إنّ لهذا المارد موعداً مع الصحوة لن يغادره

نشر بتاريخ: الجمعة، 04 آب/أغسطس 2017 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

تتعزّز الفرضية القائلة بأن الكتلتين الشرقية بزعامة روسيا، وريثة الاتحاد السوفييتي، والغربية الرأسماليّة بزعامة الولايات المتحدة الأمريكيّة، تقتسمان مناطق النفوذ في العالم، وأنهما هما اللتان تعملان على تدعيم الأنظمة الفردية الدكتاتورية، أو حكم الأقلية المحتاجة دائماً إلى الشرعيّة، والدعم الخارجي للبقاء على كرسي الحكم، وتغضّان الطرف عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان كما يحدث في سوريّة.

وكأن هناك اتفاقاً مكتوباً بين الشرق والغرب على محاربة شعبنا في سورية وقهره وإذلاله لإلغاء دور سورية العربي التحرّري والتنويري، من خلال الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي الذي تلقاه بسخاء حافظ أسد بعد وصوله إلى عرش السلطة في انقلاب عسكري باطني، على مدى ثلاثين سنة من حكمه، ولا يزال ابنه يتلقى مزيداً من الدعم الخارجي لحماية نظامه من السقوط. 

 ووجدت أمريكا وروسيا في نظام الأسد بعد استئناف مسلسل الانقلابات في عام 1970 ضالّتها المنشودة، بسبب باطنيّته وطغيانه وقدرته على إضعاف سورية اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، وجعلها بلداً واهناً بالموازنة مع دولة الاغتصاب، رغم تشدقه بمسألة التوازن الاستراتيجي.

قال الصحفي الفرنسي سيرج جولي رئيس تحرير صحيفة (ليبراسيون) الفرنسية أن حافظ أسد كان مدعوماً في سياسته من الأمريكيين والروس على حد سواء.. وقال رئيس تحرير ليبراسيون لمجلة الوطن العربي: أنه لا يرى أن هذا سيتغير في المستقبل المنظور.. وتساءل قائلاً: بالأحرى لماذا سيتغير؟

 

وكانت أمريكا التي أصبحت مرجع العرب في حل خلافاتهم حريصة على استمرار حكم آل الأسد، بسبب الدور الإقليمي الذي يلعبه في المنطقة لصالحها، فأغمضت عينيها عن ممارساته القمعيّة، وانتهاكاته الخطيرة لحقوق الإنسان، ولم تلتفت لتقارير الهيئات الدوليّة، حتى أنّها سكتت عن نقده المتواصل علناً لسياستها الخارجيّة. 

ويذكر الشعب السوري أنه لمّا مرض الرئيس، وغاب عن الوعي، في 27/2/1984 أرسلت أمريكا طائرة خاصّة مجهزة بأحدث التجهيزات الطبية، وأقامت غرفة عمليات طبية في بيته، وأرسلت أطباء أمريكان للإشراف على صحته.

ويدخل ضمن هذا النطاق الدول التي تدور في فلك أمريكا، مثل فرنسا وبريطانيا الحريصتان على بقاء الأسد مهما بلغ جبروته على شعبه، وبعض الأنظمة العربيّة المهرولة خلف أمريكا اللاهثة وراءها، المفضّلة دعم قاتل شعبه على أخوّة الدم والدين، في الوقت الذي يتلقى فيه هذا النظام المدلّل دعماً روسيّاً غير محدود، وإيرانيّاً متواصلاً منذ عهد الشاه.

ودخلت قوات الردع العربية السورية بطلب من السفير الأمريكي آنذاك (رتشارد مورفي) الأراضي اللبنانيّة، ويومها طمأن وزير الخارجيّة الأمريكي كيسنجر، رئيس الوزراء الصهيوني اسحق رابين بأن هناك خطاً أحمر لن يتجاوزه السوريون، وكانت أمريكا راضية عن ممارساته القمعيّة للحركة الوطنيّة التقدميّة، وطرد منظمة التحرير الفلسطينيّة من بيروت، وتعميقه الانشقاق الداخلي في صفوفها، ولم تعترض أمريكا على الوجود السوري في لبنان، ولا على قمع اللبنانيين واغتيال عدد من قياداتهم الفكريّة والسياسيّة، حتى ثورة الأرز في أعقاب جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، في عهد بشار الأسد. 

والتزمت أمريكا بموجب (الاتفاقيّة السوريّة الأمريكيّة في عام 1988) بتقديم مساعدات اقتصاديّة وفنيّة لتطوير مختلف مرافق الحياة الاقتصاديّة العامة في سورية، مقابل التنسيق بين البلدين الذي أصبح سمة العلاقة بين أسد وأمريكا.

وتوّجت العلاقات بين سوريّة والاتحاد السوفييتي بالتوقيع على "معاهدة الصداقة والتحالف الاستراتيجي" بينهما، وبلغت نسبة المعدّات السوفييتيّة التي يستخدمها الجيش السوري 90% من مجموع معدّاته، وبلغ عدد المستشارين السوفييت والخبراء العاملين في سوريّة نحو 14 ألف رجل، 

وكانت السياسة الخارجيّة السوريّة رهينة هذا الدعم، فعلى حساب القضايا الإسلاميّة امتنعت سوريّة في العام 1980 عن إدانة التدخل السوفييتي في أفغانستان، وامتنعت عن التصويت في شجب هذا العمل المدان في الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة.

وعلى حساب استقلال سوريّة قرّرت البحريّة الروسيّة تدعيم وجودها العسكري في ميناء طرطوس السوري وجعله قاعدة عسكريّة دائمة لها، وإنشاء قاعدة جويّة في مطار حميميم.

وعلى حساب القضيّة الفلسطينيّة صمت نظام الأسد عن نمو ظاهرة الهجرة اليهوديّة من الاتحاد السوفييتي إلى الكيان الصهيوني، وارتفع عدد المهاجرين في العام من ألف مهاجر عام 1970 (انقلاب الأسد) إلى 14 ألف مهاجر عام 1971 (بعد عام من الانقلاب) واستمر العدد في النمو حتى بلغ عام 1978 إلى 30 ألفاً مهاجر يهودي سنويّاً.

تعتقد بعض الأنظمة العميلة الخانعة بباطنيّتها السياسيّة ومكرها، أنّ وضع مقدّرات البلاد وثرواتها في خدمة مخطّطات الأعداء، والمتاجرة بقضايا الأمّة، سيوفّر لها بعض النجاحات والدعم الخارجي، ويطيل سنوات حكمها، ويظهرها بمظهر القوّة والانتصار، وهي أوهى من بيوت العنكبوت. 

ومهما تعزّزت فرضيّة اقتسام مناطق النفوذ في العالم، وتعددت أشكال التآمر على العالم الإسلامي، و(خاصّة سوريّة) لإبقائه عالماً خانعاً ذليلاً خاضعاً متخلّفاً، مسلوب الإرادة، منقوص الاستقلال، مسروق الثروات، منقسماً على نفسه، مشغولاً بخلافات حكامه، فإنّ لهذا المارد في قابل الأيام موعد مع الصحوة لن يغادره.

ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ألا إنّ نصر الله قريب. 

الزيارات: 1460