محمد ياسر بن عبد الفتاح مسدّي
(1371/1951 1438/2016)
داعية ومرب ومفكر إسلامي، أحد قادة العمل الإسلامي العام في سوريّة، الأمين العام لرابطة العلماء السوريين، وعضو مجلس أمناء المجلس الإسلامي السوري، أبرز قادة النضال السوري ضد الأنظمة الشموليّة العلمانيّة.
ولد في مدينة حمص، ينتمي إلى أسرة عرفت بصناعة النسيج، واشتهرت بحمل لواء العلم الشرعي في الديار الشاميّة، وكان أبوه الشيخ عبد الفتاح من مشاهير علماء حمص، ومرجعاً في الفقه الحنفي، ومديراً للمعهد العلمي الشرعي في جامع خالد بن الوليد.
تتلمذ الشيخ محمد ياسر على أبيه، واقتفى سيرته الطيّبية، وكان يرافقه في حضور جلسات العلم والتربية الروحيّة وزيارة العلماء، وكانت حمص تزخر بهم، أمثال الشيخ وصفي المسدي ، والشيخ طيب الأتاسي ، والشيخ أبو السعود عبد السلام ، والشيخ عبد الغفار الدروبي ، والشيخ محمود جنيد، والشيخ محمود مندو، ودرس على الشيخ وصفي المسدي في مسجد القاسمي، وتخرّج بالمعهد الشرعي بجامع خالد بن الوليد بحمص، والتحق بالأزهر الشريف ونال درجة الليسانس من جامعة الأزهر في عام 1976، واشتغل بالتعليم بعد عودته إلى بلده في مدارس محافظة حمص.
نال درجة الماجستير في الدراسات الإسلاميّة من جامعة البنجاب بباكستان في عام 1987، والدكتوراه من جامعة القرآن الكريم بأم درمان بالسودان في الفقه المقارن في عام 1996.
هاجر من سوريّة في مطلع الثمانينات فراراً بدينه من طغيان النظام السوري واستبداده، فاشتغل بالتعليم وتربية الأجيال في مدارس المنارات بالمملكة العربيّة السعوديّة، وإماماً وخطيباً، وترك زرعاً طيّباً وسمعة حسنة.
ولم يفارقه الحنين إلى مرابع طفولته وصباه في حمص التي أحبّها، أليست المدينة الجليلة التي روى الصحابي الجليل عمر بن الخطاب (رضي) في فضائلها عن رسول الله (ص) فقال: (لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ مِنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلا عَذَابَ عَلَيْهِمْ)، وكان يعتزم الإقامة بها مع عياله قبل استشهاده؟ ألم يهبها تيمورلنك لخالد بن الوليد فلم يدمّرها هذا الطاغية كما دمّر حلب وحماه إكراماً له، ودمّر بشار جامع خالد فيما دمّر من مساجد وقصور ودور، وأحالها هذا الحاقد إلى أطلال.
وانضمّ إلى رابطة العلماء السوريين قبل الثورة عام 2006، وتولى أمانتها العامّة، فكانت نهضة دعويّة شرعيّة على يديه، ويكفي معهد مكّة وفروعه داخل سوريّة وخارجها انجازاً.
وشارك في تأسيس المجلس الإسلامي السوري، وتولّى أمانته العامّة، وشهد له الجميع بالكفاءة الإدارة، ونظافة اليد، وحاز محبّة إخوانه واحترامهم.
فضح التآمر العالمي على أهل السنّة في العراق وسوريّة واليمن، وتبرّأ من "الدولة الإسلاميّة في العراق والشام"، لأنّها أعطت صورة قبيحة عن الإسلام، وأساءت إلى المشروع الإسلامي، وكان يؤمن بالإسلام دين محبّة وإصلاح وتراحم، وكان من طبعه التسامح وكراهية العنف والسلطة الغاشمة.
وكان يدعو المجاهدين لإخلاص النيّة لله، والصبر والثبات لأنّهما الأساس في النصر.
