محاولات تكريس الهيمنة الإيرانيّة والروسيّة
أدمن الجيش السوري بعد الاستقلال على الانقلابات العسكريّة، فأهدانا حسني الزعيم، وسامي الحناوي، وأديب الشيشكلي، إلاّ أنّ هذه الانقلابات كانت قصيرة الأجل، وكان القاسم المشترك بينها المتاجرة بالقضيّة الفلسطينيّة، وتكريس الهيمنه الأجنبيّة، ودغدغة مشاعر البسطاء بالوعود الكاذبة.
وما هي إلاّ سنوات حتى خرج علينا أشقياء الناصريين والبعثيين في الثامن من آذار 1963 بانقلابهم الشهير للقضاء على عهد الانفصال وإعادة الوحدة وحكم عبد الناصر.
لكنّ شهوة الحكم حالت دون تنفيذ شعارات الوهم التي خدع بها السوريّون دهراً، وجرى التخلّص من الناصريين، وتطهير الجيش من الضبّاط السنّة، وإحلال الأقليّات، دون مراعاة لمشاعر الأكثريّة السنيّة (85%)، حتى أقدم ضابط شاب على عمليّة مدرسة المدفعيّة، مدفوعاً بالحميّة لمذهب الأكثريّة.
وهذه قوائم المسرّحين والمطرودين من الخدمة العسكريّة والمدنيّة خلال فترة صعود النصيريين أمامنا.
وبدأ الحاكم الفرد بتدعيم أركان حكمه الاستبدادي، بالتخلّص ممن يجده عثرة أمام سلطته وجوره، وتعديل القوانين بما يتلاءم مع أطماعه وغاياته، وترويض فئة من الرعاع اعتادت الخنوع والتزلّف لكل ظالم ومستعمر، سهّلت له طريق الطغيان، وشجّعته على التمادي في الغي.
وسقطت مقدّرات الدولة السوريّة في قبضة الاقليّات فأعملوا فيها سلباً ونهباً، وفتحت السجون، وأخذت الأجهزة القمعيّة في عهد الطاغية وابنه تصب البلاء عليهم صبّاً، وسكت السوريّون على المذلّة والهوان، ولكنّهم لم يستسلموا للاضطهاد ولم يستكينوا، وطال ليل الظلم حتى ظنّ من لا يعرف حقيقة السوريين أنّه لن تقوم لهم قائمة.
وكانت ثورة حمراء، حاول الديكتاتور قمعها بكافّة صنوف الأسلحة، بما فيها الطيران والصواريخ البالستيّة، واستخدم الأسلحة الكيماويّة والفراغيّة، واستعان على شعبه بالشبيحة، ومرتزقة الدفاع الوطني، وميليشيات الحشد الشعبي الشيعي من الأفغان والعراقيين والإيرانيين، وحزب اللات اللبناني، فلم يتمكن من إخمادها.
ولم يتورّع عن طلب العون والمساعدة العسكريّة والفنيّة من الدول الطامعة بمقدّرات البلاد، فجاءت إيران الخامنئي، وعراق السيستاني، ولبنان حزب الله، بعمائمها السوداء، لتنفيذ هلالها الشيعي، مستخدمة سلاح القتل والتهجير وشراء الأراضي والذمم.
وجاءت روسيا بدعوة من نظام فقد شرعيّته بطائراتها وأسطولها، فكانت سوريّة حقل تجارب لأسلحتها الكاسدة، وحقل رماية لتجريب أسلحتها، وفضاءً رحباً لاختبار كفاءة طائراتها وصواريخها، وعانت المدن والبلدات السوريّة من القصف الروسي على الأهداف المدنيّة، في حرب إبادة جماعيّة، شكّلت حلب الشرقيّة إحدى ساحاتها، قضت فيها الأسر السوريّة تحت أنقاض البيوت المهدّمة والمدارس والمستشفيات، وعانت من الحصار والجوع ونقص الدواء.
