الرئيس الشهيد محمد مرسي عيسى العيّاط
(1370/1951 ـ 1440/2019)
الرئيس الشرعي الخامس لجمهورية مصر العربيّة، والأول بعد ثورة 25 كانون الثاني 2011، التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك، وهو أول رئيس مدني منتخب انتخاباً حراً، من خارج المؤسّسة العسكريّة، لم يتربّع على عرش السلطة بقوّة الجيش وسطوة المخابرات المصريّة، ولم يزوّر نتائج الانتخاب، ولم يتلوّث بتهمة فساد كمن سبقه.
ولد الرئيس محمد مرسي عيسى العيّاط بني رشيد، في 20 أغسطس/ آب 1951، في قرية العدوة، مركز ههيا، محافظة الشرقية، حفظ القرآن في سن مبكّرة على العادة الحميدة لأبناء ريف مصر،
ونشأ وسط عائلة بسيطة إذ كان والده فلاحا فيما كانت أمه ربة منزل، وهو الابن الأكبر لهما، وكان له من الأشقّاء أختان وخمسة أخوة
تزوج في 30 نوفمير 1978 من السيدة الفاضلة نجلاء محمد وكانت ربّة بيت متديّنة ومثقّفة تنتمي لعائلة كريمة، وعضوة نشيطة في قسم التربية التابع للأخوات المسلمات.
انتمى فكريّاً إلى جماعة الإخوان المسلمين في عام 1977، والتحق بالتنظيم في عام 1979، واختير عضواً بالمكتب السياسي للجماعة في عام 1992.
وكان قارئاً نهماً، واسع الاطّلاع على كتب العربيّة والتراث الإسلامي، والعلوم العصريّة من مظانّها، وأتقن اللغة الإنجليزيّة إتقاناً تامّاً، وكان خطيباً مفوّهاً، متحدثاً لبقاً، تمتع بذكاء نادر وذاكرة عجيبة، وآتاه الله الحكمة والصبر على الابتلاء.
انتقل إلى القاهرة للدراسة الجامعية بكلية الهندسة (1970- 1975)، وتخرج من جامعة القاهرة بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وعين معيدا بها، وخدم في الجيش المصري يسلاح الحرب الكيميائيّة بالفرقة الثانية مشاة بين عامي (1975 ـ 1978)، ونال درجة ماجستير في هندسة الفلزات بجامعة القاهرة عام 1978، وسافر إلى الولايات المتحدة في عام تخرجه لإكمال الدراسة بموجب بعثة دراسيّة من البروفيسور كروجر بجامعة كارولينا الجنوبيّة، وحصل على الماجستير في الطاقة الشمسية عام 1978، ثم درجة الدكتوراة عام 1982 في حماية محركات مركبات الفضاء.
كتب عشرات الدراسات والأبحاث العلميّة في المجالات الصناعيّة، وخاصّة معالجة أسطح المعادن، وكان يطمح لتطوير إقتصاد مصر وتحديث المصانع القديمة، ودخول عصر الميكنة الزراعيّة والصناعات الثقيلة.
عمل استاذاً مساعداً في جامعة كاليفورنيا ـ نورث ردج بين عامي (1982 ـ 1985)، وأستاذاً ورئيس قسم هندسة المواد بكليّة الهندسة ـ جامعة الزقازيق بين عامي (1985 ـ 2010)، ومدرّساً في جامعة كاليفورنيا ـ نورث ردج، وجامعة كاليفورنيا ـ لوس أنجلوس، وجامعة القاهرة، وشارك في أبحاث تطوير المكوك الفضائي بوكالة ناسا الفضائيّة.
انتخب عضواً في مجلس الشعب المصري عن جماعة الإخوان المسلمين عام 1995، وأعيد انتخابه في عام 2000، وشغل منصب المتحدث باسم كتلة الإخوان المسلمين في مجلس الشعب، واختير عالميّاً كأفضل برلماني بين عامي (2000 ـ 2005) بسبب حسن أدائه.