انضم إلى ثورة الشعب السوري، وشارك في تأسيس "المجلـس الإسـلامي السـوري"، في منتصف نيسان عام 2014، الذي ضم العلماء والهيئات الشرعية والروابط العلمية في سوريّة، لتكوين مرجعية شرعية وسطية موحِّدة للشعب السوري، تحافظ على هويته ومسار ثورته، ليكون قراراً مشتركاً يعبر عن إرادة موحدة لرموز المدارس الفكرية الإسلامية المعتدلة في سورية.
كان يشعر بعظم مسؤوليّة الداعية أمام الله وقد تفاقمت الأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة للاجئين السوريين في ديار الاغتراب، فلم يدّخر جهداً في دعم جهود نشر التعليم ومكافحة الأميّة بين أبناء السوريين في المخيّمات، وتشجيع الناشئة على حفظ كتاب الله، وتعزيز دور مراكز تحفيظ القرآن الكريم، والعناية بالعلم الشرعي، ومشاريع الدعوة وكفالة الدعاة، وكان حريصاً على حماية أيتام المسلمين وفقرائهم من الاستغلال، وحملات التنصير.
رأى أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم الفرائض، وأنّه جزء من الدعوة إلى الله، وأنّ الحسبة فرض كفاية على كلّ مسلم، وهي فرض عين على المكلّف بهذه الوظيفة الشرعيّة، وعلى المسلم أن يراجع إيمانه إذا لم ينكر المنكر بقلبه، في حالة عجزه عن تغييره بيده ولسانه، واشترط أن لا يترتب على إنكار المنكر باللسان أو باليد مفسدة أكبر، وعلى منكر المنكر بهما أن يكون عالماً بالأحكام الشرعيّة، وعلى الحكومة العادلة ان تختار لمهمّة المحتسب الصالحين ليمارسوا عملهم بالحكمة والموعظة الحسنة.
ألّف (قد أفلح من زكاها) و(قد خاب من دساها) و(هادم اللذات) و(فقه التعامل بين الزوجين واحتواء الخلافات الزوجيّة) و(الدليل الشامل للإمام والداعية والخطيب) بالإضافة إلى العديد من الرسائل والدروس العلميّة والمحاضرات في قضايا الفقه والفكر والتربية، ولو جمعت هذه الآثار لشكّلت عدّة كتب قيّمة، الصحوة الإسلاميّة اليوم في أمس الحاجة إليها.
أثنى عارفو فضله على سعة علمه وعلو همّته، وإخلاصه لدينه، ووصفوه بالإيثار وعفّة النفس والكرم، وعاش غريباً، ولم تكن الدنيا أكبر همّه ولا مبلغ علمه.
وفي 29 ربيع الثاني 1438هـ الموافق 27/1/2017م، جاءه الأجل المحتوم في مدينة الدوحة، عندما أصيب بأزمة قلبيّة وهو يفتتح مداخلته على محاضرة علميّة، عن التغيير الديموغرافي في سوريّة، ويهمّ بفضح مؤامرة تهجير السوريين السنّة من بلاد الشام إلى الأقطار البعيدة، وإحلال الشيعة مكانهم، ويطالب باستعادة حقوق شعبنا الجريح، ووقف العدوان عليه، وعودة المهاجرين إلى مدنهم وقراهم.
مات واقفاً، مدافعاً عن الحق الذي آمن به، ولم يستسلم للطغيان، ولقي الله مهاجراً مجاهداً ولم يكن من القاعدين، ولا نقول إلاّ ما يرضي ربّنا: إنّا لله وإنّ إليه راجعون.
(1) رابطة العلماء السوريين الشيخ عبد الفتاح اُلمسَدَّي بقلم ابنه الدكتور محمد ياسر المسدي . (2) المجلس الإسلامي السوري، ملف تعريفي. (3) بيان تعزية بوفاة الشيخ الدكتور محمد ياسر المسدي رحمه الله. (4) مركز البيت الشامي رحلة في سيرة الشيخ محمد ياسر المسدي للشيخ محمد حمادة.(5) قناة حلب، فقه الثورة، نظام الحسبة في الإسلام، تقديم حذيفة عكاش.