(الجنرال غوابيه) ينتقم لجده من السوريين فلمن ينتقم بوتين
نقل ساطع الحصري عن (مجلة جيوش الشرق الفرنسية) مذكرات (الجنرال غوابيه) قائد الحملة التي زحفت على دمشق يوم ميسلون، ومما جاء فيها:
"أنا الآن في دمشق !
إن هذا الاسم كان يمثّل لي شيئا خرافيا عندما كنت أقرأه في سجلات عائلتي، وأنا في سن الطفولة.
إن (جان مونغولغية) الجد البعيد لجدتي من جهة أبي (لويز) كان وقع في الأسر خلال الحروب الصليبية الثانية سنة 1147 م ونقل إلى مدينة دمشق.
إنه كان من السواد الأعظم، ولذلك لم يعامله (السرّاقون) المعاملة الحسنة التي كانوا يختصون بها الفرسان اللامعين ؛ وأهل دمشق جعلوا منه في ذلك الحين عبدا يشتغل في أحد المصانع التي يصنع فيها الورق من القطن، فاشتغل (جان) المسكين هناك شغلا شاقا خلال ثلاث سنوات ؛ وبعد ذلك فرّ من دمشق وتمكن من الالتحاق بالجيش الصليبي، بعد اجتياز آلاف المخاطر ؛ وعندما عاد إلى مسقط رأسه، بعد غياب دام عشر سنوات، أسس أولى طواحين الورق التي عرفتها أوروبا".
(جان مونغولغيه) حفيد أسير الحروب الصليبيّة جاءت به العدالة العليا _ على حدّ زعمه للانتصار لجده، فدخل دمشق ظافراً مع الجنرال غورو، على جثث شهداء ميسلون.
فما بال (فلاديمير بوتين) _ الضابط السابق في المخابرات السوفييتيّة، الذي رضي بأن يكون جاسوساً على زملائه في الجامعة، وقام بتجنيد الجواسيس في ألمانيا الشرقيّة تحت غطاء مترجم، والمتهم بالفساد في بلديّة لينينغراد، وسرقة أغلب أطروحته الجامعيّة من دراسة لعالمين أمريكيين يصبّ جام غضبه على مدينة حلب، وكأن له ثأراً قديماً مع السوريين؟
هل ورث بوتين حب القتل عن أبيه الجندي في (المفوّضيّة الشعبيّة) المكلّفة باستهداف الجنود النازيين وتخريب الجسور وسكك الحديد خلال الحرب العامّة، قبل أن يصاب بقنبلة ظلّت شظاياها مستقرّة في ساقه، وليت أباه كان صاحب فضل وكرم لقلنا كما قال الشاعر العربي:
بِأَبِيهِ اقْتَدَى عَدِيٌّ في الكَرَمْ وَمَنْ يُشابِهُ أَبَاهُ فَما ظَلَمْ
لا ينكر بوتين حقده وكراهيته للنازيين من خلال ثقافته الشيوعيّة، يوم أن كان عضواً نشيطاً في خلايا الحزب الشيوعي، ولكنّه ينفي عن والديه كراهية الجنود النازيين لأنّهما طيّبان لا يحملون الحقد مثله.
كل ما يستطيع الافتخار به انتسابه ل(بوتين الجد) الطاهي الماهر في مطبخ جوزيف ستالين.
ولا نعيب على بوتين انتسابه لطاه، ولكن نعيب عليه انتسابه لرجل كان مؤتمناً على صحّة وسلامة طعام رجل ليس لديه أي اعتبار لقدسيّة الحياة البشريّة.
ألم تشر التقديرات إلى أن عدد القتلى الذين قُتلوا أثناء حكم ستالين بلغوا حوالي 20 مليوناً، يُضاف لهم 20 مليوناً آخرين قتلى الجنود السوفيتيين والمدنيين الذين لقوا حتفهم في الحرب العالمية الثانية، ليصبح رصيده الإجمالي 40 مليوناً!!
هل يريد بوتين أن يدخل سوريّة من بوابة حلب على جثث الأطفال، وأن ينتزع أيتام سوريّة كما انتزعوا شقيقه من أمّه لينقذوه من الجوع ويضعوه في دار للأيتام، حيث مات بمرض الخناق.
هل يريد أن تخرج نساء حلب من تحت الأنقاض لترمى بين جثث الموتى؟ كما رميت أمّه وهي حيّة تمهيداً لدفنها، قبل أن يتعرّف عليها زوجها وينقذها؟ وهل قتل السوريّات يشفي صدر شخصيّة معقدة عجزت عن الانتقام لأمّه من النازيين؟
شخصيّة مركبة غامضة مريضة لم يسلم الجميع من غدرها، حتى زوجته لودميلا تخلى عنها بعد ثلاثين عاماً، وهي في أمسّ الحاجة لرعايته.
شخصيّة مستبدّة غريبة الأطوار، متهمة بقتل مئات ألوف الشيشانيين المسلمين، والعرب السوريين، وسجن المعارضين الروس والوقوف وراء اختفائهم.
روسيا في نظره حضارة عميقة التاريخ (أورو أسيويّة)، وحلم استعادة السيطرة على المناطق التي كانت خاضعة للاتحاد السوفييتي لا تفارق خياله، ولو على رقاب الشعوب المسلمة.
أما أطماعه بالسيطرة على سوريّة ومواصلة دعمه السياسي والعسكري للأنظمة الديكتاتوريّة المتآمرة معه على شعوبها فلا تخضع للقواعد الأخلاقيّة، ولا مانع لديه من استخدام الأسلحة المحظورة في قتل المدنيين، وانتهاك القانون الدولي الإنساني لإرضاء حليفه.
ينتقم ويفعل المستحيل لإرضاء طموحه وحل عقده دون جدوى، مستغلاً ضعف المنظمات العالميّة، وتهافت المنظّمات العربيّة والإسلاميّة،
قد نجد العذر للجنرال الفرنسي (غوابيه) إذا انتقم لجده من السوريين الذين أسروه في الحروب الصليبيّة وعلّموه صناعة الورق، لكنّنا لا نجد العذر لبوتين الوالغ في دماء السوريين، إلاّ أن يكون جدّه قد بيع في أسواق الرقيق البيض (الصقالبة) في حلب.
الزيارات: 1999