العلمانيّة المتوحّشة تستغل فتوى العلماء لتضليل الشعوب

نشر بتاريخ: الخميس، 03 أيار 2018 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين


لم يكن الطورانيّون الأتراك بحاجة لفتوى العلماء لتمرير مؤامرة هدم الخلافة العثمانيّة، لأنّ مشروعهم الانقلابي يستهدف دين الدولة، ويسعى لإقامة دولة علمانيّة، ولا يثقون بالعلماء، ولكنّهم أرادوا تضليل الشعوب العثمانيّة وخداعها، من خلال الفتوى الشرعيّة المنتزعة من العلماء، ليوحوا إلى عامّة المسلمين  بأنّ ما يقومون به من خروج على الشرعيّة عمل مشروع ينبثق من الدين.
فضغطوا على مفتي الاسلام محمد ضياء الدين وانتزعوا منه بالإكراه فتوى الخلع يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شهر أبريل (نيسان) عام 1909.
وهي على شكل سؤال خبيث وجواب مقتضب، أمّا السؤال فهو: "إذا قام إمام المسلمين زيد فجعل ديدنه طي وإخراج المسائل الشرعية المهمة من الكتب الشرعية، وجمع الكتب المذكورة، والتبذير والإسراف من بيت المال، وإنفاقه خلاف المسوغات الشرعية، وقتل وحبس وتغريب الرعية بلا سبب شرعي، وسائر المظالم الأخرى، ثم أقسم على الرجوع عن غيه، ثم عاد فحنث وأصر على إحداث فتنة ليخل بها وضع المسلمين كافة، فورد من المسلمين من كافة الأقطار الإسلامية بالتكرار ما يشعر باعتبار زيد هذا مخلوعاً، فلوحظ أن في بقائه ضرراً محققاً وفي زواله صلاحاً، فهل يجب على أهل الحل والعقد وأولياء الأمور أن يعرضوا على زيد المذكور التنازل عن الخلافة والسلطنة أو خلعه من قبلهم؟!
وجاء جواب المفتي بكلمتين: نعم يجب"، دون أن يعلّل مسوّغات الفتوى.


ولإخراج مؤامرة عزل السلطان المفترى عليه، كلّفت "جمعية الاتحاد والترقي" لجنة مطعون في ولائها وإخلاصها للدولة لإبلاغ عبد الحميد بقرار خلعه، تتألف من: إيمانويل قراصو: وهو يهودي أسباني، وآرام: وهو أرمني، وأسعد طوبطاني: وهو ألباني، وعارف حكمت: وهو كرجي عراقي، إمعاناً في إذلال السلطان، واستخفافاً بفتوى المفتي، واستهتاراً بالأمّة.
وفي غياب سلطان العلماء العز بن عبد السلام بائع الملوك والأمراء، أفتى الشيخ محمد سعيد البوطي بجواز الصلاة على صورة بشار الأسد ردا على سؤال وُجه له عبر موقع "نسيم الشام" وقال البوطي في فتوى حملت الرقم 15449 ردا على سؤال لسائل من دوما يسأل عن حكم الإثم الذي لحقهم بعد إجبار الأمن لهم بالسجود على صورة بشار: اعتبر صورة بشار بساطا.. ثم اسجد فوقه.
وبحسب موقع "زمان الوصل" فإن سؤالاً وجّه للبوطي في موقع "نسيم الشام" من قبل شخص لم يذكر اسمه، وجاء في السؤال: " ما حكم توحيد غير الله قسرا كما يحدث في فروع الأمن عند الاعتقال وإجبارهم على القول أن بشار الأسد إلهنا وربنا، فجاء الرد بحسب الفتوى رقم 14658: "إن ذلك يحدث بسبب خروج هذا الشخص مع المسيرات إلى الشارع والهتاف بإسقاط النظام وسبّ رئيسه والدعوة إلى رحيله".
