أحمد بن حسن بن عبد الله محرّم
دعا إلى اتحاد كلمة المسلمين في ظل راية الخلافة
(1294/1877 ـ 1364/1945)
اعر إسلامي كبير، من دعاة الجامعة الإسلاميّة، صاحب الإلياذة الإسلاميّة؛ ولد في (أبيا الحمراء) في الوجه البحري بمصر، من أبوين شركسيّين، سكن دمنهور، درس على علماء بلده مبادئ القراءة والكتابة، وشيئاً من النحو، والأدب، والفقه، وحفظ القرآن الكريم وهو غلام، واستظهر كثيراً من النظم والنثر.
مارس النظم منذ صباه، وعكف على كتب التراث، والتاريخ الإسلامي، وغاص بحور الأدب فأحرز دررها، وكان من أقوى الشعراء ديباجة، وأنصعهم بياناً،
وامتاز شعره بالوحدة الموضوعيّة، وشاعت فيه الحكمة، مطبوعة غير متكلّفة، وكان صاحب مثل أعلى في أمّة هازلة. له شعر سياسي يجول في مجالات الإسلام والعروبة والوطنيّة، جمعه ابنه محمود في (السياسيّات) لم يدع مناسبة إسلاميّة تمر دون أن يعرض على المسلمين صوراً حيّة من مجد الإسلام وعظمته لإيقاظ شعورهم الديني وتوحيد كلمتهم ولمّ شملهم.
وذكّر بماضي أمّة الإسلام وأمجاد العرب وحضارتهم، مشيداً بمناقب السلف الصالح، وفضائل المسلمين في العهد الأول.
كتب في صحيفة (الحزب الوطني) الذي أسّسه الزعيم الوطني مصطفى كامل، ونادى بالوحدة الإسلاميّة، ودعا إلى اتحاد كلمة المسلمين في ظل راية الخلافة، وأيّد النفوذ التركي الاسمي في مصر، وكان من دعاة الجامعة الإسلاميّة المناضلين عنها، الداعين إلى صيانة الدولة العليّة بالعدل والشورى، ورأى أنّ العثمانيّة والمصريّة من معدن واحد هو الإسلام وعبّر عن ذلك بقوله:
يا آل عثمان من ترك ومن عرب
وأي شعب يساوي الترك والعربا
صونوا الهلال وزيدوا مجده علماً
لا مجد بعده إن ضاع أو ذهبا
وعندما وقعت الحرب استنهض الهمم وبعث العزائم، وأرّخ لهزيمة الأسطول البريطاني في موقعة غاليبولي وغرقه في الدردنيل في 8/1/1916 بقوله:
ضرب الحطيم وكبّر الحرمان
واعتزّ دين الله بعد هوان
قامت سيوف الفاتحين بنصره
والنصر بين مهنّد وسنان
فلما ألغى المتآمرون الخلافة سنة 1342/1924 نعى على المسلمين تخلّيهم عنها، ومؤازرتهم للمستعمرين، ودعا للوحدة العربيّة، وحذّر من تقسيم الدول العربيّة إلى دويلات متناحره، ونبّه إلى خطر الزحف الصهيوني، وحث الشعوب العربيّة على مناصرة فلسطين والدفاع عنها، واستنهض الهمم، وحضّ على الجهاد، وحمّل إنجلترا مسؤوليّة توطين اليهود، ومأساة الشعب الفلسطيني.
وخلّد بطولة وتضحيات قادة الجهاد الفلسطيني: سعيد العاص، وفرحان السعدي، وشبّه مآتمهم بالأعراس، في قصيدته الرائعة: في حمى الحق ومن حول الحرم فقال:
في حمى الحق ومن حول الحرم أمّة تؤذى وشعب يهتضم
فزع القدس وضجّت مكّة
وبكت يثرب من فرط الألم
ومضى الظلم خليّاً ناعماً
يسحب البردين من نار ودم
أما شعره الوطني فهو نابع من حبّه لمصر، ذلك الحب الذي ملك عليه كل حواسّه، واستأثر بعواطفه منذ صباه، فوصف نكبة دنشواي وقسوة الانجليز:
يا دنشواي على رباك سلام
ذهبت بأنس ربوعك الأيام
وكان داعية تفاهم وتآخي بين طوائف الأمّة.
يا أمّة القبط والأجيال شاهدة
بما لنا ولكم من صادق الذمم
وتميّز بالجرأة في زمن التخاذل العربي، والتضحية في سبيل القضيّة التي آمن بها، والمبادئ التي اعتنقها؛ وكان فيه زهد، وعفّة، وإيمان قوي، آثر الوحدة والحرمان، على النفاق لأصحاب الجاه والسلطان، ولم يمدح ويتملق، ويرثي بالباطل، وفضّل حياة العزلة بالريف على فساد الحياة في المدن.
