رفيق بن محمود بن خليل العظم
دعا المسلمين عامّة لمحاربة الجهل، والأخذ بأسباب الرقي، والمعرفة، والاتحاد
(1282/1872 ـ 1343/1925)
أحد روّاد كتابة تراجم الإسلاميّين المحدثين، مفكر ومصلح إسلامي، أحد مؤسّسي (جمعيّة الشورى العثمانيّة)، عضو المجمع العلمي العربي بدمشق.
ولد في دمشق، تربى في حجر والده وتتلمذ عليه في الأدب والشعر، فلمّا بلغ التاسعة من عمره وضعه في مدرسة من مدارس الروم لتعليم اللغتين العربيّة والفرنسيّة بقواعدهما، كفله شقيقه الأكبر خليل بعد وفاة والده، فأحسن تربيته وتأديبه، ثم التحق بأحد مكاتب دمشق لتتميم قواعد اللغتين التركيّة والعربيّة وحسن التكلّم بهما، فمكث به نحو ثلاث سنين، وأخذ يتردّد على أهل الأدب ومجالس العلماء، وتتلمذ على توفيق الأيوبي، واتصل بالشيخ طاهر الجزائري، وسليم البخاري، وانكبّ على قراءة كتب الفلسفة والتاريخ، ومطالعة دواوين الشعر، وحفظ القصائد الشعريّة.
سافر إلى مصر سنة 1300، ولازم الشيخ محمد عبدة، وترقّى بها إلى درجة عالية، وكتب في جريدة (الأهرام) ثم في مجلة (الهلال) ثم في جريدة (المؤيّد) وجريدة (الموسوعات) و(المنار)، واقتحم بهمّة عالية مجال التاريخ الإسلامي، وتراجم أعلام الإسلام، فكان رائداً فيه، حيث لم يسبقه أحد من الباحثين.
وكان يشترط أن تستقى النصوص من المراجع الجادّة المؤصّلة، ويرى في كتابة التراجم لأعلام الإسلام وأبطاله عمل هام وخيّر في مجال التربية، وأنّ البطولة هي قوام النهضة.
تأثّر بفكر العلاّمة ابن خلدون، وتنبّه إلى فساد الطورانيّين الذين تولوا إدارة الدولة العثمانيّة وكانوا سبب تقويض الإمبراطوريّة الإسلاميّة العظيمة، ووجد أنّ العثمانيّين قد أثبتوا خلال قرون متوالية أنّهم جديرون بحمل مسؤوليّة الخلافة، فدعا كافّة المسلمين إلى الالتفاف حول الدولة العثمانيّة، ومساندة سياستها في الجامعة الإسلاميّة، وأثنى على السلطان عبد الحميد في خدمة هذه السياسة.
وتأثّر بأوضاع الخلافة العثمانيّة بعد تسلّط الطورانيّين الأتراك، وفرض التتريك على العنصر العربي، فدعا إلى مناقشة فكرة الخلافة، والتخلي عن الرابطة العثمانيّة، وإلى استقلال العرب عن الدولة العثمانيّة، والسير على نهج الراشدين.
ودعا غير المسلمين إلى التعاون مع المسلمين في نطاق القوميّة، وإلى توثيق وشائج الإخاء الوطني لتحقيق الديمقراطيّة، ورأى أنّه لا تعارض بين الإسلام والقوميّة فهما متكاملان.
ويذكر من يطّلع على تاريخ الأمّة العربيّة بأنّها أمّة لا تحكم بالعنف.
ونفى وجود جامعة عدوانيّة بين المسلمين تستهدف الانقضاض على الغرب المسيحي.
ودعا المسلمين عامّة لمحاربة الجهل، والأخذ بأسباب الرقي، والمعرفة، والاتحاد، وتصدّر للنقد العلمي تدفعه غيرة مفرطة على الحقائق التاريخيّة، وبخاصّة ما يتعلق منها بتاريخ العرب والإسلام.
وفنّد الرأي القائل بأنّ المسلمين لم يدوّنوا العلوم إلا في القرنين الثاني والثالث بحجج قاطعة.
