الهدي النبوي في الطب

نشر بتاريخ: الأربعاء، 05 تموز/يوليو 2017 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

حثّ الإسلام على العناية بالصحّة الجسميّة والعقليّة والنفسيّة في جملة من النصائح والوصايا والإرشادات، وتضمّنت الأحاديث النبويّة قواعد عامّة لحفظ الصحّة، والوقاية من العدوى، والحفاظ على البيئة، وأباح مداواة النساء الرجال غير ذوات الأرحام، والرجال النساء.
ويمكن إجمال هذه الموضوعات في باب الطب النبوي.
وكان ابن القيّم الجوزيّة قد قسّم المرض كما ورد في القرآن الكريم والسنّة المطهّرة إلى نوعين: مرضُ القلوب، ومرضُ الأبدان.
وقسّم علاجه صلى الله عليه وسلم للمرض إلى ثلاثة أنواع:
أحدها: بالأدوية الطبيعية.
والثاني: بالأدوية الإلهية.
والثالث: بالمركَّب من الأمرين.


وقام عدد من المصنّفين بتدوين الموضوعات المتعلّقة بالطب والتطبيب في كتب مستقلّة، مثل كتاب: (موسوعة الطب النبوي) للحافظ أبي نعيم الأصفهاني و(الطب النبوي) لجلال الدين السيوطي، و(الطب النبوي) لابن قيّم الجوزيّة، و(الطب النبوي) لعبد الملك بن حبيب الأندلسي، و(الطب النبوي) لأبي القاسم بن حبيب النيسابوري، و(الطب النبوي) لابن السنّي.
وعرّفوا الطبيب بأنّه من يتناول مَن يطب بوصفه وقوله، وهو الذي يُخَصُّ باسم الطَّبائعي، وبمرْوَدِهِ وهو الكحَّال، وبِمبضَعه ومراهِمه وهو الجرائحي، وبمُوساه وهو الخاتِن، وبريشته وهو الفاصد، وبمَحاجمه ومِشْرَطِه وهو الحجَّام، وبخَلْعِه ووَصْله ورِباطه وهو المجبِّر، وبمكواته وناره وهو الكوَّاء، وبقِربته وهو الحاقن.
وعدّد الأشياء التي يؤذى انحباسها ومدافعتها عشرة: الدَّمُ إذا هاج، والمنىيّ إذا تبَّيغ، والبولُ، والغائطُ، والريحُ، والقيء، والعطاسُ، والنومُ، والجوعُ، والعطشُ، وكل واحد من هذه العشرة يُوجب حبسُه داء من الأدواء بحسبه.
واختلف العلماء في الأحاديث المرويّة في الطب، فمنهم من اعتبرها من مصدر إلهي، ومنهم من اعتبرها من الاجتهاد النبوي، أي التي مصدرها بشري.
"وذهب ابن خلدون إلى أّن رسول الله لم يبعث إلينا لا لتبيين الطب ولا لتبيين غيره من العلوم، بل لتعليم الدين وتبليغه فحسب، فالأحاديث المتعلقة بالطب النبوي ليست ملزمة العمل، إذ لا علاقة لها بالوحي، بل إنّها تعكس عادات ذلك الوقت.
ورأى بعض العلماء من بين أهل الحديث على وجه الخصوص أنّ كافّة أحاديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم منشؤها الوحي، ولا بدّ من تصنيف الروايات المتعلقة بالطب النبوي في داخل هذا الإطار أيضاً."
"وقال ابن قيّم الجوزيّة: وليس طبّه صلّى الله عليه وسلّم كطب الأطباء، فإنّ طب النبي متيقن قطعي صادر عن الوحي، ومشكاة النبوّة، وكمال العقل، وطبّ غيره أكثر حدث وظنون وتجارب."
ويفصل في المسـألة قوله صلّى الله عليه وسلّم: "إنّما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنّما أنا بشر" رواه مسلم.
وتندرج الأبحاث المتعلّقة بالطب النبوي في صلب مواضيع الطب التكميلي موضوع دراستنا هذه.