شارك في تأسيس الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) مع عدد من الرموز السياسية عام 2004، كما شارك أيضا في تأسيس الجمعية المصرية للتغيير بالمشاركة مع الدكتور محمد البرادعي وآخرين عام 2010.
واختاره مجلس شورى الجماعة رئيساً لحزب الحريّة والعدالة في 30/4/2011، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وانتخب الدكتور عصام العريان نائباً له، والدكتور محمد سعد الكتاتني أميناً عاماً للحزب.
أعتقل الدكتور محمد مرسي سبعة أشهر في 18/5/2006، من أمام محكمة شمال القاهرة، بسبب مشاركته في مظاهرة شعبيّة لتنديد بإحالة المستشارين: محمود مكي، وهشام البسطاويسي، إلى لجنة الصلاحيّة، بسبب موقفهما من تزوير انتخابات مجلس الشعب في عام 2005، ثم وضع قيد الإقامة الجبرية في منزله، وعادت السلطات إلى اعتقاله في 28 يناير/كانون الثاني عام 2011، قبيل اندلاع الثورة التي أطاحت بمبارك في فبراير/شباط من العام ذاته، حتى قام الشعب الثائر بتحريره من سجن النطرون.
وعندما قرّر الإخوان المسلمون وحزب الحريّة والعدالة المشاركة في انتخابات الرئاسة في عام 2012، اختارته الجماعة مرشحاً احتياطيّاً إلى جانب المرشّح الرئيسي خيرت الشاطر، ولمّا حالت لجنة الانتخابات دون ترشيح الشاطر، دفعت به لخوض انتخابات الرئاسة، ولم تكن لدى مرسي رغبة في خوض السباق الرئاسي، لكنه التزم بقرار حزبه وجماعته بالترشح للانتخابات.
وكان قد أُعلن فوزه في 24 يونيو/حزيران 2012 بنسبة 51.73 بالمئة من أصوات الناخبين المشاركين على منافسه الفريق المتقاعد والوزير السابق أحمد شفيق، بدأت فترته الرئاسية مع إعلان فوزه في الانتخابات، وتولى مهام منصبه في 30 يونيو/ حزيران 2012 بعد أدائه اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستوريّة العليا.
ووفّى مرسي بوعوده الانتخابيّة للشعب المصري بأن حكومته ستمثل كل المصريين، لكن أعداء مرسي لم يتوقّفوا عن إثارة المشاكل، وتدبير المؤامرات خلال الفترة القصيرة التي أمضاها في الحكم، واستغلّوا تسامحه وكريم أخلاقه، واتهمه معارضوه بافساح المجال أمام الإسلاميين للإستيلاء على الحياة السياسية وإقصاء الآخرين، واحتكار السلطة من قبل جماعة الإخوان، وشنّوا حملة تحريضيّة عليه، إلاّ أنّه لم يستخدم صلاحيّاته بموجب الدستور بالضرب على أيدي المتآمرين خشية تعكير مناخ الحريّة والديمقراطيّة وحريّة التظاهر والتعبير السلمي.
وجرى عزله في انقلاب قاده من المؤسّسة العسكريّة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، في 3 يوليو 2013 في مصر، والذي جاء بعد مظاهرات غوغائيّة نظّمها المتآمرون على نظامه الشرعي، في 30 يونيو/حزيران 2013، ووضع الجيش المتعطش للسلطة خارطة طريق أوقف بموجبها العمل بالدستور، وحلّ البرلمان، وأسّس إدارة جديدة برئاسة رئيس المحكمة الدستوريّة العليا.
