الانقلابيّون: أهداف خفيّة وأمراض نفسيّة

نشر بتاريخ: الجمعة، 01 كانون2/يناير 2016 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

وصف المؤرّخون معاناة الخلفاء على أيدي الجند البويهيين والأتراك والانكشاريين، وما آلت إليه أحوالهم حتى سقطت بغداد في يد التتار، ووقعت القسطنطينيّة في أيدي الدونمة.

فقد استبد البويهيّون بالدولة العباسية واستولوا على الخلافة وعزلوا الخلفاء وولوهم، ورفعوا منار الشيعة والاعتزال. 

واتجه المعتصم العباسي نحو إحلال العنصر التركي محل العنصر العربي والفارسي، حتى بلغ من شدة نفوذ الأتراك أن أحد قادتهم بغا استطاع قتل الخليفة العباسي المتوكل، ووزيره الفتح بن خاقان، ومبايعة المنتصر خليفة من بعده، وقتلوا المعتز لمحاولته اصطناع المغاربة والفراغنة، وقهروا المعتمد وحجروا عليه وسلبوا من يديه السلطة، واشتهر من القادة الأتراك: الإفشين، وآشناس، وإيتاخ، وبغا الصغير، وبغا الكبير أوتامش.

 وأخذت دولة بني العبّاس في الانحطاط بتغلّب الأتراك والديلم، ولم تزل منحطّة وليس للخلفاء آخر الأمر إلاّ الاسم فقط، حتى سقطت بغداد بيد التتار.

وكان الانقلابيّون المهزومون في الحرب العالميّة الأولى في كثير من بلاد المسلمين يحملون أهدافاً خفيّة، ففي تركيّا علّقوا العمل بمجلّة الأحكام العدليّة، ومنعوا الكتابة بالأحرف العربيّة ليقطعوا تاريخ وتراث العثمانيين عن حاضرهم، وألغوا التقويم الهجري، وحوّلوا مسجد آيا صوفيا إلى متحف، وألغوا وزارة الأوقاف، وأبطلوا عطلة الجمعة، وفرضوا السفور والقبّعة، وأمروا برفع الأذان بالتركيّة، وجاؤوا بقرآن محجوب البيان والمقاصد عن الأمّة، بينما كان العالم الإسلامي يقف مذهولاً أمام هذه الأحداث الشنيعة.

 

ولم تتوقّف الانقلابات العسكريّة في تركيّا (1960 1971 1980) حتى عاد المجتمع التركي إلى رشده، وتفرّغ الجيش إلى مهمته الأساسيّة، ألا وهي حماية البلاد من الأطماع الخارجيّة، وغدت تركيّا في عهد غول وأردوغان واحة استقرار وأمن وأمان. 

واندفع قائد أوّل انقلاب عسكري في سوريّة نحو العلمانيّة محاولاً تقليد أتاتورك، وكانت مهمته الأولى إبرام مشروع خط التابلاين من السعوديّة إلى موانئ البحر الأبيض المتوسّط مع الحكومة الأمريكيّة، وإبرام الاتفاق النقدي مع الحكومة الفرنسيّة، فأصدر مرسومين إشتراعيين صدّق وأبرم بهما كلا الاتفاقين بعد تعثرهما في مجلس النوّاب، وعقد اتفاقيّة الهدنة مع إسرائيل في جزيرة رودس، وتولّى بنفسه أمر المباحثات مع اليهود، وسحب القوّات من جميع الأراضي التي تقع بعد حمّامات الحمّة، ومحطّة سكّة الحديد فيها، وقبل أن تكون الحدود السياسيّة السابقة بين سوريّة وفلسطين هي الخط الفاصل.

وتسلّل الباطنيّون النصيريّون في سوريّة تحت ستار البعث إلى الجيش، ثمّ انقضّوا على السلطة في انقلاب الثامن من آذار، وجعلوا أعزّة أهلها أذلّة، وكلّلوا حكمهم البغيض بقتل نصف مليون سوري وتشريد سبعة ملايين، وتدمير البلاد وتخريبها، وفتحوا أبواب سوريّة مشرعة للاستعمار الروسي، واستدعوا لحمايتهم من ثورة الشعب السوري مرتزقة إيران والعراق ولبنان.

