إستانبول

نشر بتاريخ: الإثنين، 03 شباط/فبراير 2020 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

أو إسلامبول (مدينة الإسلام)، القسطنطينيّة، روما الجديدة، الآستانة، فروق

عاصمة الدولة الرومانيّة والبيزنطيّة والعثمانيّة، بناها الإمبراطور قسطنطين الأكبر وأطلق عليها روما الجديدة، ونسبت إليه، وذكرت المدينة باسم بيزنطيون، قسطنطينوبوليس، القسطنطينية، آستانة، دار الخلافة، دار السعادة، وإسلامبول (مدينة الإسلام)، وفروق وغيرها.

وهي سابع مدن العالم سكاناً، حيث يبلغ عدد سكانها أكثر من 15 مليون نسمة. 

بنيت في مكان منيع على تلال سبعة، تشرف على شواطئ أوروبا وآسيا، وتنحدر بجمال وروعة إلي بحر مرمرة، أصبحت عام 395 م عاصمة الإمبراطوريّة الشرقيّة، أتى طاعون عام 543 على نصف سكان المدينة، لكن الإمبراطور جستنيان أعاد بناءها من جديد، وأحالها الصليبيّون في طريقهم نحو بيت المقدس عام 1204م إلى أنقاض خلال الحملة الصليبية الرابعة، ونهبوا الأسواق والدور والقصور وأحرقوها، ولم يكن نصيب الكنائس الشرقيّة من الدمار أقل مما أصاب القسطنطينيّة، بسبب التعصّب المذهبي. 

 

ووردت البشارة النبويّة بفتحها، فلم تتوقف محاولات خلفاء المسلمين وقادة جيوشهم عن الفوز بهذا الشرف، حيث ورد في الحديث الشريف: "لتفتحن القسطنطينية، فنعم الأمير أميرها، ونعم الجيش ذلك الجيش".

حاصرها معاوية بن أبي سفيان سنة 34/654 في خلافة عثمان بن عفّان، وحاصرها يزيد بن معاوية سنة 47/667 في خلافة معاوية، وسفيان بن أوس سنة 52/672 في خلافة معاوية، ومسلمة بن عبد الملك سنة 97/715 في خلافة سليمان بن عبد الملك، وحوصرت في خلافة هشام بن عبد الملك سنة 121/739، وفي خلافة هارون الرشيد سنة 182/768 .  

ونال شرف فتحها الأتراك العثمانيّون بقيادة السلطان محمد الفاتح، يوم الثَّلاثاء 20 جمادى الأولى سنة 857هـ الموافق 29 مايو 1435م، ونقلوا من أدرنة إليها عاصمتهم، فلم يمسّوها بسوء، وزادوا في بنيانها وتجميلها وتحصينها، ومنحوا أهلها الأمان والحريّة الدينيّة. 

وكان السلطان السلطان محمد الفاتح قد مهّد لفتحها ببناء قلعة على شاطئ المضيق من جهة أوروبا، مقابلة للحصن الذي أنشأه بايزيد يلدرم ببر آسيا، وحاصرها بمئتين وخمسين ألف جندي، ومن البحر بعمارة مؤلّفة من 180 سفينة، وأقام حولها 14 بطاريّة مدفعيّة، وتمكن الجيش العثماني من اجتياز الحاجز المائي والسلاسل التي أقيمت عند مدخل المضيق، بسبعين سفينة في ليلة واحدة على ألواح من الخشب، صبّ عليها الزيت لتسهيل انزلاقها، وهاجم المدينة المحاصرة بمئة وخمسين ألف جندي، فتسلّقوا الأسوار وهم يكبّرون، وفتحت كنيسة القديسة صوفيا للصلاة، وقتل قسطنطين وهو يدافع عنها، وأصبحت استانبول عاصمة لدولة مترامية الأطراف، ومركزاً للعلوم والتجارة وفنون البناء والعمران، وشيّد العثمانيّون فيها الجوامع والمدارس والمعاهد ما يليق بعاصمة فريدة منها: جامع الفاتح الذي بناه السلطان محمد الفاتح ويحوي ثمان مدارس بجواره، ومشفى ومطبخاً لطلبة العلم، ومدفناً للسلطان، ولمّا آلت الخلافة إلى ابنه بايزيد الثاني الملقب بالسلطان الولي، أراد أن يضيف إلى إنجازات الفاتح عملاً يليق بجلال عاصمة مثل (إسلام بول)، فعزم على بناء مسجده الجامع في حاضرة الخلافة، وعهد إلى المهندس المعماري الذائع الصيت خير الدين  لتنفيذ مشروعه، فقام بتشييد تحفته الفنيّة التي تضعه في مصاف كبار المعماريين العالميين: (جامع بايزيد) رأس قائمة مساجد السلاطين الكبرى  بالآستانة، والمجمّع التابع له، وجامع السلطان أحمد أو الجامع الأزرق في حي الفاتح، وله ست مآذن صغيرة، ويضم قبر السلطان المؤسس ومدرسةً وتكية، وجامع الشاهزادة الذي بناه سليمان القانوني، وجامع السليمانيّة (جامع السلطان سليم الأوّل) ثاني أقدم مساجد اسطنبول، ويقع على إحدى هضاب اسطنبول، صمّمه المهندس المعماري الشهير سنان آغا، ويمتاز بمئذنتين طويلتين، وقبّة شبه مسطّحة ارتفاعها 32.5م، ويطل على منطقة القرن الذهبي، وقد بني هذا المسجد بأمر من السلطان سليمان القانوني، إحياءً لذكرى والده السلطان سليم الأول، والمسجد المجيدي (أورتاكوي) الذي أمر ببنائه السلطان “عبد المجيد الأول” عام 1860 م على شاطىء مضيق البوسفور، وقد بنى مكان مسجد قديم، وللمسجد مئذنتين مربعتي الشكل، ويتكون المسجد من كتلتين معماريّتين: الجامع، ومحفل السلطان، وقد صنف مسجد أورتاكوى كأجمل مساجد العالم.

