لقد وطئت موطئاً صعبا يا سيّد بوتين... فمتى تبدأ الرحيل

نشر بتاريخ: السبت، 09 شباط/فبراير 2019 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

ظنّ المخدوعون من أبناء ملّتنا أنّ الثورة البلشفيّة عام 1917 هي الحد الفاصل بين ماضي روسيا القيصريّة الاستعماري الملطّخ بدماء شعوب وسط آسيا والقوقاز والقرم، وأن روسيا القيصريّة ثالثة الموقّعين على معاهدة تقسيم العالم العربي، واحتلال استانبول والسيطرة على المضائق، قبل تعديلها، ودّعت تاريخها الاستعماري بإعلانها الانسحاب من هذه المعاهدة المجحفة بحق شعوب المشرق العربي وتركيّا.
وأن قادة روسيا الجدد (بعد الثورة) سيضعون حداً لأطماع القياصرة، وسيعيدون حقوق الشعوب المغتصبة إلى أصحابها، وسيسحبون جيوشهم الغازية من بخارى وسمرقند وطشقند والقوقاز. 
لكن سرعان ما تبخّرت الوعود، وخفت بريق الشعارات، وكشّرت دكتاتوريّة ستالين عن أنيابها الصفر، وانتزعت هويّة المسلمين، وحرموا من قرآنهم، وكان الروس يجمعون الأهالي في اسطبلات الخيل ويحرقونها، ويرسلونهم إلى سيبيريا ليموتوا جوعاً وبردا.
وكان ستالين أوّل من وعد اليهود بإقامة وطن لهم في شبه جزيرة القرم على حساب المسلمين التتار، وكانت أوّل من اعترف بالكيان الصهيوني الغاصب، وأوّل من فتح أبواب الهجرة ليهود روسيا إلى إسرائيل،

وزوّدت روسيا الغاصبين بالسلاح، وبادلت النفط بالبرتقال الفلسطيني، وكانت آخر تجاربها الاستعماريّة التدخّل العسكري في أفغانستان في عام 1979 وتنصيب حكومة عميلة، لكنّها اصطدمت بإرادة شعب عنيد، مرّغ تاريخها الاستعماري، وسمعتها العسكريّة بالتراب، وأجبرها على الرحيل مدحورة مذمومة، بعد عشر سنوات من الكفاح الدامي.

وجاءت (البروسترويكا) لتنهي المرحلة السوداء من تاريخ الدولة السوفييتيّة، حتى ظنّ المعاصرون منّا أنّ روسيا وعت درس أفغانستان جيّداً، وأنّ العالم قد دخل عهداً جديداً من احترام حقوق الإنسان، والتحرّر السياسي والاقتصادي، لكنّ الطبع الروسي الشرس غلب التطبّع، وعادت الأفعى تنفث سمها الزعاف في بلدنا المحتل سوريّة.  
وتحت دعوى محاربة الإرهاب الإسلامي، وحماية الحليف البعثي المقاوم، لم يكن بوتين بحاجة لدعوة رسميّة من الأسد لاحتلال سوريّة، وارتكاب جرائم حرب وإبادة ضدّ الشعب السوري، بالاشتراك مع حليفته إيران التي لم تأخذ الدروس والعبر من حربها مع العراق.
وتحت دعوى استغلال حاجة الأسد لحمايته من السقوط، تدخّلت روسيا بشكل مباشر، مستخدمة كافّة صنوف الأسلحة بما فيها المحرّمة دوليّاً لإبادة مدن بأكملها وتهجير نصف الشعب السوري، ليس حباً بالأسد وحزبه وطائفته، ولكن لغاية في نفسها.
وظنت روسيا أنّها ربحت المعركة كما ربحتها في الشيشان والقرم، وأنّها تستطيع إجهاض الصحوة الإسلاميّة في سوريّة كخطوة استباقيّة قبل وصول رياح التغيير إلى المسلمين في روسيا، وأنّ سوريّا لقمة سائغة يمكن ابتلاعها بسهولة بعد قيام الأسد الأب بترويض الشعب السوري الأعزل ثلاثة عقود.
وأنّها جاءت لقضاء شهر العسل على شواطئ اللاذقيّة وطرطوس، وأنّ ما توقعه من اتفاقيات ومعاهدات غير متوازنة، بالتنسيق مع إسرائيل، في غياب مجلس نيابي منتخب انتخاباً حرّاً سيمر مرور الكرام، وأنّها ماضية في قتل أحرار سوريّة واستئصالهم وتهجيرهم دون محاسبة، وأنّها بريئة من دم يوسف السوري، ما دامت تملك حق النقض في مجلس الأمن، ومادام العالم يقف كالأبله أمام إحدى عشرة ألف صورة منشورة لقتلى التعذيب (صور قيصر) صامتاً متآمراً بكل هيئاته ومنظّماته الدوليّة على الشعب السوري.
لقد ارتكبت روسيا خطأ كبيراً بانحيازها ضد تطلّعات شعوب المنطقة لصالح الدكتاتوريّة، وأصبحت متهمة بارتكاب جرائم حرب تستوجب المساءلة والمحاسبة.
وأخطأت التقدير، باستيلائها على السلطة الحقيقيّة في سوريّة، يوم أصبح بوتين الآمر الناهي، وأثبتت روسيا أنّها لا تحسن قراءة التاريخ.
لقد وطئت موطئاً صعبا يا سيّد بوتين......... فمتى تبدأ الرحيل عن سوريّة؟
وطوبى للغرباء                                                                   رئيس التحرير
1/2/2019                                                                     محمد علي شاهين

الزيارات: 1506