: (1931 ـ 1945) وجرت له ولأخيه أحمد محاكمة غيابيّة بعد لجوئه إلى مهاباد في شمال إيران مع 35 شخصاً من أتباعه.
وكانت مهاباد تخضع للسوفييت الذين شكّلوا فيها جمهوريّة كرديّة ذات حكم ذاتي، وعين البرزاني قائداً للحرس الوطني، ومنح لقب جنرال، إلاّ أنّ عمر جمهوريّة مهاباد كان قصيراً (أحد عشر شهراً) بعد أن تخلّى الشيوعيّون عن الأكراد لإيران مقابل براميل النفط الإيراني.
وقامت حكومة الشاه بإخضاع الأكراد للقوانين الإيرانيّة، ونزع سلاحهم، وطاردتهم حتى الحدود العراقيّة، واصطدمت مع البرزاني الذي فضّل المقاومة، متحدياً الحصار والطيران الإيراني.
واستطاع البرزاني التوغّل عبر الحدود العراقية، حتى وصل إلى منطقتي رواندوز وزيبار، حيث أشعل الثورة من جديد، لكن الحكومة العراقيّة المدعومة من الإنجليز أخمدتها بالقوّة.
ولمّا منع من دخول الأراضي التركيّة، اضطر للفرار إلى الاتحاد السوفييتي مع 500 مقاتل من أتباعه المخلصين، وجرى تجريد الاكراد من السلاح ونقلهم الى مدينة ناخيتشيفان الحدوديّة بأذربيجان، تحت رقابة حرس الحدود.
وأدرك البرزاني إنّه ورجاله لم يجتازوا الحدود للاستيطان الدائم لأن لهم قضيّة يسعون لتحقيقها، فكان يخاطب القيادة السوفييتيّة بانه ورجاله " نسوا ولم يعدوا يعرفون العمل في الحقول الزراعيّة, وانهم اعتادوا حرفة استخدام السلاح , وهم على استعداد لتنفيذ اي تكليف لهم من قبل الحكومة السوفيتية يخص مقارعة الرجعيين في ايران".
وظنّ الروس انّ باستطاعتهم كسر إرادته، ففرّقوا جماعته إلى وحدات صغيره، واستغلّوا قضيّته ليتبنّى الفكر الماركسي، ووضعوه تحت الرقابة اليومية وأخضعوه لدراسة العلوم العسكرية وألحقوه بالمدرسة الحزبية العليا، ولكنّه رفض عروضهم، وخاطبهم بقوله: "إنّه ترك وطنه واهله واطفاله وجاء الى روسيا بحثاً عن الحقيقة والحرية وللحصول على المساعدة من الروس لتحرير شعبه من أغلال الاستعمار، وهدد بانه سيعلن هنا الاضراب عن الطعام إذا لم تتم الاستجابة الى مطالبه العادلة ".
وأخذ يتحيّن الفرص للعودة إلى شمال العراق، ولمّا قامت ثورة الرابع عشر من تموز 1958 في العراق، ضد النظام الملكي، صدر قرار رئاسي بالعفو عنه في عهد الرئيس عبد الكريم قاسم الذي استخدم أنصاره لقمع القوميين العرب. 
وقد استطاع بحكم انتمائه إلى عشائر كردية قوية أن يعيد تنظيم صفوف الأكراد، ويضم إليه عدداً من الضباط القوميين الكرد، وأن يجند السكان المحليين في المناطق الكردية الجبلية، ذات المسالك الوعرة البعيدة عن رقابة الدولة، والحصول على دعم عسكري من مصادر متعددة، مستغلا تداخل الحدود بين العراق وإيران وتركيا.
وطرح نفسه كزعيم قومي للأكراد، وطالب بانفصال شمال العراق وإقامة حكومة كردية مستقلّة تشمل المناطق الكردية الخاضعة لتركيا وإيران والاتحاد السوفييتي وسورية.
اتهمه البعثيّون بالتمرّد على الحكومة العراقيّة، والسعي لقيام كردستان الجنوبيّة، وسحبوا المكتسبات التي نالها الأكراد في عهد الرئيس عبد السلام عارف، ووسّعوا شقّة الخلاف بين العرب والأكراد بسبب تعصبهم القومي، وتمكّنت وحدات عسكريّة عراقيّة وسوريّة من اجتياح شمال العراق، واتهموه بتلقي مساعدات وارشادات من الجيش الإسرائيلي وأمريكا، وزيارة الكيان الصهيوني، وزوّروا وثائق عن علاقته بالمخابرات السوفييتيّة.
وبعد مفاوضات شاقّة منحت المناطق الكرديّة الحكم الذاتي في 11/3/1970، إلاّ أنّ طموحه كان أكبر من الحكم الذاتي، وأخذ يطالب بمناطق تشمل محافظة كركوك الغنيّة بحقول النفط..
غادر العراق بعد توقيع اتفاق الجزائر بين إيران والعراق سنة 1395/1975، والذي ينص على حل المشاكل الحدوديّة وعدم التدخّل في الشؤون الداخليّة لبلديهما، ففقد عمقه الجغرافي، وانهارت قوّاته، وأخذ يتنقل بين عدد من العواصم الأوروبيّة بحثاً عن مشروع يعيد إلى القضيّة روحها.
أعطى البرزاني قضيّة كردستان حياته، وكان وفيّاً لها، وكان على استعداد للتضحيّة بكل شيء من أجلها، وكان الخاسر الأكبر في المشروع الكردي هم سنّة العراق الذين فقدوا سندهم الحقيقي في ليل العراق، وأصبحوا كالأيتام على مائدة اللئام. 
توفي بأمريكا سنة 1399/1979، بعد معاناة مع المرض، ونقل إلى قرية حلاج شمال غرب إيران، ونقل جثمانه ثانية إلى كردستان العراقيّة سنة 1414/1993وكان حلمه أن يرى كردستان حرّة وموحّدة.
خلفه في زعامة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" ابنه مسعود، فتولى الزمام مع أشقائه، وسار على نهج أبيه. 
*   *   *   *   *

الزيارات: 1855