وخرج علينا مفتي البراميل أحمد حسون: بفتوى تدمير الأحياء المحررة بحلب .. وتدمير كل حي تخرج منه قذيفة عن بكرة أبيه مهما كان سكانه.
وقال مفتي النظام في لقاء على قناة الإخبارية السورية ، يوم الأحد 12/4/2015 تعليقاً عن ما وصفه إعلام الأسد استهداف للمناطق المدنية في حلب من قبل "المجموعات الإرهابية": أن" مدينة حلب تدفع اليوم ضريبة ثباتها ووفائها للوطن وصبر أهلها على البلوى" .
ودعا "المسؤولين إلى اتخاذ خطوات حازمة في محاسبة الإرهابيين وقال: “أقول للمسؤولين الذين وضع القائد في أعناقهم الأمانة كفانا موقفا دفاعيا، لنبدأ في الهجوم على المناطق التي قصفت أيا كان سكانها.
ولنعلم المدنيين إن كانوا فيها حاضنة لهم أو غير حاضنة غادروا المنطقة فكل منطقة ستخرج منها قذيفة يجب أن تدمر عن آخرها.”
جاء تصريحات "حسون" على تلفزيون النظام، متزامنة مع قصف عنيف بالبراميل تعرضت له الأحياء الخارجة عن سيطرة النظام، محدثا دمارا واسعا ومخلفا عشرات الضحايا في يوم من أيام حلب الدامية، وهو ما اعتبره ناشطون ترجمة فورية لـ"الفتوى" التي أطلقها "حسون"، والتي دعا فيها صراحة لإطلاق عنان الهجوم على حلب.
وعلى إثر تصريحات المفتي يوم الأحد 12/4/2015 التي دعا فيها إلى إبادة مناطق الثوار، ضربت البراميل المتفجرة مدرسة ابتدائية في حلب مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن تسعة أشخاص منهم خمسة أطفال، وفقاً لسكان المنطقة والمرصد السوري لحقوق الإنسان.
وقال مأمون رحمة خطيب الجامع الأموي المشهور بدعم النظام السوري في إحدى خطبه: «من فاته أن يحج في هذا العام والأعوام التي سبقته، إلى بيت الله الحرام، فليقف على قاسيون" واصفاً قاسيون (الذي تقصف منه الغوطة) بأنه "جبل الانتصار والعزة والكبرياء"
وفي مصر قام شيخ الأزهر أحمد الطيب رئيس هيئة كبار العلماء عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني المنحل، استناداً إلى قاعدة أخف الضررين، وكانت المسوغات أن الرئيس يريد أن تكون مصر دولة إسلامية.
وشارك الطيّب في اجتماع إعلان خارطة الطريق في 3 /7/2013 والتي أطاحت بمرسي بالإفتاء دون استشارة العلماء، بجواز خلع رئيس جمهورية مصر العربية المنتخب الدكتور محمد مرسي، وهو الذي لم يأمر بمعصية، ولم يرتكب كفراً بواحاً، بل كان رجلاً صوامٌاً قوامٌاً، حريصاً على طاعة الله تعالى.
وأفتى الشيخ ياسر برهامي أهم رموز الدعوة السلفيّة بتحريم  الخروج على الحاكم إبان حكم مبارك، ثم بارك مع جماعته خارطة الطريق التي أعلنها الانقلاب العسكري لدى إطاحته بالرئيس الشرعي محمد مرسي، وآخر فتاويه: تحريم مشاهدة المسلسلات التركية، بذريعة أنها تعمل على "تعظيم القومية التركية؛ تمهيداً لإظهارها كقيادة للعالم الإسلامي".
وعندما قرر الزعيم التونسي الهالك بورقيبة منع صوم رمضان في عام 1962، بدعوى زيادة الإنتاج، وقام بنفسه باحتساء كوب من الماء في شهر رمضان أمام شاشة التلفزيون، خرج مفتي تونس الطاهر بن عاشور على التونسيين في الإذاعة الرسمية، وتلا آية الصيام قائلا عقبها: "صدق الله وكذب بورقيبة".