ويمتاز الطب النبوي عن الطب القديم بالتحرّر من عالم الخرافة وسيطرة الكهنة والسحرة ورجال الدين المشعوذين، والحث على التداوي، واحترام الأطبّاء المعالجين، واعتماد الطب كعلم مستقل.
الأمر على التداوي:
"وفي الأحاديث الصحيحةِ الأمرُ بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل، ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب؛ وإلا كان معطِّلاً للحكمة والشرع، فلا يجعل العبدُ عجزه توكلاً، ولا توكُّلَه عجزاً".
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيك رضي الله تعالى عنه قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُؤوسِهِمُ الطَّيْرُ فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ، فَجَاءَ الأَعْرَابُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَدَاوَى فَقَالَ: "تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ".
وفي الصحيحين من حديث أبى هريرةَ يَرفعُه "ما أنزلَ اللهُ من داءٍ إلا أنزلَ له شفاء".
وقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إ ِنَّ اللهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً، فَتَدَاوَوْا، وَلاَ تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ. أخرجه أبو داود
وفي المسند: من حديث ابن مسعود يرفعه: "إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ لم يُنْزِلْ داءً إلا أنزَلَ لَهُ شِفاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ".
النهي عن التداوي بمحرّم أو خبيث:
نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن التداوي بمحرّم أو خبيث، لأنّه يُكْسِبُ الطبيعة والروح صفةَ الخبث.
وفي السنن أنه صلى الله عليه وسلم سُئل عن الخمر يُجْعَل في الدَّواء، فقال:  إنَّهَا دَاءٌ ولَيسَتْ بِالدَّوَاءِ" رواه أبو داود، والترمذي.
وذكر البخاري في صحيحه عن ابن مسعود": إنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عليكم".
وفي السنن عن أبى هريرة، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الدَّوَاءِ الخَبِيثِ.
سنن الفطرة:
جاء في صحيح مسلم عن السيّدة عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - حيث قالت: قال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: (عشرٌ من الفِطرةِ: قصُّ الشَّاربِ، وإعفاءُ اللِّحيةِ، والسِّواكُ، واستنشاقُ الماءِ، وقصُّ الأظافر، وغسلُ البراجمِ، ونتفُ الإبطِ، وحلْقُ العانةِ، وانتقاصُ الماءِ. قال زكريَّاءُ: قال مصعبٌ: ونسيتُ العاشرةَ، إلَّا أن تكونَ المضمضةَ).
المحافظة على نظافة البدن:
أوجب الإسلام الاغتسال بالماء الطاهر على المرأة والرجل ولا فرق في ذلك بينهما في النّوم أو اليقظة، للوقاية من الإصابة بالأمراض والبكتيريا والالتهابات في الجهاز التناسلي، عند حدوث الجنابة، وبعد انقطاع دم الحيض والنفاس للمرأة.
وسن الاغتسال لهما أيام الجمع والأعياد، وعند لبس الإحرام ودخول مكة والطواف حول البيت الحرام.
المحافظة على نظافة الرحال والثياب:
وقال صلى الله عليه وسلم: إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش. ر واه أبو داود والترمذي وأحمد.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنها قال: " أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلاً شعثاً قد تفرق شعره فقال: أما كان هذا يجد ما يسكن به شعره ؟ " ورأى رجلاً آخر وعليه ثياب وسخة فقال: " أما كان هذا يجد ما يغسل به ثوبه " رواه أبو داود
المحافظة على نظافة البيوت:
حثّ الإسلام أتباعه على تنظيف البيوت، وفي مسند البزَّار: عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال :"إنَّ اللهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطِّيبَ، نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ، كَرِيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ، جَوادٌ يُحِبُّ الجُودَ، فَنَظِّفُوا أفْنَاءَكُم وسَاحَاتِكُم، ولا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ يَجْمَعُون الأكُبَّ في دُورِهِمْ". الأكُب: الزبالة.
العناية بالماء والمحافظة على مواردها:
ارتبط الماء بمعجزة نبع الماء بين أصابعه صلّى الله عليه وسلّم، وتحويله الماء المالحة إلى عذبة في بئر همام بن نفيد السعدي، فغدت أعذب بئر في اليمن.