وردّ في (جريدة السياسة) اليوميّة على طه حسين في بحوثه الأدبيّة التي جمعها في الجزء الثاني من حديث الأربعاء، حيث ذهب إلى أن العصر العباسي بأجمعه كان عصر لهو ومجون، متّخذاً من أمثال أبي نواس، وبشار، ومطيع، ووالبة، دليلاً على شيوع هذا المجون، ومعتمداً على ما اشتهر من كتاب الأغاني من روايات الخلاعة المنسوبة للخلفاء والشعراء، وتساءل: لماذا لا يجعل من الشافعي، وأبي حنيفة، وابن حنبل، والأوزاعي، دليلاً على أن الحياة العباسيّة لم تكن كلّها مجوناً، ولم تكن كلها جدّاً، وإنّما كانت بين بين، شأن كلّ الناس جميعاً في مختلف الأزمان.
أحاط بالفكر الإسلامي وتنبّه للتحديات التي يواجهها المسلمون.
رأى أن المسلمين قد سقطوا بين عدوّين: عدو من الداخل تمثل في البدع التي تخرج الدين عن مفهومه، وحب الأثرة التي تقتل النفوس بقوّة القهر الجائر والتي تذهب بهم مذاهب الضلال لسوء التربية على مبادئ الجهل المطبق. وعدو في الخارج يتربّص بهم الدوائر، ويستزيد من ضعفهم قوّة.
وقرّر أن أدواء المسلمين انصياعهم للشهوات، وذلّهم لحكم القهر والاستعباد، فضلاً عن المنافقين والزنادقة الذين لهم يد فيما أصاب المسلمين من الوهن. هاجر إلى مصر سنة 1310/1893 فراراً من الاضطهاد، واختلف إلى مجلس محمد عبده، وعبد العزيز جاويش، ومحمد المهدي، وأثّر وتأثّر بهم.
وكان متمسّكاً بالكتاب والسنّة والعمل بهما من غير تعصّب ولا تأويل، وكان لا يميل إلى العمل والقول بالتقليد.
تناول أخبار دول الإسلام الاجتماعيّة والسياسيّة، وأفاض في البحث في فلسفة التاريخ الإسلامي على وجه يتضح به حال تاريخ الإسلام.
وأصدر كتابه القيّم (البيان لأسباب التمدّن والعمران) سنة 1318/1900 و(أشهر مشاهير الإسلام) سنة 1323/1905 و(رسالة العالم الإسلامي وأوروبا) سنة 1325/1907، وألّف (الدروس الحكيمة) و(تنبيه الأفهام إلى مطالب الحياة الاجتماعيّة والسياسيّة) في أربع مجلدات و(الجامعة الإسلاميّة والعصبيّة التركيّة) أرجع الاضطراب في أرجاء الجامعة إلى الشعوب من ناحية وإلى الاتحاديين من ناحية أخرى، و(البيان في كيفية انتشار الأديان).
وجمع شقيقه عثمان العظم آثاره في (آثار رفيق بك العظم) ويشمل: (السوانح الفكريّة في المباحث العلميّة) و(تاريخ السياسة الإسلاميّة).
وكان جمّاعة للكتب، أهدى مكتبته القيمة للمجمع العلمي العربي بدمشق، وكانت تحوي ألف مجلّد.
وله نظم بديع وقصائد جياد، وذكر صاحب (حلية البشر) طرفاً من قصائده الغزليّة، ومنها قصيدة مطلعها:
سلّ سيفاً وصال فينا بأسمر
من قوام ومقلة تتكسّر
عربي قد أعربت عن فؤادي مقلتاه بما به قد تسعّر
توفي بالقاهرة.
_____________________________________________________________
(1) المعاصرون ص 224 محمد كرد علي. (2) مقدمة أشهر مشاهير الإسلام في الحرب والسياسة بقلم سامي العظم. (3) حركة الجامعة الإسلامية ص 87 أحمد الشوابكة. (4) تراجم الأعلام المعاصرين في العالم الإسلامي ص 123 أنور الجندي. (5) النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين ج 1 ص 163 و170محمد رجب بيومي. (6) لماذا تراجع العرب ص 167 د. أحمد يوسف التل. (7) حلية البشر في تاريخ أعيان القرن الثالث عشر م 2 ص 630 عبد الرزاق البيطار. (8) أعظم الأحداث المعاصرة (1900 ـ 2014) ص 151 فؤاد صالح السيّد.
أعلام الصحوة الإسلاميّة.............................................................. تأليف: محمد علي شاهين.
الزيارات: 1388