وأطلّ علينا بوجهه القبيح آخر انقلاب عسكري في الثالث من يوليو 2013، فعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي وسجنه، وعطّل العمل بالدستور، وبرّأت محاكمه مبارك ورموز حكمه الفاسدين، وصادر الحريّات، وقتل المحتجين في رابعة وغيرها، وأوصل البلاد إلى حافّة الفقر والإفلاس، حيث بلغت الديون الداخليّة والخارجيّة المليارات العديدة، وهربت الاستثمارات، وارتفعت معدلات البطالة والجريمة والعنوسة، وتدهورت قيمة الجنيه إلى الحضيض، وباع النيل للأحباش بسعر بخس، واستورد البترول الذي تستخرجه إسرائيل من الأرخبيل المصري، وحاصر قطاع غزّة، وتخلّى عن الشعب السوري في محنته. 

نماذج شتّى من الانقلابات العسكريّة في عالمنا الإسلامي، حرمت شعوبها من التنمية السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، فشلت في تحقيق وعودها وشعاراتها، بسبب اعتمادها على الغوغاء والمرتزقة، وبناء القرارات الاستراتيجيّة على الارتجاليّة والشخصانيّة.

كل الانقلابات العسكريّة في عالمنا الإسلامي انتجت حكومات مستبدّة، وأنظمة قمعيّة، وجرت فيها انتهاكات لحقوق الإنسان على نطاق واسع، وكانت حالة الطوارئ والأحكام العرفيّة مطبقة بحذافيرها بشكل دائم، وكانت دساتيرها مؤقّتة موضوعة في ظروف تفتقد إلى الديمقراطيّة الحقيقيّة.

وكان على رأس أنظمتها الانقلابيّة حكّام عسكريون ينتمون إلى طبقات اجتماعيّة متدنية، من ذوي الرتب الصغيرة، تخلّوا عن ثيابهم العسكريّة، لو اطّلعت على أساريرهم لوجدتهم مصابين بعدد من الأمراض النفسيّة أقلّها النرجسيّة وجنون العظمة أمثال: البكباشي عبد الناصر عميد هذه المدرسة، والقذافي والنميري والأسد وصالح والسيسي. 

وكانت الظاهرة المشتركة بينهم: سعيهم المحموم لترتيب الأوضاع، وتهيئة الظروف، للبقاء في السلطة إلى الأبد، وتهيئة أبنائهم لتولّي الحكم من بعدهم، ليستروا سوآتهم وفسادهم. 

وكانت مهمة الأحزاب التي أقامها الحكام الانقلابيّون تكريس عبوديّة الفرد، وتزوير إرادة الشعب، وإقامة المهرجانات والمسيرات، ورفع برقيّات التأييد والولاء للقائد الفذ والرئيس الملهم. 

ولم يسهم الانقلابيّون الذين أحكموا قبضتهم الغليظة على رقاب الشعوب العربيّة إلاّ في بناء السجون، وإقامة المشاريع الدعائيّة، ولم يحقّقوا نجاحاً إلاّ في قمع الشعوب وقهر تطلّعاتها المشروعة.

وتتحمّل الجيوش شطراً كبيراً من المسؤوليّة أمام الله والناس إذا رضيت أن تكون حامية للانقلابي الدكتاتور، وأداة لتنفيذ أحلامه المريضة، وسوطاً مسلّطاً على رقاب العباد، وجيشاً للسلطة، وحامية مؤسّساتها القمعيّة والتسلّطيّة.

ونحمد الله أن جعل نهاياتهم بائسة مثل بداياتهم، حيث تتكشّف الأوراق، وتنشر الوثائق، ويتكلّم الصامتون، وتزكم رائحة الفساد الأنوف.

ونرجوه تعالى أن يرزق أمتنا رجلاً مثل السلطان محمود الثاني، الذي سلّط المدفعيّة على الجيش الانكشاري لمّا دبّ إليه الفساد، وخرج عن الغاية التي أوجده السلاطين العظام لتحقيقها، وصار يتدخّل في شؤون الدولة وإدارتها، وانغمس في الملذّات، وصار يتدخّل في عزل الخلفاء وتنصيبهم، وتخلّص من شيوخ البكتاشيّة التي أضلتهم.

وطوبى للغرباء

1/1/2016

الزيارات: 2867