وأدرك الطب النبوي أهميّة الماء في حياة الإنسان كمرطّب ينظّم درجة حرارة الجسم، ويجدّد الأنسجة، ويُرقِّقُ الغِذاء ويُنفِذه في العروق، ويساعد الجهاز الهضمي على القيام بعمله، ويطرد السموم من البدن عن طريق التعرّق والتبوّل.
وربط الوضوء بالطهارة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا توضأ العبد المسلم- أو المؤمن- فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطرة الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب". رواه مسلم .
ونهى عن الإسراف في استخدام الماء في أغراض الوضوء أو الاغتسال، فقد روى عبد اللّه بن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مر بسعد بن أبي وقاص، وهو يتوضأ، فقال: ما هذا الإسراف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟ فقال: نعم، وان كنت على نهر جار".
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التبوّل في الماء الراكد، وكذلك عن البول في موارد المياه والطريق والظل، وأن هذا الفعل يجلب على صاحبه دعاء الناس عليه ولعنتهم إياه.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ) رواه مسلم والنسائي، واللفظ للنسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
المحافظة على نظافة البيئة:
وقال: ( اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ(  رواه أبو داود، وابن ماجه عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ.
ونهى أن يقضي حاجة في ظل شجرة، أو على قارعة الطريق، أو في الماء،
الاعتدال بالمأكل والمشرب:
وحذر النبيَّ صلى الله عليه وسلم من النَّهَمِ، والأكلِ الكثير، وإدخالِ الطعامِ على الطعامِ، روى الترمذي في صحيحه عَنْ المِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يَقُولُ: مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرٌّا مِن بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ.
الحذر من العدوى:
حين علم النبي صلى الله عليه وسلم أن في وفد ثقيف الذي أراد القدوم على النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه رجلا مجذوماً أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ارجع فقد بايعناك".
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَدِ.
ويُذكر عنه صلى الله عليه وسلم: "كَلِّمْ الْمَجْذُومَ، وَبَيْنَك وَبَيْنَهُ قِيدُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ".
تحريم المسكرات والمخدرات والمفتِّرات:
حَرَّمَ الإسلام كُلّ ما يؤذي صحة الإنسان؛ العقلية والجسمية والنفسية، وروي عن أبي سعيد الخُدري أنّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْخَمْرَ، فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلَا يَشْرَبْ، وَلَا يَبِعْ" رواه مسلم.
وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما أسكَرَ كثيرُه فقليلُه حَرَامٌ" رواه النسائي وأبو داود في سننه وابن حبان في صحيحه.
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (" أتاني جبريل فقال: يا محمد، إن الله - عز وجل - قد لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها وساقيها، ومستقيها وآكل ثمنها ").
النهي عن غمس اليد في الإناء بعد الاستيقاظ ووجوب غسل اليدين بعد الطعام:
روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده.
وعن أبي هريرة قال: "قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من بات وفي يده غمر لم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلاّ نفسه" رواه أبو داود والترمذي.
والغمر هو الدسم والزهومة من اللحم.
النهي عن تَرْكِ آنيةِ الطعامِ والشرابِ مكشوفةً:
نهى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ترك آنية الطعام عرْضَة للهواء، وللحشرات الناقلة للأمراض، وقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله، قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "غطُّوا الإناءَ، وأَوْكُوا السِّقاءَ، فإنَّ في السَّنَةِ لَيْلَةً ينزِلُ فِيهَا وِباءٌ لا يَمُرُّ بإناءٍ ليس عليه غِطَاءٌ، أو سِقاءٍ ليس عليه وِكاءٌ إلا وَقَعَ فيه من ذلك الدَّاء".
النهي عن التنفّس في الإناء وتقسيم الشرب والشرب قاعداً:
ونهى صلى الله عليه وسلم، أن يتنفس الشاربُ في الماء بقوله: "إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَفَّسْ فِي الإِنَاءِ"، لأن هواء الزَّفِيرِ يلوثه ويُفسده، وسَنَّ للشارِب تقسيم الشُّرْب علَى ثلاثِ دفعات، يتنفس في نهاية كل منها خارجَ الإناء.
