وثيقة عثمانيّة نادرة رفعها علماء المسلمين إلى السلطان عبد الحميد

نشر بتاريخ: الإثنين، 08 تشرين1/أكتوير 2018 كتب بواسطة: -

بسم الله وبحمده
"بعد حمد الله الذي بتوفيقه تستقيم الأمور، والصلاة والسلام على نبيّه في الآصال والبكور، والدعاء إلى أمير المؤمنين السلطان الأعظم والخاقان المعظّم، مولى ملوك العرب والعجم، مولانا الغازي عبد الحميد خان، أيّد الله به الإسلام، وأيّد له النصر والسداد، ما تعاقبت الصلوات.
     هذا العرض لدولته الفخيمة، وفخامته الكريمة، أنّ الله جلّ ثناؤه لم يختر خليفة عن حضرته العليّة في خلقه إلاّ ليقيم أمر الدين، ويقوّم عوج المسلمين، ويسوس الدنيا والدين، بما آتاه الله من وافر العقل، وباهر الحزم، وماضي العزم، وما منّ عليه من جميل التوفيق، وسلوك أقوم طريق، وغير خاف على دولته المستنيرة بنور الله جلّ شأنه أنّ الداء لا يبرئ والجرح لا يندمل، ولو عولج بكل دواء، ما دام السبب قائماً، وإنّا نرى أنّ ما ابتلي به الدين المحمّدي، وعرى الملك الإسلامي من الضعف وكثرة التضجّر، وإظهار التحسّر، وكساد الأسواق، وقلّة البركة بالأرزاق وغيرها،