وأودع الرئيس في السجن في 3 يوليو 2013، بتهمة التخابر مع حماس، واقتحام السجون أثناء ثورة 25 يناير 2012، وتعرض خلال فترة سجنه للعديد من صور التعذيب، النفسي والجسدي، وشنّت أجهزة الإعلام المناوئة للثورة حملة شعواء للنيل منه وتشويه سمعته، ومنع من مقابلة أسرته ولجنة الدفاع عنه، وحرم من الجلوس مع محاميه، لإطلاعه على العديد من الأسرار الهامة والخطيرة، بشأن موقفه القانوني والتهم التي يتعرض لها، بينما كان الرئيس المعزول حسني مبارك ينقل بطائرة مروحيّة عسكريّة إلى قاعة المحكمة، ويقضي أوقاته في المستشفى بجانب أسرته.
لم يعترف بانقلاب العسكر، وأكد على عدم دستورية محاكمته، وأنه الرئيس الشرعي للبلاد، ولم يتزحزح حتى وفاته عن هذا المبدأ، وقال بتحد قولته التي أدخلته القفص الزجاجي العازل لمنع وصول صوته لوسائل الإعلام: "أنا الدكتور محمد مرسي، رئيس الجمهورية.. لقد كان انقلابا عسكريا. ينبغي محاكمة قادة الانقلاب أمام هذه المحكمة".
وكانت محكمة جنايات القاهرة قد قضت في العام 2017 بسجن مرسي مدة ثلاث سنوات لإدانته بإهانة المحاكم والسلطة القضائية وسب أعضاء الهيئة القضائية والإخلال بمقامهم من خلال الإدلاء بأحاديث تليفزيونية وإذاعية عبر القنوات الفضائية قبل عزله عن الحكم في 2013.
وفي آخر جلسة للمحكمة حضرها الشهيد مرسي، ترافع مرسي مطالبا ببطلان المحاكمة، ثم أعلن عن امتلاكه مستندات خاصة بها معلومات مهمة يريد عرضها في محاكمة خاصة.
ونقلت مصادر للجزيرة ما قاله مرسي في آخر لحظات حياته: “حتى الآن لا أرى ما يجري في المحكمة، لا أرى المحامي ولا الإعلام ولا المحكمة، وحتى المحامي المنتدب من المحكمة لن يكون لديه معلومات للدفاع عني”. ثم أنشد بيت الشعر “بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام”.
وقال عبدالمنعم عبدالمقصود أحد محاميه الذي كان يحضر جلسة المحاكمة، إن "المحامين لا يستطيعون رؤية مرسي والمتهمين الآخرين داخل قاعة المحكمة لأنهم يقفون في قفص زجاجي محاط بقفص آخر حديدي ولكننا علمنا ونحن في القاعة أنه سقط مغشيا عليه وأشار إلينا بعض السجناء الواقفين الى جواره بأيديهم بأنه لا يوجد نبض"، مضيفا "رأيته من بعيد بعد ذلك خارجا على نقالة من المحكمة".
وتابع "لا يعرف إلى أي مستشفى نقل "جثمان مرسي لأن السلطات لم تسمح لنا بمغادرة القاعة إلا بعد ربع ساعة من انتهاء الجلسة"، مؤكدا أن الرئيس المعزول "كان يتحدث بطريقته العادية ولم يكن منفعلا بشكل خاص وعندما اغشي عليه تصورنا أنها غيبوبة سكري وسيفيق منها لأنه مصاب بالسكري.
وقام الإعلام المصري رغم أهميّة الحدث بالتعتيم عليه، وتناولت الصحف المصريّة هذه الجريمة المروعة بشكل مقتضب بصفحة الحوادث، بينما كانت شعوب العالم الإسلامي المكبّل بالقيود تضجّ بالحادث الجلل، وأقيمت صلاة الغائب على روحه الطاهرة في معظم أرجاء الدنيا، وبكته العيون واهتزّت لهول جريمة اغتياله القلوب.
ومن الجدير بالذكر أنّه يوم وفاة مرسي وافق اليوم الذي أعلن فيه تقدمه على 12 مرشحا في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة عام 2012، ووافق يوم استشهاد الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وهي مفارقة يربطها مناصروه بحرصه على عدم سفك الدماء، وهو نفس ما كان يحرص عليه الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه.