أبو الصلت أميّة بن عبد العزيز بن أبي الصلت
(460/1064 529/1134)
العلامة الفيلسوف، الطبيب الشاعر، صاحب الكتب، من كبار فضلاء الأندلس في الطب والعلوم والأدب والموسيقى.
ولد أبو الصلت في مدينة دانية بشرق الأندلس، أخذ علوم اللغة والنحو عن قاضيها أبي الوليد الوقشي، وأقام في إشبيلية نحو عشرين سنة في رواية المقرّي، ولمّا سقطت طليطلة رحل إلى المهديّة سنة 488/ 1095، ودخل في خدمة ابن باديس الصنهاجي.
انكبّ على العلوم والفنون حتّى نبغ في الطب، والرياضيّات وتفوّق في الأدب المنثور والمنظوم، وصفه ابن أبي أصيبعة فقال" بلغ في صناعة الطب مبلغاً لم يصل إليه غيره من الأطباء، وحصل من معرفة الأدب ما لم يدركه كثير من سائر الأدباء، وكان أوحد في العلم الرياضي متقنًا لعلم الموسيقى وعمله، جيد اللعب بالعود، وكان لطيف النادرة، فصيح اللسان، جيد المعاني، ولشعره رونق، وأتى أبو الصلت من الأندلس إلى ديار مصر وأقام بالقاهرة مدة، ثم عاد بعد ذلك إلى الأندلس، وكان دخول أبي الصلت إلى مصر في حدود سنة عشر وخمسمائة، ولما كان في الإسكندرية حبس بها" في عهد الآمر بأحكام الله الفاطمي.
وجعل حبسه في خزانة للكتب فقضى في سجنه هذا ثلاث سنوات ونيفاً، ولكن إقامته في المكتبة عادت عليه بفوائد جمة، فقد نهل في أثنائها من مختلف العلوم والفنون من مخطوطاتها وألف كتاب (الحديقة) الذي نهج فيه نهج الثعالبي في يتيمة الدهر، وأتمّ فيه كتابه (الأدوية المفردة) و(رسالة العمل بالاسطرلاب.(
وتحدّث ابن أبي أصيبعة عن سبب حبسه فذكر أن مركبًا كان قد وصل إليها، وهو موقر بالنحاس فغرق قريبًا منها، ولم تكن لهم حيلة تخليصه لطول المسافة في عمق البحر ففكر أبو الصلت في أمره وأجال النظر في هذا المعنى حتى تلخص له فيه رأي، واجتمع بالأفضل بن أمير الجيوش ملك الإسكندرية وأوجده أنه قادر أن تهيأ له جميع ما يحتاج إليه من الآلات أن يرفع المركب من قعر البحر، ويجعله على وجه الماء مع ما فيه من الثقل فتعجب من قوله، وفرح به، وسأله أن يفعل ذلك، ثم آتاه على جميع ما يطلبه من الآلات وغرم عليها جملة من المال، ولما تهيأت وضعها في مركب عظيم على موازاة المركب الذي قد غرق، وأرسى إليه حبالًا مبرومة من الإبريسم (الحرير) وأمر قومًا لهم خبرة في البحر أن يغوصوا ويوثقوا ربط الحبال بالمركب الغارق وكان قد صنع آلات بأشكال هندسية لرفع الأثقال في المركب الذي هم فيه، وأمر الجماعة بما يفعلونه في تلك الآلات، ولم يزل شأنهم ذلك والحبال الإبريسم ترتفع إليهم أولًا فأولًا وتنطوي على دواليب بين أيديهم حتى بان لهم المركب الذي كان قد غرق، وارتفع إلى قريب من سطح الماء، ثم عند ذلك انقطعت الحبال الإبريسم، وهبط المركب راجعًا إلى قعر البحر، ولقد تلطف أبو الصلت جدًا فيما صنعه، وفي التحيل إلى رفع المركب، إلا أن القدر لم يساعده وحنق عليه الملك لما غرمه من الآلات وكونها مرت ضائعة، وأمر بحبسه.
ولمّا أطلقه توجّه إلى المهديّة، ونشر فيها الألحان الأندلسيّة.
وهو شاعر مطبوع له قصيدة باكية في رثاء أمّه مطلعها:
مدامعَ عيني استبدلي الدمعَ بالدم ولا تسأمي أن يستهلَّ وتسجمي
لحق بأن يبكــي دماً جفن مقلتـي لأوجب من فارقت حقاً وأرزم
له تصانيف مشهورة منها: كتاب في الصيدلة وآخر في تاريخ بني زيري بالمهديّة، و(الرسالة المصريّة) ذكر فيها ما رآه في ديار مصر من هيئتها وآثارها، ومن اجتمع بهم فيها من الأطباء والمنجمين والشعراء وغيرهم من أهل الأدب، وهي المخطوطة الوحيدة التي جرى تحقيقها، و(الوجيز) في علم الهيئة، و(رسالة في الموسيقى) و(الملح العصرية من شعراء أهل الأندلس والطارئين عليها) و(تقويم الذهن) في المنطق، و) الانتصار لحنين بن إسحاق علي بن رضوان في تتبعه لمسائل حنين).
وصفه الذهبي في سير أعلام النبلاء بأنّه "كان رأسا في النجوم والوقت والموسيقى ، عجبا في لعب الشطرنج، رأسا في المنطق وهذيان الأوائل".
رفض أقوال المنجّمين، ولم يخلط بين علم الفلك وصنعة التنجيم، كما كان سائداً في أوروبا، لأنّه كان يؤمن بالعلم ويكره الخرافة، ويبدو هذا المنحى العلمي القائم على المشاهدة والتجربة واضحاً في كتابه (الفلك والاسطرلاب).
وكانت وفاة أبي الصلت رحمه اللّه يوم الاثنين مستهل محرم سنة تسع وعشرين وخمسمائة بالمهدية، ودفن في المنستير، وقال عند موته أبياتًا، وأمر أن تنقش على قبره وهي:
ســكنتك يا دار الفــناء مصدقًـــا بأنــي إلـى دار البــقاء أصيـــر
وأعظم ما في الأمر أني صائـر إلى عادل في الحكم ليس يجور
فيا ليت شعري كيف ألقاه عندها وزادي قليــل والذنـــوب كثيــر
المراجع:
1 عيون الأنباء في طبقات الأطبّاء ج3 ص لابن أبي أصيبعة 86.
2 نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ج2 ص 308. للمقرّي.
3 سير أعلام النبلاء ج 19 ص 634 محمد بن أحمد الذهبي.
4 صفحة من مخطوط (رسالة العمل بالاصطرلاب) لأميّة بن عبد العزيز بن أبي الصلت، المكتبة البريطانيّة.