واشتداد الأمر، وازدياد القهر، وكثرة العنا والتعب، والشدائد والكرب، إنّما هو لتهاون الناس بأوامر الله ونواهيه، فأجلوا معاصيه بالعكوف عليها، والتجاهر بها، وأخلّوا أمر الشرع بالتهاون بها، وجعلوها نسياً منسيّا، واتّباع عادات الإفرنج والكفرة، والافتخار بتجميلها، وترك السنّة المحمّديّة الإسلاميّة، حتى فشت المنكرات والمعاصي في الأقطار، وصارت ديدن الأعيان والعوام والصغار والكبار، ولا يوجد منكر ولا زجر، وما فشت المعصية في قوم إلاّ حلّ بهم الوبال، وشدّد عليهم النكال، وأخذوا بقهر السلاسل والأغلال، ورموا بسوء الحال، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: "إذا خفيت المعاصي لم تضر إلا صاحبها، وإذا ظهرت ضرّت العامّة". وفي الحديث أيضاً: "لتأمرنّ بالمعروف ولتنهوّن عن المنكر أو ليسلّطنّ الله عليكم شراركم، فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم". وما اضمحلّ الدين والدولة، وفسدت الدنيا والآخرة إلاّ بالتهاون في أمر الشريعة المحمّديّة، وعدم المحافظة على حقوقها، وقد قال الله: ظهر الفساد في البرّ والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلّهم يرجعون". وقال: "إنّ الله لا يغير ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم". وقال: "إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم". أي إن تنصروه بامتثال أمره، واجتناب نواهيه، وقتال أعدائه، ينصركم عليهم، ويثبّت أقدامكم في قتالهم ولا يخذلكم، وينعكس الأمر ويزلزل أقدامكم، والسلطان ـ أعزّه الله تعالى ـ هو الإمام الأعظم الذي على قطبه تدور رحى الملل المحمّديّة، وتنتظم عقود الممالك الإسلاميّة، وعلى كلّ مسلم واجب على قدر استطاعته، إن يعرض له من الغابرات في ممالكه ليتدارك أمرها، ويسدّ خللها، ولقد ظهرت المعاصي ظهور الشمس في رابعة النهار، في جميع البلدان والأقطار من المنكرات وأنواع الكبائر والمحرّمات التي تكون سبباً لعموم البلاء، وكسر شوكة المسلمين وعزّتهم وقدرهم، وخراب بلادهم، وتسليط العدو، وتشتيت القلوب، وعدم طاعة الأصاغر إلى الأكابر والرعيّة إلى الأمير، ووقوع الاختلاف والفتنة فيما بينهم، وقلّة المطر والنبات والقحط والغلاء، وكثرة الموت والوباء، وعدم قبول الدعوات، هي ما سنسرده، فنقول أعظم من وأكبرهنّ الإشراك بالله والكفر.
1 ـ ترك إجراء الأحكام والحدود الشرعيّة، والأركان المحمّديّة، والحكم بغير ما أنزل الله تعالى.
2 ـ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسكوت والإقرار عليه عند علمه ورؤيته،     وعدم المبالاة.
3 ـ قتل النفس بغير الحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وأخذ الرشوة، والزنا واللواط، وشرب الخمر والمسكرات، وأكل لحم الخنزير.
4 ـ ترك الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، وقذف المحصنة، والبهتان، والنميمة، والكذب، والحسد.
5 ـ ألفاظ الكفر وأفعاله المشابهة لأفعال الكفرة وعاداتهم، بغير ضرورة شرعيّة.
6 ـ أنواع البدع في الاعتقاد، والأعمال والأفعال والهيئة وغيرها.
7 ـ رغبة الناس إلى عادة الكفرة، وترك السنّة السنيّة المحمّديّة، وعدم الغسل من الجنابة.
8 ـ أنواع الربا في المعاملات والديون والاسهام وغيرها.
9 ـ أنواع الاسرافات في الأكل والشرب واللباس والزينة والبناء وغيرها.
10 ـ إفشاء المعصية في بلاد المسلمين، كشرب الخمر، والزنا، والأكل في نهار رمضان عمداً، وشرب الحشيش والأفيون وغيرها.
11 ـ افتتان النساء والناس بعضهم بعضاً.
12 ـ شهادة الزور، وكتم الشهادة للخاطر، والشهادة بلا طلب لإبطال الحق.
13 ـ اتخاذ الأصنام، والتصاوير في البيوت، وصورة كل ذي روح، ولو كان صورة الأنبياء والملائكة.
14 ـ أخذ المكس من غير محلّه، وأخذ العشر والراج فاحشاً.
15 ـ عدم منع الساحر والمنجّم والكاهن والعرّاف وأمثالهم.
16 ـ عدم الاهتمام في مصالح المسلمين، وأمورهم المتعلقة بالأحكام والمجالس والأقلام.
17 ـ الالتفات إلى كلام المزوّرين الفاجرين الظاهرة تزويرهم وفجورهم، وعدم تأديبهم.
18 ـ هدم المساجد والمقابر لهوى النفس، وجعلها مزبلة وطرقا، من غير ضرورة شرعيّة.
19 ـ بيع الأوقاف وتبديله، وبيع الفاسد، والغش والنقصان.
20 ـ بيع الحرائر وافتراشهنّ، واستعمالهنّ استعمال الأرقّة، كالجراكسة والسودانيّة المسلمات اللاتي لم يقع عليهنّ رق أصلاً.
21 ـ بيع العبد المسلم، والأمة المسلمة إلى الكفّار والفجّار.
22 ـ خصاء العبيد وظلمهم، وقطع الأعضاء، والمثلة، والوشم.
23 ـ الإعانة على احداث الكنيسة في دار الإسلام، واحداثها في محلاّت المسلمين وقربهم.
24 ـ عدم تعظيم القرآن في الختمات وغيرها، كشرب الدخان، والكلام اللغو، في مجلسه وأمثالها.