وفي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك، قال: "كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَتنفَّسُ في الشَّراب ثلاثاً" ويقولُ: "إنه أرْوَى وأمْرَأُ وأبْرَأُ" 
وروى الترمذي في جامعه عنه صلى الله عليه وسلم: "لا تَشْرَبُوا نَفَساً واحداً كَشُرْبِ البَعيرِ، ولكن اشرَبُوا مَثْنَى وثُلاثَ، وسمُّوا إذا أنتم شَرِبُتم واحْمَدُّوا إذَا أنتُمْ فَرَغْتُمْ".
وكان من هَدْيه الشُّربُ قاعداً، هذا كان هديَه المعتادَ وصحَّ عنه أنه نهى عن الشُّرب قائماً، وصحَّ عنه أنه أمر الذي شرب قائماً أن يَسْتَقيء، وصَحَّ عنه أنه شرب قائماً.
تحريم المأكولات الضارّة:
حرم الإسلام الأطعمة الضارّة بالصحّة والتي تنقل الأمراض، فحرم أكل لحوم الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ والطيور الجارحة، الحيوانات والطيور التي تتغذى على القاذورات (الجلاّلة)، عنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ الْجَلاَّلَةِ وَأَلْبَانِهَا. أَخْرَجَهُ أبو داود (ابن ماجة) والتِّرْمِذِيّ.
التسمية قبل الطعام والأكل باليمين مما يلي الآكل:
عن عمر بن أبي سلمة ض قال: كنت غلاماً في حجر رسول الله ص وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك” ،رواه البخاري و مسلم. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله ص يأكل طعاماً في ستة من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقال صلّى الله عليه وسلّم: أما أنه لو سمى لكفاكم" ·أخرجه الترمذي.
النهي عن النفخ في الطعام:
عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النفخ في الطعام والشراب.
يقول المناوي: والنفخ في الطعام الحار يدل على العجلة الدالة على الشَّرَه وعدم الصبر وقلة المروءة'.
وقد تقوم البكتريا الخارجة من الفم بواسطة النفخ بالتحوصل على الطعام الساخن، وعندما تصل إلى المعدة تنشط، وتؤذي جدار المعدة.
النهي عن الاتّكاء أو الانبطاح أثناء تناول الطعام والحثّ على التواضع:
نهى رسول الله عن الاتّكاء أو الانبطاح أثناء تناول الطعام لأنّ هذه الوضعيّات تمنعُ مجرَى الطعام الطبيعي عن هيئته، ويَعوقُه عن سرعة نفوذه إلى المَعِدَة، ويضغطُ المَعِدَةَ، فلا يستحكم فتحُها للغذاء، وأيضاً فإنها تميل ولا تبقى منتصبة، فلا يصل الغذاء إليها بسهولة.
وصحَّ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: "لا آكُلُ مُتَّكِئاً"، وقال: "إنما أجْلِسُ كما يَجْلِسُ العبدُ، وآكُلُ كما يأكُلُ العبدُ".
وكان عليه الصلاة والسلام يجلس للأكل مُتَورِّكاً على ركبتيه، واضعاً بطنَ قدمِه اليُسْرى على ظهر قدمه اليمنى تواضعاً لربه عَزَّ وجَلَّ، وأدباً بين يديه، واحتراماً للطعام وللمؤاكِل.
النهي عن النوم بعد الأكل:
ونَهَى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن النوم بعد الأكلِ لأن ذلك يورث عُسراً في الهضم، ويسبب للنفس غماً وكدراً، فقال صلى الله عليه وسلم: "أذيبوا طعامكم بذكر اللهِ والصلاةِ، ولا تناموا عليه تغفل قلوبُكم".
التعاهد بالسواك:
تحدّث ابن القيم عن منافع السواك فقال: يطيب الفم ويشد اللثة ويقطع البلغم ويجلو البصر ويذهب بالحفر ويصح المعدة ويصفي الصوت ويعين على هضم الطعام ويسهل مجاري الكلام وينشط للقراءة والذكر والصلاة ويطرد النوم ويرضي الرب ويعجب الملائكة ويكثر الحسنات.
