لعبة الوسطاء ولعنة الكورونا

نشر بتاريخ: الإثنين، 09 آذار/مارس 2020 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

فشل الوسطاء الدوليون المكلّفون بمعالجة القضيّة السوريّة الواحد تلو الآخر، وباتت تشكّل مصدر قلق للعالم منذ اندلاع  ثورة الكرامة، وبؤرة صراع دولي عسكري، بدأت محاوره تتشكّل في العالم. 

وانتهت مهمتهم بالوصول إلى طريق مسدود، والاعتراف بالفشل، والاعتذار للشعب السوري على ما حلّ به من قتل ودمار خلال فترة إدارتهم للأزمة. 

ترأس الجنرال السوداني محمد أحمد الدابّي بعثة المراقبين العرب التابعة لجامعة الدول العربيّة، غير أن مهمة البعثة انتهت بالفشل بعد شهر واحد  في 27/1/2012، وانحسر دور الجامعة في سوريّة. 

وكلّفت الأمم المتحدة وجامعة الدول العربيّة الدبلوماسي كوفي عنان مبعوثاً مشتركاً بحلّ الأزمة السوريّة في 23/2/2012، فجاء يدّعي حمل أمانة مقدّسة، إلا أنّ مهمته لم تكن سوى شراء للوقت، بانتظار انتصار أحد الطرفين على الآخر، ولم يكن تقريره لمجلس الأمن سوى كلام إنشائي فارغ.  

واصطدم مشروع مبعوث الجامعة العربيّة الأخضر الإبراهيمي بتعنّت نظام الأسد وحلفائه، والإصرار على إعادة ترشحه لمنصب الرئاسة بالطريقة المعروفة، ورفض أي حل سياسي لا يكون للأسد مكان فيه. 

وفشل مشروعه القاضي بتشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة في دمشق، تتولى تسلم السلطة من الرئيس الأسد نفسه في المرحلة الثانية، لأنّ هذا المشروع لا يخدم مصالح موسكو القائمة على الاحتلال والابتزاز، ولا يحمي مجرمي الحرب ممن تلوّثت أيديهم بدماء السوريين من العقاب.

 

وانتهت مهمّة دي مستورا بالفشل كسابقيه لأنّه فصل الجانب السياسي عن الإنساني في القضيّة السوريّة، وأفسح المجال لروسيا الطامعة بمقدّرات البلاد السوريّة، لتكون اللاعب الرئيسي بعد أربع سنوات من الحرب، وكأنّ موسكو والنظام يقودان حرباً على الإرهاب، وأنّهما يواجهان مؤامرة عالميّة، يصل تهديدها إلى روسيا نفسها، لذرّ الرماد في العيون، وتبرير تدخّلها العسكري السافر في عام 2015. 

ووجدتها موسكو فرصة لإمداد جيش الأسد بالسلاح ليواصل حربه ضدّ شعبه، ودعمته في المحافل الدوليّة، لتعيد إليه شرعيّته المفقودة، ولم تكن صادقة كلّما ادّعت الحياد ووقوفها مع خيار الشعب السوري، لأنّ تخليها عن الأسد يعني فشل حلمها الاستعماري القديم في الوصول إلى المياه الدافئة، والحصول على قواعد عسكريّة بحريّة وبريّة طويلة الأمد، وتخليها عن كل الصفقات والاتفاقات السريّة التي وقّعتها مع النظام، ورهنها الاقتصاد السوري لصالح مؤسّساتها الماليّة، لاستعادة قروضها وثمن طائراتها وبراميلها وأسلحتها التي اغتالت بها حلم السوريين في الحريّة. 

وأخيراً حل بساحتنا السوريّة المدعو غير بيدرسون ومعه اليأس والإحباط، وملف المعتقلين والمخطوفين، يحلم بتشكيل إطار دولي جديد لدعم المسار السياسي، ودم السوريين في الشمال السوري ينزف بغزارة، فمتى تقدّم استقالتك يا سيّد بيدرسون؟

وماذا بعد الرحلات المكوكيّة للوسطاء الدوليين، وعقد المؤتمرات الصحفيّة الدعائيّة تحت الأضواء وعدسات المصوّرين، والوعود الجوفاء بحل القضيّة السوريّة حلاً عادلاً يجمع شمل السوريين بعد هذا العناء، ويمسح دموع الأيتام والأرامل، ويداوي الجراح، ويعيد ما هدمته يد الدمار.  

لقد فشل الوسطاء لأنّهم ساووا بين الضحيّة والجلاّد، وأعرضوا عن قضيّة شعب قدّم على مذبح الحريّة مليون شهيد، حتى بات يلتحف السماء ويعيش في الخيام.

وغضّوا البصر عن دور موسكو القبيح في إعادة تأهيل الجلاّد، ولم تكن عندهم الجرأة ليقولوا للظالم: يا ظالم.

ومنحوا النظام الأمل لمواصلة حربه ضدّ شعبه، وإعفائه من المسؤوليّة القانونيّة والأخلاقيّة عن جريمة قتل السوريين، وإشراكه في الكذبة الكبرى مكافحة الإرهاب. 

ألا شهادة وفاة للمنظّمات الدوليّة التي بنيت بعد الحرب العالميّة على أشلاء الضحايا والمعذّبين، وتعساً للدول الدائمة في مجلس الأمن التي اكتفت بالفيتو الروسي والصيني، وليتذكّر العالم قول الرئيس رجب طيّب أردوغان: "أنّ العالم أكبر من خمسة"، ولتنصبّ لعنة الكورونا على رؤوس الصامتين، كلّما مات طفل سوري جوعاً وعطشاً وبرداً . 

وطوبى للغرباء                                                       رئيس التحرير

1/3/2020                                                         محمد علي شاهين

 

الزيارات: 3207