كفانا خداعاً ودعونا نسمّي الأمور بأسمائها
نفى النصيريّون عن أنفسهم صفة الأقليّة في سوريّة، رغم أنّ نسبتهم لا تتجاوز 11،5%، من مجموع الشعب السوري، وجاء في المادة الخامسة من الوثيقة المسماة (الابتدار العلوي): "العلويّون الجديدون يأبون صفة الأقليّة، أيّاً كانت معايير قياسها، ويسقطونها عنهم كعنصر تعريف، حيث تكون هذه الصفة مجدية للأخذ بها، فإنّهم يتنازلون عنها، وحيث تكون عائقاً لتناسبهم في المجتمع فإنّهم منكريها، لا يمكن من الآن فصاعداً أن تكون سبباً لحمايتهم، ولا بالمقابل للإضرار بهم".
وبهذه العقليّة اختطفت الأقليّة النصيريّة التي لا تريد أن تعرف حجمها الحقيقي الحزب والدولة السوريّة خمسة وأربعين عاماً، وسيطرت على السلطة التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة، أقصت خلالها الأكثريّة السنيّة التي تمثّل 80% عن المناصب العسكريّة والأمنيّة والمدنيّة العليا ـ سوى بعض الواجهات السنيّة التي كانت توقع على قوائم تسريح الضبّاط، وقوائم المحكومين بالإعدام ـ، واضطهدتها بشكل سافر، حتّى رأى الشعب السوري المقهور في عهدها النجوم في رائعة النهار، وانتشر الفساد، واستباحت القطط السمان المال العام، واستغلّت القضايا الوطنيّة والقوميّة والوحدويّة، حتى ظنّ المغفّلون منّا أنّ تحرير فلسطين على أيديهم قاب قوسين أو أدنى.
حتى إذا انفجرت الثورة وأتمّت عامها السابع، اهتزّ عرش النظام وشعر باقتراب نهايته، وخرج الحديث عن الطائفيّة من خلف الأبواب المغلقة إلى العلن، وتجرّأ عقلاء الطائفة الحاكمة على الاعتراف بالحقيقة، لأنّ أحداً منها لا يقوى على حمل أوزار هذه الحرب الشريرة ونتائجها.
وعقد في برلين سراً اجتماع ضمّ شخصيّات وقيادات من المكوّنات العرقيّة والدينيّة والطائفيّة السوريّة، لرسم مستقبل سوريّة الاجتماعي بعيداً عن النظام والمعارضة، يدّعون تمثيل الطائفة العلويّة 11,5%، والمسيحيّة 4،5% (أرثوذوكس، وكاثوليك، وبروتستانت، وسريان، وآشوريين، وأرمن الخ)، والدروز 3%، وإسماعيليّون 1%، وشيعة جعفريّون 0،4%، بالإضافة إلى عدد من ممثلي الأكراد والتركمان والعشائر.
وكأنّ الأكثريّة المضطهدة التي ذاقت نصف قرن من تعسّف الأقليّة واستبدادها، غبيّة إلى درجة تجعلها تقبل بعقد اجتماعي تكتبه الأقليّات وبعض شيوخ البادية، وهم يقفزون من سفينة النظام الغرقى، ليستأنفوا دورهم الانتهازي في النظام القادم.
وهل تسمح الديمقراطيّة (أي حكم الأكثريّة) ـ التي يتشدّق بها هؤلاء ـ أن تحكم الأقليّات المتحالفة مع منافقي السنّة سوريّة إلى الأبد، وتقرّر مصير الشعب السوري، وترسم معالم مستقبله، وتكتب له دستوره في موسكو، بعد هذا الكفاح المرير، والتضحيات الجسام.
وهل تسمح الديمقراطيّة ـ التي يروّجون لها ـ للأقليّات الطائفيّة والشخصيّات الخلّبيّة التي لا تمثّل إلاّ نفسها، ومندوبي الهيئات والأحزاب المصنوعة في أقبية المخابرات والمنصات، أن تفرض على الأكثريّة السنيّة عبوديّة الفرد، ودستورها العلماني الذي يجردها من الانتماء للعروبة والإسلام، تلكما الدعامتين اللتين تقوم عليهما حضارة سوريّة وثقافتها، والقبول بتقاسم السلطة بين الأقليّات والأكثريّة بالتساوي، على اعتبار أنّ أهل السنّة أقليّة كبرى كسائر الأقليّات.
لقد خدع الشعب السوري بالشعارات الكبيرة بعد الاستقلال، وجرى تسويق الأحزاب العلمانيّة التي ولدت وترعرعت في باريس، وأروقة الجامعة الأمريكيّة ببيروت، وتولّى كبرها عفلق (أفلاق) اليهودي، وحبش المسيحي، والارسوزي النصيري، وسعادة الماروني، وانطلت عليه شعارات الوهم، وآخرها كذبة المقاومة، وحماية المراقد المقدّسة التي يتولّى الولي الفقيه من قم تسويقها.
وهل تظن روسيا المحتلّة راعية مؤتمر سوتشي أنّ الشعب السوري قد وصل إلى هذه الدرجة من الهزيمة حتى يرضي باحتلالها العسكري لبلاده، والاستسلام لمشاريعها وأطماعها وحلولها المنحازة، والقبول بما تمخّض عنه مهرجان سوتشي السياحي من نتائج.
وما معنى رحلة من يدّعي تمثيل الشعب السوري إلى سوتشي لمناقشة مستقبل سوريّة وتقرير مصيرها، بينما الطيران الروسي يقصف الغوطة وادلب ولا يتورّع عن قصف المستشفى الوحيد في سراقب، للضغط على المعارضة وإجبارها على الحضور، والقبول بنتائج المؤتمر.
أمّا قائمة المدعوّين المختارين بشكل انتقائي، للاستماع إلى البيان الختامي، والتصفيق لراعي المؤتمر غير المحايد، وغير المهيأ لرعاية عملية الانتقال السياسي، أولئك الأمناء على مصالحهم الشخصيّة وعلى مصالح الجهات التي أهّلتهم للعب هذا الدور، ليكونوا شهود زور في حفلات التوقيع، وإعادة تأهيل النظام في مؤتمرات الخديعة، فيكفيهم التمتع بمنتجع سوتشي ومفاتنه والجلوس حول المآدب الرسميّة، والتقاط الصور التذكاريّة، والهروب من أسئلة الصحفيين، والمتاجرة بآلام الشعب السوري، فألاعيبهم مكشوفة، سواء كانوا من الأقليّة أو الأكثريّة.
وما دام البيان الختامي قد تسرّب إلى الصحف ووكالات الأنباء قبل يومين من انعقاد المؤتمر فلا داعي لحضورهم هذا المهرجان الاستعراضي.
كفانا خداعا، ودعونا نسمي الأمور بأسمائها.
وطوبى للغرباء رئيس التحرير
1/2/2018 محمد علي شاهين