الشيطان الأخرس

نشر بتاريخ: الأربعاء، 08 تموز/يوليو 2020 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

يخطئ من يظن أن روسيا لم تكن ضالعة في تقسيم المشرق العربي، ويقع في مغالطة كبيرة من يعتقد بأنّ وزير خارجيّتها لم يجلس على طاولة التقسيم مع وزيري خارجيّة بريطانيا وفرنسا، ولا ينسى نصيبه من الجهل كل من يغفل إدراج اسم الوزير (سيرجي سيزانوف) في تسمية الاتفاقيّة المشؤومة المشهورة باسم (سايكس بيكو).

وكان من سوء حظّ من كان في نصيب روسيا القيصريّة ومناطق نفوذها بموجب (اتفاقيّة سايكس بيكو سيزانوف) القهر والمعاناة، إلا أنّ قصر تلك الفترة، وقيام الثورة البلشفيّة في عام 1917، والاستيلاء على مقدّرات الشعوب المسلمة الممتدّة مساكنها من القوقاز إلى سور الصين خلال الفترة المظلمة من سيطرة الاتحاد السوفييتي عليها، صبغ صورة تلك الفترة البائسة بالاستبداد وقمع الحريّات والتخلّف الاجتماعي والاقتصادي.

 

وبقيت هذه الاتفاقيّة السريّة طيّ الكتمان حتى عثر البلاشفة الروس على وثائقها بطريق الصدفة داخل صناديق وزارة الخارجيّة الروسيّة، حيث تولّى وزير الخارجيّة الجديد تروتسكي فضحها والتبرّؤ منها، بسبب قبحها وسوء نوايا موقعيها. 

وكان الاتحاد السوفييتي في مقدمة الدول التي اعترفت بإسرائيل، وفتحت لليهود باب الهجرة على مصراعيه.

وكان من البديهي أن ينهار الاتحاد السوفييتي ويتفكّك، لتبدأ مرحلة جديدة من حكم أجهزة المخابرات الروسيّة، وعلى رأسها الضابط السابق بوتين.

ويبدأ مع بوتين الحنين إلى الحقبة الاستعماريّة، وضم شبه جزيرة القرم، والتحالف مع الأنظمة الاستبداديّة، والمشاركة في قمع الثورة السوريّة بكافّة صنوف الأسلحة، وتدمير البنية التحتيّة، والتستر على جرائم النظام وفساده، وحمايته من المحاسبة والإدانة، مقابل نشر القواعد العسكريّة البحريّة والجويّة في الساحل السوري، والاستيلاء على ثروات سوريّة وكنوزها.

وكانت روسيا بعد تدخّلها العسكري السافر في الشأن السوري وراء إطالة سنوات الحرب وزيادة حجم الدمار والخراب والمعاناة. 

وبينما كان النظام السوري يترنّح أمام ضربات الثوّار ووحدة فصائلهم، كانت روسيا تبتزّ النظام وتستغلّه أبشع استغلال، بالحصول على مكاسب وعقود وامتيازات وصفقات رخيصة تخدم أطماعها.

متناسية أنّ النظام فقد شرعيّته مرّتين الأولى عندما جاء بانتخابات مزوّرة، والثانية عندما تحدّى السوريّون نظام القتلة ولصوص المال العام، في منتصف آذار 2011.

لقد خرجت القضيّة السوريّة من نطاقها المحدود إلى العالم الحر، وأصبحت قضيّة أحرار العالم في كل مكان، وخاصّة بعد تسرّب تلك المشاهد المروّعة لخمسة وخمسين ألف ضحيّة من ضحايا هذا النظام المجرم، وأصيبت البشريّة بالذهول أمام صور رجال عذّبوا وجوّعوا وقتلوا بدم بارد على يد مجرمين محترفين لم يراعوا حرمة دم ولا عهد ولا ذمّة.

ومع هذا كلّه فقد بقيت روسيا وفيّة لنظام القتلة، حامية له، غير عابئة بدعاء الأيتام ودموع الثكالى وتضرّع المعذّبين وهم يساقون إلى المشانق كل يوم.

لأن روسيا القيصريّة وروسيا الشيوعيّة وروسيا بوتين لا تعرف العدالة والرحمة، وكل ما يهمّها مصالحها وأطماعها التوسّعيّة.

لقد جسّد المواطن السوري البطل (قيصر) وصاحبه (سامي) صورة المأساة السوريّة في أبلغ بيان، وحرّكا مشاعر شعوب العالم وأحراره، ونشرا على الملأ حقيقة ما يجري في سجون النصيريّة من قتل وترويع وجرائم يشيب لهولها الولدان.

ولا يضير أحرار العالم انحياز روسيا لنظام القتلة، ودفاعها المستميت عنه في المحافل الدوليّة كالشيطان الأخرس.

 

الزيارات: 1191