ابن تيميّة: أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله
نصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين، وكان سيفا على المخالفين المبتدعين
(661/1263 - 728/1328)
إمام مجتهد حجة، محدث حافظ، فقيه مجتهد، مفسر أصولي شيخ الإسلام، من كبار أئمّة أهل السنّة والجماعة.
ولد بحران ونشأ بها، قدم به أبوه وبأخويه بعد استيلاء التتار على البلاد إلى دمشق، اشتغل بالعلوم وحفظ القرآن وعني بالحديث وبرع بالنحو، كان والده من كبار الحنابلة وأئمتهم، سمع الحديث على جماعة من المسندين كالفخر بن البخاري، ومن ابن عبد الدايم، وابن أبي اليسر وعدة، وبرع في التفسير والحديث والاختلاف والأصلين وكان يتوقد ذكاء وغيره، وبلغ شيوخه أكثر من مائتي شيخ، شرع في الجمع والتأليف وهو ابن سبع عشرة سنة، ناظر العلماء واستدل وبرع في العلم والتفسير وأفتى ودرس.
وقام بوظائف والده بعد وفاته، فدرس بدار الحديث التنكزية وجلس مكانه على المنبر أيام الجمع لتفسير القرآن العظيم، وبقي يفسر في سورة نوح عدة سنين.
قال ابن العماد: فاق الناس في معرفة الفقه واختلاف المذاهب، بحث أنه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب بل يقوم دليله عنده، أتقن العربية أصولا وفروعا، ونظر في العقليات وعرف أقوال المتكلمين ورد عليهم ونصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين، وكان سيفا على المخالفين المبتدعين من أهل الأهواء، جاهد المغول وحرض الأمراء عليهم، سجن بمصر والشام بعد شيوع فتاويه في مسائل وجد منها حساده مدخلا لهم.
وقال فيه الحافظ ابن سيد الناس: فألفيته كاد يستوعب السنن والآثار حفظاً، إن تكلم في التفسير فهو حامل رايته، أو أفتى في الفقه فهو مدرك غايته، أو ذاكر بالحديث فهو صاحب علمه وروايته، أو حاضر بالنحل والملل، لم ير أوسع من نحلته في ذلك، ولا أرفع من رايته، برز في كل فن على أبناء جنسه، ولم تر عين من رآه مثله، ولا رأت عينه مثل نفسه.
وأثنى عليه ابن عبد الهادي الحنبلي فقال: وكان رحمه الله سيفاً مسلولاً على المخالفين، وشجى في حلوق أهل الأهواء المبتدعين، وإماماً قائماً ببيان الحق ونصرة الدين، وكان بحراً لا تكدره الدلاء، وحبراً يقتدي به الأخيار الأولياء، طنت بذكره الأمصار وضنت بمثله الأعصار.
وعندما دخل التتار بلاد المسلمين دعا إلى وجوب محاربتهم والتصدي لهم وقال: "قتال هؤلاء واجب بكتاب الله وسنة رسوله واتفاق المسلمين".
ولم يكتف ابن تيمية بتلك المواقف الواضحة والبينة في مواجهة أعداء الإسلام والمسلمين , فقام بالاشتراك بنفسه في الجهاد ضدهم وبذل ماله ونفسه في سبيل الله , وكان حاضرا في أرض الوغى ومقاتلا في سبيل الله مع المجاهدين , وكان يدور على المقاتلين يحثهم ويصبرهم ويعدهم بالنصر , "وكان هو وأخوه يصيحان بأعلى أصواتهما تحريضا على القتال وتخويفا للناس من الفرار".
ألف ثلاثمائة مجلد في الشرع وحل المسائل الفقهية وقيل بلغت مصنفاته خمسمائة، وصنّف في السجن كتاباً في تفسير القرآن سماه (البحر المحيط) في نحو أربعين مجلداً، وتناول العقيدة الإسلامية بجميع أصولها وفروعها وما له صلة بعلم الإسلام في موسوعته الفقهية: (مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية) المطبوعة سنة 1381 /1961 وله (الفتاوي المصرية) و(درء تعارض العقل والنقل) و(منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية) و(رفع الملام عن الأئمة الأعلام) و(كتاب الإيمان) و(السياسة الرعية في إسلام الراعي والرعية) و(الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح) و(الفرقان بين اولياء الرحمن وأولياء الشيطان) رد فيه على المتصوفة ردا لطيفا وهو سفر نافع جداً، دعا إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة، ومحاربة البدع كـ (العقيدة الواسطية) و( العقيدة الحموية) و(العقيدة التدمرية) و(اقتضاء الصراط المستقيم) و(منهاج السنة) و(الرد على البكري) و(الرد على الأخنائي) وكلها تهدف إلى العودة بالأمة الإسلامية إلى الكتاب والسنة، وإلى منهج السلف الصالح.
ولما صدر كتاب السلطان باعتقاله أظهر السرور والفرح بذلك وقال انا كنت منتظرا لذلك وهذا فيه خير كثير ومصلحة كبيرة، وركبوا جميعا من داره إلى باب القلعة وأخليت له قاعة وأجرى إليها الماء ورسم له بالإقامة فيها وأقام معه أخوه زين الدين يخدمه بإذن السلطان ورسم له ما يقوم بكفايته.
قال البرزالي: قرئ بجامع دمشق الكتاب السلطاني الوارد باعتقاله ومنعه من الفتيا وهذه الواقعة سببها فتيا وجدت بخطه في السفر وإعمال المطي إلى زيارة قبور الانبياء عليهم الصلاة والسلام وقبور الصالحين، وأمر قاضي القضاة الشافعي في حبس جماعة من أصحابه في سجن الحكم وذلك بمرسوم نائب السلطنة وإذنه له فيه ثم أطلقوا سوى شمس الدين محمد بن قيم الجوزية فإنه حبس بالقلعة؛ ومنع قبل وفاته بخمسة أشهر من الدواة والورق.
توفي ابن تيميّة في سجنة بقلعة دمشق، شيعه نحو خمسون ألف رجل حملوه على الرؤوس، وقبره معروف بحدائق جامعة دمشق.