أوباما يتنازل عن التزاماته الأخلاقيّة تجاه سوريّة ودول الخليج

نشر بتاريخ: الجمعة، 02 كانون1/ديسمبر 2016 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين


الشيعة: أصبح لنا أخ في البيت الأبيض

بدأ العد العكسي لرحيل الرئيس أوباما ، وأخذ الرئيس المنتخب ترامب يحث الخطى نحو البيت الأبيض، بينما البارجات الروسيّة وأسراب طائراتها تدك أحياء حلب، وعصابات الأسد وحليفته إيران، والفصائل الشيعيّة الحاقدة يحاصرون المدينة، ويفتكون بالأطفال والجرحى، ولا يتورّعون عن تدمير المدارس والمستشفيات، مستغلّين الفراغ السياسي بين نهاية عهد أوباما وبداية عهد ترامب. 
لم يتوقف الرئيس أوباما عن الترديد في كل مناسبة:  حان وقت تنحي الأسد، وأنّ الأسلحة الكيماويّة خط أحمر بالنسبة لأمريكا، بينما القصف بالكيماوي يتواصل.
وقالت إدارته: أن الأسد يستحق عقابا أليما على جريمة قصف الغوطة بغاز السارين، وحمّلته مسؤوليّة مقتل 1400 شخص، بينما كان الثوّار يزحفون باتجاه قصر قاسيون لإسقاط نظامه. 
لكنّ أوباما خيّب أمل حلفائه، وبدأ يتراجع عن فكرة هجوم غير مدعوم بقرار دولي من مجلس الأمن أو من الكونجرس، وهو يعلم تماماً أنّ قراراً من مجلس الأمن لا يمكن أن يصدر إلاّ من خلال موافقة روسيا حليفة الأسد وداعمته، وأخذ يبحث عن مبرّرات لهذا التراجع كالقول بأنّ الأسد سيستخدم المدنيين كـ “دروع بشرية” حول الأهداف الواضحة،

