عثمان بن عبد الرحمن بن موسى الشرخاني
ابن الصلاح
(577/1181 ـ 643/1245):
الملقب بالشيخ، أحد الفضلاء المقدمين في التفسير والحديث والفقه وأسماء الرجال، من كبار الأئمّة، وكانت له مشاركة في فنون عديدة،
من أصول كرديّة مسلمة، ينسب إلى شهرزور من أعمال إربل، ولد بشرخان ونسب إليها.
حفظ القرآن في بلده وجوّده، وقرأ الفقه على أبيه الصلاح، وارتحل إلى الموصل، ولازم العماد بن يونس إمام وقته في المذهب والأصول والخلاف، وأقام في المدرسة النظاميّة بالموصل معيداً لشيخه حتى برع، وسمع من عبيد الله بن السمين الورّاق وقرأ عليه كتاب (المهذّب لأبي إسحاق الشيرازي)، وطوّف في الحواضر العلميّة فحصل على علم كثير بخراسان ونيسابور ومرو وقزوين قبل أن يجتاحها التتار في عام 616هـ ويخرّبوا مكتباتها، ويشتّتوا علماءها.
ولقي الحافظ المسند منصور بن عبد المنعم الفراوي بإربل، وأبا الخطاب ابن دحيّة الكلبي بنيسابور، وسمع من أبي المظفّر السمعاني بمرو، والإمام الرافعي بقزوين.
ثمّ رجع إلى الشام واستوطنها سنة 603/1207 وصنّف فيها كتبه وتولى التدريس بالمدرسة الناصرية (الصلاحيّة) بالقدس المنسوبة إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وأقام بها مدة واشتغل الناس عليه وانتفعوا به، فلما أمر المعظم بهدم سور المدينة نزح إلى دمشق، وتولى تدريس المدرسة الرواحية، ولما بنى الملك الأشرف ابن الملك العادل بن أيوب رحمه الله تعالى دار الحديث بدمشق فوض تدريسها إليه، واشتغل الناس عليه بالحديث ثم تولى تدريس مدرسة ست الشام زمرد خاتون بنت أيوب، فكان يقوم بوظائف الجهات الثلاث من غير إخلال بشيء منها إلا لعذر ضروري لا بد منه، وكان من العلم والدين على قدم حسن، وأشتغل وأفتى وجمع وألّف، تخرج به الأصحاب وكان من كبار الأئمة، واشتغل الناس عليه وانتفعوا به.
وكان ورعاً زاهداً، ملازماً طريقة السلف، مسدّداً بفتاويه، وكان من أعلام الدين أحد فضلاء عصره في التفسير والحديث والفقه مشاركا في عدة فنون متبحراً في الأصول والفروع يضرب به المثل، سلفياً زاهداً حسن الاعتقاد وافر الجلالة، "وشهد له مؤرّخوه من أصحابه وتلاميذه على أنّه كان وافر الجلالة والعقل، حسن السمت، نبيلاً متبحّراً في العلم، مضرب المثل في الطلب، مجتهداً في العبادة والطاعة، مشهوداً له بالورع والتقوى والصلاح والسداد، مجمعاً على إمامته وجلالته".
صنّف في علوم الحديث كتاباً نافعاً هو: (علوم الحديث) المشهور ب (مقدمة ابن الصلاح) أو (معرفة أنواع علوم الحديث) أشهر كتب علم مصطلح الحديث، ذكر فيه ابن الصلاح خمسة وستين نوعاً من علوم الحديث، قال عنه ابن حجر: "فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره، ولا يحصى كم ناظم له ومختصر، ومستدرك عليه ومقتصر، ومعارض له ومنتصر"، واختصره ابن كثير في (اختصار علوم الحديث) أو(الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث) الذي شرحه العلاّمة احمد شاكر وعلّق عليه الألباني وحقّقه حسن عبد الحميد الحلبي الأثري، وله (مشكل الوسيط) في مجلّد كبير، و(الأمالي) و(طبقات الفقهاء الشافعيّة) الذي هذّبه ورتّبه واستدرك عليه الإمام النووي، وقال النووي: "هو كتاب نفيس لم يصنّ مثله، وزلا قريب منه، ولا يغني عنه في معرفة الفقهاء غيره، ويقبح بالمنتسب إلى مذهب الشافعي جهله"، و(فوائد الرحلة) وهي فوائد غريبة من أنواع العلوم جمعها ابن الصلاح في رحلته إلى خراسان، وسمّاها صاحب هديّة العارفين باسم (الهديّة الشرقيّة)، و(أدب المفتي والمستفتي) وجمع أصحابه فتاويه في (الفتاوي) مجلّد، وذكرها التاج السبكي في طبقاته الكبرى وقال: فيها فوائد، وكلامه يدلّ على فضل كبير واستحضار للمذهب، و(شرح صحيح مسلم) ونشر حديثاً بعنوان: (صيانة صحيح مسلم من الخلل والغلط وحماية من الاسقاط والسقط)
توفي بدمشق في الامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث أربعين وستمائة، وصلي عليه مرّتين، ودفن غربي مقابر الصوفيّة.
المراجع:
(1) كشف الظنون ص 48 و ص 70 و ص 836 حاجي خليفة. (2) وفيات الأعيان ج 1 ص 560 أحمد بن محمد ابن خلكان. (3) طبقات الشافعيّة ج 2 ص 133 جمال الدين عبد الرحيم الأسنوي. (4) شذرات الذهب ج 5 ص 221 عبد الحي بن أحمد ابن العماد العكري. (5) طبقات الحفاظ ج 1 ص 503 عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي. (6) طبقات الفقهاء ج 1 ص 264 ابراهيم بن علي الشيرازي. (7) سير أعلام النبلاء ج 23 ص 140 شمس الدين محمد الذهبي.(8) مقدمة ابن الصلاح ومحاسن الاصطلاح د. عائشة عبد الرحمن.