وكان يشكو الفقر والفاقة بين قوم لم يعرفوا قدره حيث يقول:
ظمئت وفي فمي الأدب المصفّى
وصنت وفي يدي الكنز الثمين
لقومي ما علمت وعند ربي
ديوني حين تلتمس الديون
جمع ابنه محمود بعض ما نشر من قصائده في الصحف، والمجلاّت في ديوان (الأقصى الحزين) سنة 1404/1984، وكتب في الشعر المسرحي (نكبة البرامكة).
نقل الدكتور صلاح الدين محمد عبد التوّاب أنّه لمّا بعث الأستاذ محب الدين الخطيب صاحب (مجلة الفتح) إليه رسالته في 5/3/1353هـ التي يقول فيها: سيدي الأستاذ الجليل مفخرة البيان العربي وشاعر مصر الكبير الأستاذ أحمد محرم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، فإن من دلائل رضا الله عز وجل عن حركة الجهاد الضئيلة لوقف هذا الطغيان على الفضائل انشراح صدركم لتأييده، وتصدقكم ببعض الوقت للوقوف في صفوفه، ورب فارس واحد خير من ألف.. وكنت هممت أكثر من غير مرة أن أكتب إليكم أقترح عليكم مشروعاً كنا نحاول إقناع شوقي بك رحمه الله به، ولكن خشيت أن يصرفكم ذلك عن معاني الجهاد الأخرى.. وهذا المشروع هو إرسال نظركم الكريم بين حين وآخر إلى مفاخر التاريخ الإسلامي الخلقية والعمرانية والسياسية والإصلاحية والحربية... الخ. ونظم كل مفخرة منها في قطعة خالدة تنقش في أفئدة الشباب، فإذا زخر أدبنا بكثير من هذه القطع، على اختلاف أوزانها وقوافيها، أمكن بعد ذلك ترتيبها بحسب تاريخ الوقائع: وتأليف (إلياذة) إسلامية من مجموعها.. أليس من العار أن يكون للفرس الذين حفل تاريخهم زمن جاهليتهم بالشنائع ديوان مفاخر يغطى فيه البيان على العيوب، ويشير الكاتب بذلك إلى (شاهنامة الفردوسي).. ثم يردف قائلا: وأن يكون لليونان زمن وثنيتهم وأوهامهم الصبيانية ديوان مفاخر (كالإلياذة) تتغنى بها الإنسانية إلى يوم الناس هذا...؟
وكان هذا الخطاب هو الشرارة التي أججت شعلة الحماس في نفس الشاعر أحمد محرم.. فإذا به يقدم على ديوانه يعرض فيه خلاصة نقية للتاريخ الإسلامي في قالب شعري، مكتمل الفن، واضح الأداء، قوي التعبير، حتـى يلفت شباب الإسلام إلى مفاخر تاريخهم وعظمة آبائهم وأسلافهم، ويدفع عنهم عقدة النقص التي جعلتهم ينظرون إلى آثار الأمم الأخرى كما ينظر الأقزام إلى العمالقة.
وصدر ديوان أحمد محرّم (مجد الإسلام أو الإلياذة الإسلاميّة) ومطلعه قوله:
املأ الأرض يا محمد نورا
واغمر الناس حكمة وسرورا
حجبتك الغيوب سرّاً تجلى
يكشف الحجب كلّها والستورا
ونظم قصيدة طويلة في قصص الأنبياء، ابتدأها بقصّة آدم وحواء، وخروجهما من الجنّة، ثم دلف إلى الأنبياء الذين ذكرهم القرآن، وما لاقوه من أقوامهم من تكذيب وعناد، قبل أن يظهر الحق ويندحر الباطل.
توفي بدمنهور.
___________________________________________________________ __________
(1) الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر ج 1 ص محمد محمد حسين. (2) ديوان مجد الإسلام ص 9 تحقيق محمود أحمد محرم. (3) في الأدب الحديث ص143 عمر الدسوقي. (4) دراسات في الشعر العربي المعاصر ص 44 شوقي ضيف. (5) ديوان محرم (السياسيات) جمع وتحقيق محمود أحمد محرم (6) النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين ص 107 و122 محمد رجب بيومي. (7) الاتجاه الإسلامي في شعر أحمد محرّم، د. صلاح الدين محمد عبد التوّاب.
أعلام الصحوة الإسلاميّة.