وأنّه لا يريد أن يستجرّ إلى حرب يقتل فيها الجنود الأمريكان، وأنّه يدعو الأسد للرحيل ولكنّه لا يجبره على ذلك، ولم يسمح للثوّار بالحصول على مضادات للطيران، خشية وقوعها بيد المتطرّفين الإسلاميين، وترك المدن والأهداف المدنيّة عرضة للقصف والتدمير بأشد القنابل فتكاً، بينما العالم ينظر إلى المشهد السوري ببلاهة.
ومكّن أوباما روسيا بالساحل السوري، فتركها تشيّد القواعد البحريّة والجويّة مطمئنّة، واكتفى بمراقبة البوارج الحربيّة الروسيّة وحاملات الطائرات تعربد في مياه البحر المتوسّط، وترسل حممها وصواريخها إلى المدن السوريّة فتحيل أبنيتها وقصورها إلى ركام.
وادّعى أنّ الأولويّة بالنسبة له حماية أمن إسرائيل فكان يردّد: "سيكون سقوطا أخلاقيا بالنسبة لي كرئيس للولايات المتحدة أن لا أحمي إسرائيل"، أمّا تخليه عن السوريين في وقت محنتهم فلا يعتبر سقوطاً أخلاقيّاً، رغم قناعته أنّ الشعب السوري يستحق المساعدة.
ربما كان يعتقد في بداية الثورة أن الأسد سيسقط دون مساعدة أمريكيّة للسوريين الثائرين، قبل تدخّل روسيا وإيران والميليشيات المدعومة بفتوى الولي الفقيه، مباشرة في الصراع، أو كان يريد تمريغ سمعة روسيا وإيران في الوحل وتوريطهما في المستنقع السوري، ليفرغ خزائنهما في حرب قذرة كما أفرغاها من قبل في أفغانستان، وحرب الخليج الأولى.
واستخفّ الأسد بخطوط أمريكا الحمر، ولم يعر تقارير المراقبين الدوليين أي اهتمام، وأنّها ليست سوى حبر على ورق، فأمعن في خداع العالم، واستخدم أسلحة الدمار الشامل أمام سمع العالم وبصره، لينتقم بها من شعبه الثائر، ويخمد جزوة النضال في سوريّة كلّما سنحت له الفرصة، متحدياً القرارات الدوليّة التي أجهضها الفيتو الروسي، وتبيّن فيما بعد أنّ لديه ترسانة ضخمة من الأسلحة الكيماويّة، وأنّ ما سلّمه الأسد من الأسلحة الكيماويّة ليتم تدميره، لا يشكّل سوى جزء بسيط مما تحويه هذه الترسانة.
وغض أوباما البصر عن انتهاكات حقوق الإنسان، وما يجري في السجون والمعتقلات السوريّة من فنون القتل والتعذيب والتجويع، حتى خصّصت للصور المسرّبة من داخلها معارض متجوّلة تنفطر لهولها قلوب الأخيار.
وجرت عادة أوباما على الاعتراف بحكومات الأمر الواقع ذات التوجّه العلماني،  والتعاطي مع حكومات ديكتاتورية تحت دعوى المحافظة على الاستقرار والحياد بين المتنافسين، ما دامت دائرة في الفلك الأمريكي.
حيث يقول في خطاب له بموسكو "إن أميركا لا تستطيع ويجب ألا تقوم بفرض أي نظام حكومي على أية دولة أخرى، ولا نحن نفترض أننا نختار أي حزب أو شخص ينبغي أن يقود بلدا معينا، ونحن لم نقم دائما بما كان علينا أن نقوم به على ذلك الصعيد".
أمّا إذا فازت حكومة مدنيّة بثقة الشعب، تنكّر لها أوباما، وشجّع العسكريين على الإطاحة بها، وتوسّع في محاربة الحركات الإسلاميّة المعتدلة تحت دعوى محاربة التطرّف الإسلامي، وتنكّر لإيمانه بالديمقراطيّة كقوله في جامعة القاهرة: "نظام الحكم الذي يسمع صوت الشعب ويحترم حكم القانون وحقوق جميع البشر هو النظام الذي أؤمن به".
ووضعت الإدارة الأمريكيّة نفسها في دائرة الاتهام بالضلوع في الإطاحة بالرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي، والاعتراف بالانقلاب العسكري، والسكوت على مجزرة رابعة، وتدبير محاولة الانقلاب على الرئيس المنتخب ديمقراطيّاً رجب طيّب أردوغان ذي التوجّه الإسلامي.
وشعر حلفاء أمريكا من السنّة العرب وخاصّة الخليجيّون بالخيبة، عندما حاول أوباما تشريع ابتزازهم والحصول على تعويضات ماليّة ضخمة على غرار قضيّة لوكربي.
وأحسّوا بالخطر عندما صرّح أوباما بأنّه لا يرغب بالانجرار الى حروب طائفية في المنطقة ضد إيران ليضع حداً لتدخلها في سوريّا والعراق واليمن.
وتناسى دورهم داخل منظمة اوبك في الحفاظ على اسعار نفط منخفضة لدعم الاقتصاديات الغربية، واستثماراتهم الكبيرة في قطاع البنوك والعقار، ودعمهم الدولار الأمريكي عندما كان يمرّ في أصعب الظروف، وشرائهم المنظومات العسكريّة بمليارات الدولارات.
وتجددت مخاوفهم من تخلّي الحليف الأمريكي عنهم وقت الشدّة، بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع جار السوء الإيراني القائم على تصدير الثورة إلى بلدانهم، وإشعال الفتن فيها.
ربّ قائل يدّعي أنّ من حق أمريكا الدفاع عن مصالحها، وحماية أمنها، والنأي عن الصراعات الدوليّة، والاهتمام برفاهيّة شعبها.
وأن يتساءل ما أهميّة سوريّة بالنسبة للولايات المتحدة حتى تشعل حرباً عالميّة من أجلها؟
وأن يقول: من حق أوباما الوفاء بوعوده التي قطعها للشعب الأمريكي، وأن يرتب أولويّاته كما يشاء، ويضع في مقدّمتها حماية أمن أمريكا وإسرائيل، الانحباس الحراري، الانسحاب من أفغانستان، الانفتاح على كوبا، الاتفاق النووي مع إيران، محاربة التطرّف الإسلامي.
وأن يضع في نهاية سلّم اهتمامه الأطماع الروسيّة في الشرق الأوسط وخاصّة سوريّة، وتشييع المنطقة العربيّة، وإطلاق يد إيران ـ أكبر داعم للإرهاب ـ في المنطقة، مادام تصدير الثورة والتشييع لا يشكل خطراً على أمن الولايات المتحدة وإسرائيل.
فإذا ارتضت أمريكا لنفسها هذا المقام، فلا داعي لأن تدّعي بأنّها دولة عظمى، ولتتنازل عن زعامة العالم لروسيا والصين، وتسحب الدولار من التداول ليحل محلّه الروبل، وتتخلّى عن مقعدها في مجلس الأمن، وتلغي حقها في النقض، وتنقل مقرّات الأمم المتحدة من أراضيها، وأن تتخلّى عن التزاماتها الأخلاقيّة تجاه شعوب العالم، كما تخلّت عن الشعب السوري.
وما دامت تنأى عن القضيّة السوريّة وهي تمرّ في أحلك ظروفها، وتكتفي بعبارات الشجب والتنديد، فلتنزل من عليائها وتتخلّى عن مقعد سيّدة العالم دون منازع حتى رحيل أوباما.
وها هو ذا الشرق الأوسط ينزلق من يد النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة إلى يد روسيا الاتحاديّة وحلفائها الإيرانيين، بسبب السياسة الأمريكيّة التي انتهجها الرئيس باراك حسين أوباما الذي يملك أجندة إسلاميّة سريّة كما تشير الدلائل.
وإذا لم تدرك أيّها القارئ الكريم حتّى الآن طبيعة تنازلات أوباما عن التزاماته الأخلاقيّة تجاه سوريّة ودول الخليج، فلتتذكّر مقولة مجلة "تايم" الأمريكية: أن الشيعة في مدينة الصدر قالوا يوم وصوله إلى البيت الأبيض: "أصبح لنا أخ في البيت الأبيض".
وطوبى للغرباء                                                                 رئيس التحرير
1/12/2016                                                                محمد علي شاهين

الزيارات: 1671