كل الجرائم التي ارتكبت في سوريّة كانت تجري أمام سمع العالم وبصره، رغم التعتيم الإعلامي، وقتل المراسلين والمصوّرين، ومحاولة تصوير ما يحدث في سوريّة على أنّها حرب على الإرهاب، لم تثن السوريين عن مواصلة كفاحهم ضد الاستبداد والفساد وحكم الأقليّة.
ومما يزيد القضيّة السوريّة تعقيداً قيام النظام السوري الفاقد للشرعيّة، في غفلة من الشعب السوري، بتكريس الهيمنة الإيرانيّة والروسيّة على المنطقة.
فقد قامت موسكو بتحويل قاعدة طرطوس من «مركز إمداد وصيانة» إلى قاعدة بحرية متكاملة، ونصّت الاتفاقيّة على منح روسيا قاعدة بحريّة مجانيّة في طرطوس، وحددت مدة سريانها ب 49 عامًا، تمدد تلقائيًا لمدة 25 عامًا، إلا في حال إبلاغ أحد الطرفين للآخر قبل عام من انتهاء مدة الاتفاقية، عن قراره وقف سريانها، و يحق للجانب الروسي إرسال الأعداد الضرورية من العسكريين لضمان عمل مركز القاعدة في طرطوس، ويبلغ العدد الأقصى للسفن التي يسمح بتواجدها في آن واحد في القاعدة 11 سفينة، بما في ذلك سفن حربية ذات مولدات طاقة نووية، شريطة الالتزام بقواعد الأمن النووي والبيئي ، ونصّت على أنّ العاملين في مركز طرطوس الذين يصلون سوريا على متن سفن حربية، لا يجوز تفتيشهم من قبل أجهزة حرس الحدود والجمارك السورية، وقضت بتمتع القاعدة والعاملين فيها، وكذلك أفراد عائلاتهم، بحصانة كاملة من القانونين المدني والإداري، والملاحقة الجنائية، ولا يمكن اعتقال أو توقيف أي منهم من قبل الأجهزة السورية المعينة.
وبموجب اتفاق الوجود العسكري الروسي في سوريّة، غدت قاعدة حميميم الجوية وحدة متكاملة مجهزة بكل المتطلبات اللازمة لأداء عملها في كل الظروف، وتم نشر وحدات من الشرطة العسكرية فيها، مجهزة بـ «تقنيات متطورة للحماية والمراقبة والردع»، ولم تقتصر مهمات هذه الوحدات على القاعدة الجوية وحدها بل تمتد إلى «كل ملحقاتها» من الأراضي والمنشآت التي تخضع لسيطرة عسكرية روسية.
وتسعى ايران وقد استباحت ميليشيّاتها ومرتزقتها البلاد السوريّة، بكل الوسائل لتغيير الخارطة الديموغرافيّة بالتواطؤ مع نظام الأسد، بنشر التشيّع، وشراء الأراضي، وتهجير السكان، وتدعيم تواجدها السياسي والاقتصادي في سوريا، بتمكين رجال الأعمال ورؤوس الأموال الإيرانية من التموضع داخل الأراضي السورية، وقام رئيس وزراء النظام خلال زيارته الأخيرة لطهران بالتوقيع على خمسة عقود في مجالات الزراعة والصناعة والنفط والاتصالات، تتعلق بمنح ترخيص لمشغل إيراني لشبكة هاتف محمول، وتخصيص 5 آلاف هكتار لإنشاء ميناء نفطي، و5 آلاف أخرى كأراض زراعية في سوريا.
وستفضح الأيّام ما يجري في الخفاء من محاولات مشبوهة لتكريس الهيمنة الروسيّة والإيرانيّة، وسيكشف الفجر القادم حقيقة الصفقات المريبة بين الأسد وداعميه، لتكبيل نهضة الشعب السوري، وحرمانه من حقوقه المشروعة.
وطوبى للغرباء رئيس التحرير
1/2/2017 محمد علي شاهين
الزيارات: 1578