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك حتى لقد خشيت أن يفرض علي وعلى أمتي ولولا أني أخاف أن أشق على أمتي لفرضته لهم وإني لأستاك حتى لقد خشيت أن أحفي مقادم فمي".
عن حذيفة قال: "كان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا قام من النوم يشوّص فاه بالسواك".
وعن أبي هريرة قال: "قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ السواك ليزيد الرجل فصاحة".
وأمر بحفظ الأسنان بالتخلل من الطعام، فعن جابر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: "حبّذا المتخلّلون من الطعام، وتخلّلوا من الطعام إذا أكلتم فإنّه ليس شيء أشد على الملكين من أن يريا المؤمن يصلّي وفي فمه وأضراسه شيء من الطعام."
النهي عن تعذيب النفس والانتحار ووجوب إعطاء البدن حقّه من الطعام والنوم:
جعل الإسلام من مقاصد الشريعة حفظ النفس من كل سوء، لأنّ النفس الإنسانية ليستْ ملكًا لصاحبها، فلا يجوز الاعتداء عليها من قِبَل صاحبها أو غيره؛ بالقتل أو التعذيب، أو الجلد
قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص وقد أرهق نفسَه بالعِبادة صيامًا وقيامًا: صُمْ وأفْطِرْ وقُمْ ونَمْ، فإنّ لبدنِك عليك حَقًّا وإنّ لعينِك عليك حقًّا " رواه البخاري ومسلم.).
وجاء النهي النبوي عن تعذيب النفس في الحديث: بينما النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يخطب، إذ هو برجل قائم، فسأل عنه؟ فقالوا: أبو إسرائيل، نذَر أن يقوم في الشمس ولا يقعد، ولا يستظل ولا يتكلَّم، ويصوم، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "مُروه فليتكلَّم، وليَسْتظلَّ وليقعد، وليتمَّ صوْمَه" رواه البخاري من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما ـ .
ولا يجوز محاسبة النفس لإنزال العقاب بالجسد وتعذيبه، دون التأمُّل في أسباب الخطيئة للتوبة منها والتخلّص من إثمها، وحرّم الانتحار، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "مَن تردَّى من جبلٍ، فقتَل نفسه، فهو في نار جهنم يتردَّى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومَن تحسَّى سُمًّا، فقتَل نفسه، فسُمُّه في يده يتحسَّاه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومَن قتَل نفسه بحديدة، فحديدتُه في يده يَجَأُ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا"، رواه الشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنه.
النهي عن اقتناء الكلاب:
أباحَ الإسلام اِتِّخَاذ الْكِلَاب لِلصَّيْدِ وَالْمَاشِيَة والزَّرْع، ونفّر من اقتنائها بنقص أجر مقتنيها كلّ يوم، لأنّ نجاسة الكلب عينيّة، وخاصّة لعابه الذي يحمل فيروسات داء الكلب، ويجب أن يغسل ما لامسه سبع مرات إحداهن بالتراب، لإزالة أثر اللعاب، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) رواه مسلم.
وروى مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ وَلا مَاشِيَةٍ وَلا أَرْضٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ).
وعلّل بعض الفقهاء سبب تحريم تربية الكلاب بما يلحِقه الكلب بالجيران أو المارّة من أذى بسبب عضّه ونباحه، وفضلاته التي يُخلّفها، وأثبتت الدراسات العلميّة، نقل الكلب عدوى الإصابة بالأكياس المائيّة الرئويّة، والدّودة الشريطيّة الشوكيّة التي تتواجد في فضلات الكلاب.
اعتزال النساء في المحيض والنفاس:
أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرجال ترك غشيان نسائهم زمن المحيض; لأن غشيانهن سبب للأذى والضرر، وإذا سلم الرجل من هذا الأذى فلا تكاد تسلم منه المرأة، وهذا الضرر مقرر في الطب.
ونهى عن إتيانهن في غير المأتى الذي يتحقق به معنى الحرث.
عن أنس بن مالك أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت فسأل أصحاب النبي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فأنزل الله عز وجل)  :ويسألونك عن المحيض قل هو أذى)  إلى آخر الآية، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اصنعوا كل شيء إلا الجماع ) رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن .
