Antioch أنطاكية
وتسميها الروم تعظيماً مدينة الله، والأرض المقدّسة، ومدينة الملك، أم المدن، عاصمة الثغور، وحمامة الشرق الرائعة، وتاج الشرق الجميل.
مدينة قديمة حصينة، تقع في الحوض الأدني لنهر العاصي علي ساحل البحر الأبيض المتوسّط، بين البحر ونهر الفرات، بناها سلوقس سنة 300 ق.م علي الطراز اليوناني، وبذل السلوقيّون في تجميلها جهداً عظيماً حتي لقّبت حمامة الشرق الرائعة، وأصبحت في العهد الروماني ثالثة مدن الامبراطوريّة وأكثرها سكاناً بعد روما والإسكندريّة، ولم تزل قصبة العواصم في الثغور الشاميّة، ونقل صاحب الطلب في تاريخ حلب من كتاب البلدان أنّها مدينة كثيرة المتنزّهات، يمر بظاهرها نهر العاصي والنهر الأسود مجموعين،
وهي مدينة قديمة يقال إنه ليس في أرض الإسلام ولا أرض الروم مثلها أجل ولا أعجب سوراً، عليها سور حجارة في داخل السور منازل تسير فيها الركبان، يحيط على أربع جبال وشعارى، فتحها المسلمون صلحا، صالحهم أبو عبيدة بن الجراح، وعندهم كتاب الصلح إلي هذه الغاية، في السنة السابعة عشرة للهجرة، وانتقل إليها قوم من أهل حمص وبعلبك مرابطة، وكاد الرشيد أن يجعلها عاصمة له، ولم تزل في أيدي المسلمين وثغراً من ثغورهم إلي أن ملكها الروم سنة 353/964 في عهد الامبراطور (نقفور فوكاس)، إلي أن استنقذها السلاجقة بقيادة سليمان بن قتلمش سنة 477/1084، واستولي عليها الصليبيّون بعد مذبحة مروعة عن طريق الخيانة سنة 1098، إلاّ أنّ السلطان بيبرس استعادها من أيدي الصليبيين سنة 666/1262، وأعادها إلي حظيرة الإسلام، وبها الكف التي يقال أنها كف يحيي بن زكريا عليه السلام في كنيسة يقال لها كنيسة القسيان، ولها نهر يقال له الأرنط عليه العمارات والضياع والبساتين، ولها عيون كثيرة تأتي بقنوات من الجبل ثم تجري في منازل المدينة ويصرف الماء فيها كيف أحب أهلها وأهلها الغالبون عليها قوم من العجم وبها قوم من ولد صالح بن علي الهاشمي وقوم من العرب من يمن، وصف أهلها بأنّهم أحسن خلق الله تعالي وجوها وأكرمهم أخلاقاً وأرقهم طباعاً وأسمحهم نفوساً والأغلب علي خلقهم البياض والحمرة، ومذاهبهم على ماكان عليه أهل الشام.
وهي أحد كراسي بطاركة النصاري ولها عندهم قدر عظيم، بها الكنائس العديدة: أشمويت، وبربارا، ومريم.
بنيت بشكل دائري نصفها سهلي ونصفها جبلي، وسورها مبني علي السهل والجبل من عجائب الدنيا، ولسورها ثلاثمائة وستون برجاً، ولها قلعة عالية جداً ؛ استولي عليها الفرس ونقلوا عدداً كبيراً من سكانها إلي مدنهم، وضربتها الزلازل فدمّرتها، وأعاد بناءها الامبراطور (يوستنيانوس)، ضمتها فرنسا إلي تركيّا ضمن لواء الاسكندرون في نهاية عهد الانتداب، ويتكلم سكانها العربيّة والتركيّة، وتضم آثارها مجموعة من القلاع والحصون والأسوار، وفيها قبر حبيب النجّار، يقول شيخ الربوة: له قصّة في سورة (يس) في القرآن الكريم في قوله تعالى: (يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرّمين) وذلك أنّه لمّا أرسل إليهم قطعوا رأسه بعد تكذيبهم له فأخذ رأسه بيده اليسرى وحطّ رأسه في كفّه الأيمن، وبقي يمشي والرأس في كفّه.
وهي اليوم عاصمة مقاطعة هاتاي، مدينة قديمة عريقة ساحرة الجمال، تحيط بها البساتين والمروج الخضراء، وتبعد عن البحر حوالي 25كم، وترتفع عن سطح البحر نحو 80م، ويبلغ عدد سكانها 250 ألفاً.
