محمد بن أبكلي محمد طاهر عاكف آرصوي
دعا إلى الوحدة الإسلاميّة ورفض فكرة التخلي عن الدولة العثمانيّة في كتاباته وأشعاره
(1290/1873 _ 1355/1936)
شاعر الهويّة الإسلاميّة العثمانيّة، خطيب الثورة التركيّة و داعيتها، وناظم نشيد الاستقلال، أحد دعاة القوميّة العثمانيّة الإسلاميّة البارزين، و داعية الإصلاح الديني والسياسي، وداعية الإسلام في الشعر التركي الحديث.
ألباني الأصل، ولد في إستانبول، من أم بخاريّة، تلقّى على والده العالم الفاضل العربيّة وآدابها، والأدبين التركي والفارسي، وبعض العلوم الدينيّة،
وكان أبوه مدرّساً بمدرسة الفاتح، حفظ القرآن صغيراً، تأثر بقدري أفندي، ومعلم ناجي، وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، وعبد الرشيد إبراهيم، وكان معجباً بمحمد فريد وجدي، وكانت دواوين إقبال الرائعة سلوى نفسه.
درس سير فطاحل شعراء الصوفيّة، وكان إعجابه بابن الفارض، وسعدي الشيرازي لا يوصف.
تعمّق في الأدب التركي والفرنسي، وفتح عيون المثقّفين الأتراك على الأدب الفارسي، وشعره الرائع.
التحق بمدرسة الطب البيطري باستانبول وتخرّج طبيباً سنة 1312/1895 عيّن أستاذاً للأدب العثماني بجامعة إستانبول، وتولّى تحرير (مجلة الصراط المستقيم) ونشر بها أشعاره التي امتازت بصدق العاطفة، ومجلّة (سبيل الرشاد).
تولى بعض الوظائف المدنيّة في القسم البيطري بوزارة الزراعة العثمانيّة، ثم في البلقان وشبه الجزيرة العربيّة بين عامي (1894 ـ 1898).
أخرج مع صديقه أشرف أديب مجلات أدبية وسياسية، مثل (صراط مستقيم) و(سبيل الرشاد) باللغة التركية العثمانية، عمل مدرّساً في المدرسة الزراعيّة العالية بهالقالي، وكليّة الآداب بإستانبول، وفي عام 1915.
آمن بالوحدة الإسلاميّة، ورفض الدعوة الطورانيّة، ودعا إلى إقامة الدين، والوقوف عند حدوده، وبين خطر العنصريّة، والدعوات القوميّة، وبثّ الأمل في نفوس المسلمين بنهضة شاملة، وحذّر من مظاهر التخلّف، و التجزئة السياسيّة، التي يريد الاستعمار فرضها على بلاد المسلمين، ورأى أنّ الأتراك العثمانيّين وإن كانوا من الترك أصلاً محتدّاً فقد أصبحوا باختلاط دمهم بسائر الأمم التي ساكنوها من فرس وعرب وكرد.. الخ أمّةً قائمة بذاتها قد ابتعدت كثيراً عن الترك الأصليّين ولا سيّما المغول الذين اشتهروا بسفك الدماء، وتخريب الديار، ونسف العمران مما اتفق المؤرّخون شرقاً وغرباً على أنّه دأبهم، حال كون العثمانيين قد عرفوا بصباحة الوجوه، وكرم الأخلاق، ودماثة الطباع، وحب المدنيّة والجمع بين شدّة البأس ورقّة الشمائل، ويزيدون على ذلك أنّ الثقافة التركيّة العثمانيّة والأدب العثماني هما خاصّان بأتراك آل عثمان لأنّهما مقتبسان من الآداب العربيّة والفارسيّة، وكان ينتمي إلى فئة تبرأ من المغول وتلعن تاريخهم، وتقول إنّهم كانوا سبب بوار الشرق وانحطاط الإسلام، وكان يصيح بأعلى صوته: أيها الشرق الكبير، اعقد العزم على أن تتحرك. كان محور إصلاحه السياسي حول إصلاح أحوال المسلمين عن طريق العودة إلى التعاليم الإسلاميّة، و التمسّك بها، و الخصومة من القوميّة والعنصريّة ؛ وجّه أشعاره وأدبيّاته إلى الألبانيّين عندما أرادوا الانفصال عن الدولة العثمانيّة ودعاهم إلى الوحدة والتضامن مع إخوانهم الأتراك ؛ وساهم في حرب الاستقلال وكافح القوى الأجنبيّة الغازية بيده ولسانه ؛ فقدّر مواطنوه كفاحه الوطني وجرأته وقدّموه ممثّلاً عنهم في البرلمان التركي سنة 1338/1920، عن محافظة بوردور التركيّة بين عامي (1920 ـ 1923) ؛ ودعا إلى الوحدة الإسلاميّة ورفض فكرة التخلي عن الدولة العثمانيّة في كتاباته وأشعاره، وكان يرى أنّ إعلان الجمهورية العلمانيّة في تركيا عام 1923 بمثابة الضربة المعنوية الرئيسية له ولمشاعره الإسلاميّة، وكان يرى أن من أسباب تخلّف العالم الإسلامي كَوْن الأدب يخاطب الطبقة المثقفة فقط ولا يخاطب الجماهير، وعاش متواضعاً، صادقاً، أميناً، محبّاً لوطنه وأمّته، والإسلام والإنسانيّة، جريئاً في الحق.