وكان بورقيبة قد أصدر العديد من التشريعات المثيرة للجدل بسبب معارضته للشريعة الإسلاميّة، كانت مجلة الأحوال الشخصية قد نشرتها في عام 1956، كمنع تعدد الزوجات، وحصر الطلاق بالمحاكم، والسماح للتبني، وإجازة الإجهاض، ومنع الحجاج من تأدية مناسك الحج في السعودية، باعتباره إهدارًا للمال، والمنشور 108 القاضي بمنع الحجاب باعتباره مظهراً طائفيّاً.  
وأصدر ديوان الإفتاء بالجمهوريّة التونسيّة بياناً حول المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث في 14/8/2017 جاء فيه:
تحت عنوان "هنيئا للمرأة التونسية في عيدها الوطني" كتب المفتي عثمان بطيخ يقول:
إن الأستاذ الباجي قايد السبسي رئيس الجمهورية التونسية أستاذ بحق لكل التونسيين وغير التونسيين وهو الأب لنا جميعا بما أوتي من تجربة سياسية كبيرة وذكاء وبعد نظر . وفي كل مناسبة وطنية أو خطاب إلا ويشد الانتباه لأنه معروف عنه أنه يخاطب الشعب من القلب والعقل ولذلك يصل كلامه الى قلوبنا جميعا وعقولنا . وفي خطابه الأخير يوم أمس الأحد 13 أوت 2017 بمناسبة العيد الوطني للمرأة التونسية كان كالعادة رائعا في أسلوبه المتين وكانت مقترحاته التي أعلن عنها تدعيما لمكانة المرأة وضمانا وتفعيلا لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات التي نادى بها ديننا الحنيف في قوله تعالى " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " فضلا عن المواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية والتي تعمل على إزالة الفوارق في الحقوق بين الجنسين .
فكانت بلادنا رائدة في مجال التقدم والحداثة ومواكبة العصر ، فالمرأة التونسية هي نموذج المرأة العصرية التي تعتز بمكانتها وبما حققته من إنجازات لفائدتها ولأسرتها ولمجتمعها من أجل حياة سعيدة ومستقرة ومزدهرة فهنيئا لامرأتنا في عيدها الوطني وهنيئا لها بالإنجازات المتتابعة التي حققتها وتحققها على الدوام . وعاشت المرأة التونسية مكرمة محترمة مرفوعة الرأس في بلادها وخارجها . وعاشت تونس جمهورية حرة مستقلة مدنية أبد الدهر . وشكرا جزيلا للسيد الرئيس الباجي قايد السبسي محفوظا بالعناية الإلهية الدائمة".
التوقيع: عثمان بطيخ مفتي الجمهورية التونسيّة
لقد نجحت العلمانيّة المتوحّشة في توظيف الدين لخدمة أغراضها  المشبوهة، وتغطية جرائمها، وتخدير الشعوب بأفيون شعاراتها البرّاقة، وخديعة الجماهير بوعودها الكاذبة، ولم تتورّع عن استخدام كافّة الوسائل لإخضاع الناس لجبروتها، واستغلال ضعاف النفوس من رجال الدين لإصدار الفتاوى السلطانيّة التي تنطلي على الحمقى والمغفّلين من أبناء أمّتنا.
ويأبى الله إلاّ أن يتم نوره، وينجز وعده، وينصر جنده، ويهزم أئمّة الكفر والنفاق وحده، ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (سورة الروم 4 ـ 5)
الإسلام يعلمنا العزّة والكرامة، والاستعلاء على الجاهليّة وقيمها، وصدق الله وكذب المنافقون.
وطوبى للغرباء                                                                   رئيس التحرير
1/5/2018                                                                     محمد علي شاهين

الزيارات: 1211