وفي حديث حزام بن حكيم عن عمه أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما يحل لي من امرأتي وهي حائض ؟ قال: ( لك ما فوق الإزار ) أي: ما فوق السرة، رواه أبو داود
تحريم الزنا واللواط والسحاق (المثليّة الجنسيّة):
حرّم الإسلام الزنا واللواط والسحاق، وجاءت الأحاديث النبويّة تقبّح هذه الأفعال، وتلعن مرتكبيها، وتعد فاعليها بالأمراض الخطيرة كالإيدز، عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يلعنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا) (رواه بن ماجة وغيره وهو حديث صحيح لغيره).
وعن بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ملعون من عمل بعمل قوم لوط)
وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط) (حديث صحيح رواه الترمذي وابن ماجة).
وعن بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به) (وعند الترمذي: أحصنا أو لم يحصنا).
ومثل الزنا السحاق عند النساء.
عن أبي موسى الأشعري مرفوعاً: (إذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان) (رواه البيهقي).
وجوب الضمان على الطبيب الجاهل:
ذكر ابن الجوزي في (الطب النبوي) وجوب الضمان على الطبيب الجاهل، فإذا تعاطى عِلمَ الطِّب وعمله، ولم يتقدم له به معرفة، فقد هَجم بجهله على إتلافِ الأنفس، وأقْدَم بالتهوُّر على ما لم يعلمه، فيكون قد غَرَّرَ بالعليل، فيلزمه الضمانُ لذلك، وهذا إجماع من أهل العلم.
روى أبو داود، والنسائىُّ، وابن ماجه، من حديث عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول ُالله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تطبَّبَ ولم يُعْلَم مِنْهُ الطِّبُّ قَبْلَ ذلك، فهو ضَامِنٌ".
الحجر الصحي:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن الدخول إلى بلدة ظهر فيها الطاعون، وأمرهم ألا يخرجوا من بلدة أصابها الطاعون وهم فيها، وشبّه الفار من الطاعون كالفار من الزحف، والصابر فيه كالصابر في الزحف، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُرِيدُ الشَّامَ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ لَقِيَهُ أَبُو  عُبَيْدَةَ وَأَصْحَابُهُ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ، فَاسْتَشَارَ النَّاسَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ أَنْ يَمْضِيَ، فَقَالُوا: خَرَجْتَ لأَمْرٍ وَلا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ، وَقَالَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا يَوْمَ الْفَتْحِ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَرَى هَذَا الرَّأْيَ أَنْ نَخْتَارَ دَارَ الْبَلاءِ عَلَى دَارِ الْعَافِيَةِ، قَالَ: وَكَانَ  عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ غَائِبًا، فَجَاءَ فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي عِلْمًا مِنْ هَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:  " إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فِي أَرْضٍ فَلا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ "  قَالَ: فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ: إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ، فَأَصْبَحُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا  أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ، نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَتْ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ، إِحْدَاهُمَا خَصِيبَةٌ، وَالأُخْرَى جَدْبَةٌ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَ: وَقَالَ لَهُ أَيْضًا: أَرَأَيْتَ لَوْ رَعَى الْجَدْبَةَ، وَتَرَكَ الْخَصْبَةَ أَكُنْتَ مُعَجِّزَهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَ: فَسِرْ إِذًا . فَسَارَ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَقَالَ: هَذَا الْمَحِلُّ، أَوْ قَالَ: الْمَنْزِلُ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ .وأن ذلك ليس من الطيرة، وإنما هي من منع الإلقاء إلى التهلكة، أو سد الذريعة، ولعل هذا ما يسمى الآن الحجر الصحي.

المراجع:
1 ـ الطب النبوي (جزء من كتاب زاد المعاد لابن القيّم الجوزيّة) المكتبة الشاملة.
2 ـ موسوعة الطب النبوي لأبي نعيم الأصفهاني دراسة وتحقيق د. مصطفى خضر دونمز التركي، دار بن حزم.

الزيارات: 6579