25 ـ عدم حرمة المساجد بالنوم، وبإدخال الصبيان فيها، ووقوع رائحة كريهة بسببها، وسائر المؤذيات للمصلين.
26 ـ عدم النظافة في المساجد، وتنجيس محل الوضوء في الحنفيّات بالبول فيها، مع وجود الخلاء، وكشف العورة فيها.
27 ـ تحقير أهل العلم والصلاح والمشايخ من المؤمنين.
28 ـ تعظيم قسّيس اليهود والنصارى على علماء المسلمين، من غير ضرورة شرعيّة.
29 ـ عدم أخذ الجزية من الذميّين، وعدم رعايتهم إلى شروط الذمّة الشرعيّة.
30 ـ ظلم أهل الذمّة من غير وجه شرعي، وعدم محافظة أموالهم وأعراضهم.
31 ـ استعمال الكفرة على أعمال بلاد الإسلام بالماهيّات الجسيمة الفائقة.
32 ـ إعطاء العمّال فوق كفايتهم الشرعيّة أضعافاً مضاعفة.
33 ـ طمع العمال إلى أموال فقراء المسلمين، والدخول في بيعهم وشرائهم.
34 ـ عدم تحقيق حركات المأمورين والعمّال وأمناء بيت المال.
35 ـ عزل الوزير الصالح وتولية الجائر، واستعمال الطبيب الجاهل الفاجر,
36 ـ إعطاء الرتبة والمأموريّة إلى غير المستحقين، من غير التحقيق والتجربة بسبب الالتماس.
37 ـ استعمال الخائنين المردودين من المأموريّة، بسبب خيانتهم البيّنة المحقّقة.
38 ـ اتخاذ القينات والمزامير واللعب واللهو وأنواعها، والتغني بالأشعار، وتياطورا ونحوها.
39 ـ شرب النساء الخمر، وسقائه للمعصومين من الأطفال والمجانين، وسائر المسكرات والمخدّرات والمفتّرات والخبائث.
40 ـ  كشف العورة في النساء والرجال في الأسواق والشوارع والحمّامات، وعدم المبالاة بها.
41 ـ إشهار النساء والرجال أنواع الفواحش في الأسواق والطرقات، وانغماسهن فيها وغيرها.
42 ـ السرقة والجناية والتطفيف في الكيل والوزن والذراع وغيرها.
43 ـ إحداث البناء والخلاء على مقابر المسلمين، والبيتوتة فيها، وإجراء أنواع الفواحش فيها.
44 ـ زيارة النساء المقامات المباركات، بارتكاب أنواع المناهي والمعاصي.
45 ـ تجارة النساء في الأسواق وغيرها، مع وجود أزواجهنّ ومحارمهنّ، بغير ضرورة، يجار النساء مع الرجال لأعمال الأبنية والطرقات.
46 ـ اتباع النساء الجنائز، مع النياحة وشق جيوبهنّ، وصبغهنّ بالسواد، واجتماعهنّ بمنزل الميّت في كل يوم خميس، ونياحتهنّ فيه.
47 ـ الذبح للميّت والطعام إلى أربعين يوماً، واتخاذ المأتم له.
48 ـ نبش التربي للقبور، وأخذهم أكفان أموات المسلمين.
49 ـ قصّ اللحية وحلقها، وعدم حلق الشارب، وإظهار الولاية وادّعائه، مع ترك الفرائض، وارتكاب أنواع المعاصي.
50 ـ خدمة نساء المسلمين إلى الكفرة، والبيتوتة معهم بالإيجار أو غيرها، وجلوسهن في حجر الكفرة للبس الجزمة وغيرها في الدكاكين.
51 ـ عقوق الوالدين المسلمين، والأمير والأستاذ والمشايخ، وقطع صلة الرحم بغير ضرورة شرعيّة.
52 ـ لعن الأصحاب وسبّهم، وملاعنة المسلمين بعضهم بعضا، وغيرها من المنكرات التي تكون علناً وجهرا.
53 ـ عدم تشديد السياسة لدوام الرئاسة، وحصول الأمن والاستراحة، وتأييد الشرع بالقول والفعل لأمنية الجهاد.
فمضرّة هذه المناهي شاملة لعموم المسلمين في الدنيا والآخرة بقدر استطاعتهم في النهي والمنع، عن هذه المنكرات، ولا ضرورة لنا ولا يرقى في منعها، لأنّه لا دخل ولا تعرّض فيها لحقوق الدول السائرة، ولهذا يكون فرضاً قطعيّاً منها بأي وجه كان، سواءً بمعرفة الضبطيّة والعساكر، أو بواسطة مشايخ البلدان وإمامهم ومختارهم وعلمائهم، ومن الله الإعانة والتوفيق، وهو الذي ينزّل الغيث من بعد ما قنطوا، وينشر رحمته، وهو الولي الحميد". 
29 رمضان 1296 هـ
تواقيع العلماء (مع احترام الألقاب)
محمد البنهاوي الشافعي الآزهري، يوسف الحنبلي شيخ الحنابلة بمصر القاهرة بالازهر، محمد البسيوني البيباني، مصطفى الاشراقي الشافعي، مصطفى عز الشافعي بالأزهر، إبراهيم القطب الحنفي بالأزهر، عبد الهادي الابناري، حسن العدوي خادم العلم الشرعي الازهري، محمد الخضري خادم العلم بالأزهر، متولي على القاضي الحنفي بالأزهر، محمد علي الشامي الرافعي الحنفي، حكمت داود المالكي، سليمان الغجار السندنهوري المالكي، عبدالوهاب السيوطي الحنفي، عبداللطيف الخليل الشافعي، سليمان العبد الشبراوي، أحمد الحمد الشافعي السباعي، يحي مصطفى البولاقي، أحمد حنفي المالكي، أحمد المنصور المالكي، محمد أبو الفضل المالكي بالأزهر، علي الشامي الجيزاوي، أحمد فايد الزرقاني، صالح الجباوي الشافعي، مسعود النابلسي الحنفي بالأزهر، حسن محمد القويسني بالأزهر، علي المخللاتي الغزي بالأزهر، عبد الحي الشافعي، علي مرزوق المالكي بالأزهر، علي الجنايني الشافعي بالأزهر، سالم الشبيني الشافعي بالأزهر.
مصدر الوثيقة: الإرشيف العثماني استنبول تحت تصنيف رقم  Y PRK MK 00010016005
و(ملتقى أهل الحديث)
      


 

الزيارات: 4127