مؤامرة التهجير القسري
في غياب حل سياسي للقضيّة السوريّة، واصل النظام السوري سياسة تهجير ديموغرافي قسري ممنهج، وصفت بأنّها خرق للقانون الدولي، وأخذ يمهّد لمشروعه الخبيث باستخدام كافّة أنواع الأسلحة بما فيها المحرّمة دوليّاً، ولم يتورّع عن حصار المناطق المستهدفة، وتجويعها وترويعها وحرمانها من أبسط حقوقها فترات طويلة امتدت سنوات أمام سمع العالم وبصره.
وتدخّل الجانب الروسي الذي يدّعي محبّة الشعب السوري، للوصول إلى حل لهذه المأساة الإنسانيّة، بعقد اتفاقات مع بعض الوفود التي تدّعي كذباً وزوراً تمثيل السكّان، والتوقيع على صفقات وصفها إعلام النظام وأبواقه بأنّها مصالحات، تقضي بإجلاء جميع الأهالي الراغبين بالخروج الآمن من البلدات والأحياء المحاصرة المشمولة بهذه الاتفاقات.
وكانت الباصات الخضراء بعد كل صفقة على موعد مع السكان الذين أعياهم القصف والحصار، فتنقلهم على دفعات أسبوعيّة إلى مخيّمات الإيواء المخصّصة للنازحين في ريف حمص الشمالي، ومحافظة إدلب، ومخيّمات مدينة جرابلس المحاذية للحدود التركيّة في ريف حلب الشرقي، ومعهم حقائب أطفالهم المدرسيّة، وثيابهم الداخليّة، تاركين خلفهم بيوتهم ومزارعهم وأثاث بيوتهم، وذكريات طفولتهم، في مشهد إنساني حزين، لم يعرف له العالم مثيلاً إلا في الحقبة السوفييتيّة عندما نفى ستالين شعب الشيشان إلى سيبيريا في عام 1945تحت دعوى تعاونهم مع الألمان النازيين.
محاولات مكشوفة لا تخفى على المواطن السوري اللبيب الذي أدرك اللعبة القذرة التي يمارسها النظام السوري المتآمر مع حليفته إيران، ممثّلاً بوزارة المصالحة الوطنيّة، أكّدتها وقائع الأوّل من تموز عام 2013 عندما قصفت قوّات النظام الأسدي دائرة السجل العقاري بحمص، لتضييع حقوق أصحاب الأراضي والعقارات، تمهيداً لإعادة توطين سكان المنطقة الوسطى ومحيط العاصمة، وإحلال عناصر شيعيّة لبنانيّة وعراقيّة وإيرانيّة تضمن الولاء للولي الفقيه في إيران.
وانتهز النظام النصيري المدعوم من روسيا وإيران الفرصة لتنفيذ مخطّطاته الخبيثة فهدم أحياء بكاملها، ودمّر البنية التحتيّة للمدن المستهدفة والقرى، ولم يتورّع عن تدمير المساجد والمدارس والمستشفيات كأنّه عدو محتل، وأحكم الحصار، وحرم المدنيين من أبسط حقوقهم، ولم يكن الناس في مأمن على أرواحهم ونسائهم وأطفالهم، وفتح بوابة خروج آمن للأهالي، لتفريغ المدن من سكانها الأصليين.
وألقى طيران الأسد منشورات على قرى ريف حمص الشمالي، تطلب من السكان الاستسلام أو مواجهة مصير سكان مدينة داريا بريف دمشق وأحياء برزة وتشرين والقابون في دمشق، وتتوعد فيها السكان بالقصف والقتل في حال رفضهم الخروج من منازلهم.
ولجأ النظام إلى سلاح الخديعة والغدر بأهالي حي الوعر بمدينة حمص إحدى ساحات النضال الوطني الذي يضم نازحين من جميع أحياء المدينة، تحت دعوى المصالحات، وقد أعياهم حصار ظالم امتد خمس سنوات متواصلة، عجزت المنظّمات الدوليّة خلالها عن إدخال المساعدات الإنسانيّة للمدنيين، وتركتهم الحكومات المتواطئة مع النظام يقتلون بدم بارد في وضح النهار، وجرى خلط متعمّد بين الكفاح للوطني للتحرّر من الديكتاتور وحكم الفرد، وبين الإرهاب، واكتفى أصدقاء الشعب السوري بعقد المؤتمرات، وإصدار التوصيات، وتدوين عبارات الشجب والتنديد.
وبعد مفاوضات شاقّة توصّل وفد حي الوعر آخر قلاع الصمود الأسطوري للمقاتلين في حمص، مع الوسيط الروسي، لعقد اتفاق بين الأهالي والنظام يقضي بخروج آمن للمدنيين، مع عدد محدود من المسلّحين بأسلحتهم الفرديّة الخفيفة، والإفراج عن معتقلين في سجون النظام بينهم نساء وأطفال، ومراجعة المواطنين الرافضين للنزوح للفروع الأمنيّة لتسوية أوضاعهم.
وأمام هذا العدد الهائل من النازحين من حمص، رحّب محافظ حمص المنسوب زوراً لآل البرازي، في مسرحيّة مكشوفة بعودة واحد وعشرين شخصاً، بينهم اثني عشر طفلاً، إلى مدينتهم، بناءً على توجيهات النظام!!.
وقام الوسطاء من أعضاء مجلس الشعب المتواطئون مع النظام بخداع الأهالي، وتهجيرهم من ديارهم في بيت سحم ويلدا وببيلا وبرزة والقابون، والسعي لإجراء بعض التسويات المماثلة في دوما بريف دمشق لأهميتها الاستراتيجية ووقوعها بين سلسلة جبال القلمون والغوطة الشرقيّة، في مقابل فتح ملفات المخطوفين والمفقودين والموقوفين.
وكان أشد ما يخشاه الأهالي البقاء في المدينة: إلحاق أبنائهم بالخدمة العسكريّة، وقيام سكان القرى الشيعيّة الحاقدة الموالية للنظام باقتحام المدينة، والفتك بسكانها.
ووجد الانتهازيّون اللصوص من الشبيحة ورجال الأسد والحرس الوطني، الفرصة المواتية للانقضاض على المنازل الخالية من سكانها فنهبوا الأثاث والسجاد والأدوات الكهربائيّة وأدوات المطبخ، وفرّغوا المحلات التجاريّة من محتوياتها، وأعملوا فيها سلباً ونهباً، وتحطيما وحرقا، وسرقوا الأبواب الخشبيّة والشبابيك والأسوار الحديديّة، وخلعوا ألواح الرخام وأطقم الحمامات وأشجار الزينة، بتشجيع النظام الذي اعتبرها غنائم حرب.
ونشطت حركة نقل المنهوبات بين المناطق المشمولة بالمصالحات، وبين القرى والبلدات الحدوديّة اللبنانيّة، وافتتحت أسواق (السنّة) في القرى النصيريّة في واضحة النهار لبيع كل نادر ونفيس من المنهوبات أمام مرأى ومسمع النظام المتواطئ مع اللصوص.
فما رأي موسكو (الوسيط النزيه المحب للشعب السوري) بهذه الوقائع، وما هو دور المراقبين الأمنيين الروس في مناطق (التعفيش)، وهل سيكتب النجاح لمشروع المصالحة البديل عن مؤتمر جنيف، بين النظام والشعب السوري الذي قال كلمته؟.
رئيس التحرير: محمد علي شاهين
وطوبى للغرباء 1/6/2017
الزيارات: 1479