وفي اسطنبول مئات الجوامع والتكايا والمدارس والقصور كضولمة بغجة، وجراغان ويلدز، وترك العثمانيّون فيها 45 مكتبة كخزانة طوب قبو، وآياصوفيا، والفاتح، وبايزيد، والسليمانيّة، ويضم متحف (توب كابي) في إسطنبول، الأمانات المقدّسة، وتشمل مقتنيات وسيوف وملابس للرسول (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء، وعدد من الصحابة، ويمكن للزوار رؤيتها داخل أروقة أحد أقسام المتحف، والمعروف باسم (خرقة السعادة)، وأبرز هذه (الأمانات) هي مقتنيات الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومنها قوسه وسيفه وشعرات من لحيته الشريفة، وختمه وبعض ملابسه كعمامته وبردته وحذائه وعصاه، وقالب يجسد أثر قدمه، والكثير من أغراضه الشخصية، بالإضافة إلى العديد من رسائله التي كان يتم نقلها في عهده، كما تتضمن (الأمانات المقدسة) 21 سيفاً من سيوف الخلفاء والصحابة الكرام، في مقدمها سيفين للنبي موضوعين على مخمل أزرق فوق صندوق من الفضة المزخرفة، وقد تم إصلاح أغماد وقبضات معظم السيوف في عهود السلاطين العثمانيين، كما غلفت بالمعادن الثمينة ورصعت بالأحجار الكريمة، وأبرزها سيوف الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.

كما يوجد في المتحف المصحف الشريف المخطوط، الذي كان سيدنا عثمان يتلو فيه عندما قتل في بيته، إلى جانب أمانات عديدة تتعلق بالكعبة المشرّفة مثل مفتاح الكعبة والقفل المصنوعين من الفضة.

وقام الكماليّون بنقل العاصمة الدينيّة والسياسيّة والاقتصاديّة للدولة العثمانيّة إلي أنقرة، تحت دعوى تحديث الدولة وعلمنتها، إلاّ أنّ اسطنبول بقيت متوقدة متألّقة على جبين الزمان.

وليتهم أدركوا أهميّة اسطنبول كما أدرك نابليون بونابرت أهميّة موقع اسطنبول فقال: "لو كان العالم كله دولة واحدة، لكانت إسطنبول عاصمته"، وقالت الحكماء: "من يحكم اسطنبول يحكم العالم" .

______________________________________________________________ (1) بلدان الخلافة الشرقيّة ص 169 كي لسترنج. (2) تاريخ التراث العربي ص 88 فؤاد سيزكين. (3) تاريخ الدولة العليّة العثمانيّة ص 93 محمد فريد. (4) القدس العربي 22/12/2017 ما هي أبرز «الأمانات المقدسة» الموجودة في قصر «توب كابي» في إسطنبول، إسماعيل جمال. 

 

الزيارات: 15535