قال الرحالة إبراهيم الخياري المدني وقد خرج يتنزه حول أنطاكية: جلسنا على بساط أخضر من النبات، وقد أحاطت بنا أسباب المسرة من سائر الجهات، يطربنا تارة أصوات النواعير، ومرة تغريد الشحارير، بين نهر وقصر، وبستان مكلل بالزهر، مجلسا يسلي الهموم، ويذهب الغموم، فتحرك الخاطر الفاتر، وأنشدت بهذا المجلس العاطر:
سقى مغانيـك أنطاكية سحـر
غيث من الأنس ينشي ربعك المطرا
غنيت عن منة الأمطار سافحة
قد أودع الله في أحشـائك النـهرا
ووصف ابن بطوطة أنطاكية بأنّها مدينة عظيمة أصيلة، وكان عليها سور محكم لا نظير له في أسوار بلاد الشام، فلمّا فتحها الملك الظاهر هدم سورها، وأنطاكية كثيرة العمارة، ودورها حسنة البناء، كثيرة الأشجار والمياه، وبخارجها نهر العاصي، وبها قبر حبيب النجّار رضي الله عنه .
ووصف الإدريسي في كتابه المسالك والممالك أنطاكية فقال:
وأما أنطاكية فبلدة حسنة الموضع كريمة البقعة ليس بعد دمشق أنزه منها داخلا وخارجا كثيرة المياه منخرقة في أسواقها وطرقها وقصورها وسككها ولها سور دائر بها وبساتينها اثنا عشر ميلا وعليها سور عجيب حصين منيع من حجر يحيط بها وبجبل مشرف عليها وفي داخل السور أرحاء وبساتين وجنات البقول وسائر المرافق وبها أسواق عامرة ومبان زاهرة وصناعات نافقة ومعاملات مرفقة وخير كثير وبركات ظاهرة ويعمل بها من الثياب المصمتة الجياد والعتابي والتستري والأصبهاني وما شاكلها وهي على نهرها المقلوب المسمى بالأرنط ومخرجه من أرض دمشق مما يلي الطريق طريق البريد فيمر بحمص ثم يتصل بمدينتي حماة وشيزر ويأتي أنطاكية من جنوبها ثم ينعطف مع الجنوب فيمر وهو يجري مع الجنوب فيصب بجنوب السويدية في البحر الرومي.
حدثنا إسحق بن راهويه قال حدثنا روح ابن عبادة قال حدثنا زكريا بن إسحق عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالوا سمعنا رسول الله يقول ليلة أسري بي إلى السماء رأيت قبة بيضاء لم أر أحسن منها وحولها قباب كثير فقلت ما هذه القباب يا جبريل قال فقال هذه ثغور أمتك فقلت ما هذه القبة البيضاء فإني ما رأيت أحسن منها قال هي أنطاكية وهي أم الثغور فضلها على الثغور كفضل الفردوس على سائر الجنان الساكن فيها كالساكن في البيت المعمور يحشر إليها أخيار أمتك وهي سجن عالم من أمتك وهي معقل ورباط وعبادة يوم فيها كعبادة سنة ومن مات بها من أمتك كتب الله له يوم القيامة أجر المرابطين.
ومن معالم انطاكية: المدرج الروماني، وأطلال مدينة إسبارطة، ومتحف انطاكية وفيه ثاني أكبر مجموعة فسيفساء رومانية في العالم، وكنيسة "القديس بطرس" المحفورة في الصخر.
________________________________________________________
(1) معجم البلدان م 1 ص 353 ياقوت الحموي. (2) آثار البلاد واخبار العباد ص 150 زكريا بن محمد القزويني. (3) صبح الأعشي ج 4 ص 129 القلقشندي. (4) الروض المعطار ص 38 محمد بن محمد الحميري. (5) بغية الطلب في تاريخ حلب ج 1 ص 88 (6) نخبة الدهر في عجائب البر والبحر ص 273 محمد بن أبي طالب الأنصاري المعروف بشيخ الربوة. (7) تحفة الأدباء وسلوة الغرباء ص 190 إبراهيم بن عبد الرحمن الخياري. (8) تحفة النظّار في غرائب الأمصار ص 93 ابن بطوطة. (9) بغية الطلب في تاريخ حلب ج 1 ص 103. (10) نزهة المشتاق إلى اختراق الآفاق ج 2 ص 645 الإدريسي.
الزيارات: 15373