رفض قانون القبّعة وسخر منه وفضّل الهجرة عام 1342/1924 إلى مصر، فعمل أستاذاً للأدب التركي بجامعة فؤاد الأوّل.
افتخر في جلّ أشعاره بقيم الإسلام، وكان يعتمد في نظمه على مخزون ضخم من الفصاحة والبلاغة، وكان ينتقد القوميّة الضيّقة فيقول: يا جماعة المسلمين.. أنتم لستم بعرب ولا ترك ولا بلقانيين ولا أكراد ولا قوقازيين، ولا شركس، أنتم فقط عبارة عن أفراد في أمّة واحدة هي الأمّة الإسلاميّة، وكلما حافظتم على الإسلاميّة لم تفقدوا قوميّاتكم، وحين تسقط أو تضيع قوميّاتكم فلن تكونوا مسلمين.
تغنّى بشعره الحماسي الديني كافّة الأتراك في الوطن الإسلامي.
واشتهرت قصيدته (جاناق قلعة) التي صوّر فيها ملحمة الجهاد ضد اليونان تصويراً رائعاً، تلك الملحمة البطوليّة التي استشهد فيها نحو نصف مليون مسلم من أبناء دولة الخلافة ؛ ونظم قصيدة نشيد الاستقلال في عام 1921 وقت وقوع محاولات الغزو الأوروبي لتركيا في أعقاب الحرب العالمية الأولى الذي يقول فيه:
لا تخف، هذا العلم المرفرف لا يُنكّس.
ولو أرادوا تَنكيسه فليحرقوا آخر موقع في الوطن.
ولسوف يلمع في الأفق، لأنه نجم وطني.
هو لي، وهو ملك لشعبي أيضاً.
أيها الهلال الجميل، لن تُمزق سأفديك بنفسي.
وأيًّا كانت هذه الشدة والعنف فهي وردة فوق عرقي البطل.
إن الدماء التي لا تسيل من أجلك، تكون حلالاً من بعد.
وإذا قلنا الحق، فمن حق أمتي الاستقلال.
وجاء فيه:
أسألك يا ألله ألا تلمس، أيدي الأعداء صدر مسجدي.
فهذا الأذان أساس الدين، وليدوّ أبداً فوق موطني.
نظم سبعة دواوين شعريّة في غاية الروعة والبيان منها: ديوانه الكبير (صفحات) 1911 وديوان: (في منبر السليمانية) 1912 و(أصوات الحق) 1913 و(في منبر الفاتح) 1914 و(الخواطر) 1917 و(عاصم) 1919 و(الظلال) 1933 وتجلّى النثر الفني العثماني في مقالاته التي كان ينشرها في الجرائد والمجلاّت الإسلاميّة، وفي المواعظ التي كان يلقيها على منابر جوامع إستانبول، وشرح كتاب (الواردات لابن سماونة) وترجم مقالات محمد فريد وجدي (نساء الإسلام) وترجم لعبد العزيز جاويش موضوعات فكرية منها: (القومية والدين) و(الإسلام و المدنية) وترجم أكثر من ثلاثين مقالة للشيخ محمد عبده إلى التركية.
عاد إلى تركيا سنة 1355/1936 وقد هدّه المرض، فمات وخرجت الأمّة لتوديعه.
كتب في سيرته محمد عبد السلام فهمي (شاعر الإسلام محمد عاكف).
______________________________________________________________ (1) شاعر الإسلام محمد عاكف. محمد عبد السلام فهمي. (2) الأدب التركي الإسلامي ص 201 محمد هريدي. (3) حركة الجامعة الإسلامية ص 50 أحمد الشوابكة. (4) الحركات الإسلامية الحديثة في تركيا أحمد النعيمي. (5) النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين ج 1 ص 375 محمد رجب بيومي. (6) مجلة الأدب الإسلامي س 2 ع 6 شوال 1415 محاضرة أحمد نار عن الأدب الإسلامي في اللغة التركية. (7) حاضر العالم الإسلامي م 1 ص 157 لوثروب ستودارد.