الساحل السوري في فم العاصفة
لم يعد سراً الحديث عن الصفقات المريبة بين نظام الأسد وروسيا، وعن تردّد كبار المسؤولين الروس على العاصمة السوريّة، وآخرها زيارة مبعوث روسيا الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، ويوري بوريسوف نائب رئيس الوزراء الروسي، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرجي فيرشينين، وعدد من المسؤولين بوزارة الدفاع الروسية، لاستئجار ميناء طرطوس.
ووسط تكتّم سوري حول هذه الصفقة المريبة، سرّبت وكالة تاس للأنباء عن بوريسوف قوله إن من المنتظر أن توقع روسيا قريبا عقدا لاستئجار ميناء طرطوس من سوريا.
ومن الجدير بالذكر أنّ ميناء طرطوس القريب من العاصمة السوريّة قد صمّمته شركة "كامب ساكس" الدانماراكيه المتخصصة بتصميم المرافئ، وبدأ بناؤه في 1 أيار 1960 (في عهد الوحدة) من قبل مجموعة شركات عربية وأجنبية وفق أحدث التصاميم، ودخل الخدمة قبل وصول الأسد الأب إلى السلطة.
وتبلغ مساحة ميناء طرطوس 3 مليون متر مربع تتوزّع بين مساحة الأحواض المائية، ومساحة الساحات والمستودعات والأرصفة البالغ عددها 22 رصيفاً، وجرى ربط الميناء بالشبكة العامّة للطرق البرية والحديدية، وتجهيزه بالزوارق والروافع والآليات الحديثة ليلبي حاجة الاقتصاد السوري، وليس الروسي.
وأقامت روسيا بجوار مدينة طرطوس الساحليّة بموجب اتّفاقيّة وقّعت بين نظام دمشق وموسكو، في 18/1/2017، قاعدة بحريّة، لمدّة 49 عاماً قابلة للتمديد، تتسع لإحدى عشرة سفينة حربيّة بما فيها الغوّاصات النوويّة، وزوّدتها بأجهزة التصنّت والتجسّس على دول المنطقة، ومنحها نظام الممانعة: الحصانة من القوانين السوريّة والتفتيش، دون مقابل (لوجه الله).
وكان البرلمان الروسي في عام 2017 قد صدّق على اتفاق مع دمشق لترسيخ وجود روسيا في سوريا ولتمهيد الطريق أمام وجود عسكري دائم في قواعد بحرية وجوية هناك.
كما تم الاتفاق على قيام روسيا بتوسيع وتحديث إمكانيات الميناء لتقديم خدمات وتسهيلات للأسطول الروسي، ليلبي خطط روسيا التوسّعيّة ورفاهيّة شعبها، على حساب الشعب السوري .
وكانت روسيا قد وقّعت اتفاقا مع النظام في 26/8/2015 ضمنت بموجبه حق استخدام قاعدة حميميم في كل وقت من دون مقابل ولأجل غير مسمى، مقابل دعم النظام والفصائل الشيعيّة بالطيران الروسي.
وكانت روسيا وفيّة لحليفها (المقاوم)، بعد أن أوجدت آليّة للتنسيق الأمني مع وزارة الدفاع الإسرائيليّة، فشاركت قواتها الجويّة في قلب المعادلة لصالحه، انطلاقاً من قاعدة حميميم، وأوقعت مئات آلاف القتلى في صفوف المدنيين، وأعملت طائراتها المقاتلة الدمار والخراب في طول البلاد وعرضها، ولوّثت شرفها العسكري بهذا العار الذي لا يمحى.
ومما يدمي القلوب ونحن نتابع المشهد السوري، ترحيب فئة ضالّة باعت ضمائرها للشيطان، بهكذا صفقات.
وآخرها تصريح وزير سابق في حكومة الأسد: يطالب فيه "بأن يكون هناك عقود تأجير لجميع المصانع وشركات القطاع العام المتعثّرة أو الخاسرة أو الّتي تجد صعوبات في العمل في ظلّ الظّروف الحاليّة".
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، عن الثمن السياسي الذي يسعى النظام السوري ـالذي يحوي مثل هذا الوزيرـ للحصول عليه مقابل هذه الصفقات المجانيّة؟
وما هي النتائج الكارثيّة التي سيحصدها السوريّون ـوخاصّة أهالي طرطوس آخر موطئ قدم للصليبيين في سوريّاـ المساكين في حالة وقوع حرب عامّة نوويّة تكون روسيا إحدى أطرافها؟
ألا تشكّل هذه القواعد خطراً على الدول المتشاطئة مع سوريّة، وخاصّة تركيّة، ولبنان، والاتحاد الأوروبي؟
ونقلّب صفحات تاريخنا المجيد لنستلهم منه الدروس والعبر، يقول محمد سيّد كيلاني في كتابه (الحروب الصليبيّة) ص 210 ما يلي: "ولمّا ألغى صلاح الدين الخلافة الفاطميّة، اجتمع نفر من أنصار الفاطميين، وأرسلوا إلى الصليبيين في الشام، وإلى صاحب صقلية، طالبين منهم تجريد حملة على مصر لإرجاع الخلافة الفاطميّة إليها، وطرد صلاح الدين منها، وبناءً على هذا قدم إلى ثغر الإسكندريّة أسطول عظيم من جزيرة صقلية قوامه ثلثمائة سفينة، ولكن لم يقو على الإستيلاء على المدينة، وذلك لبلاء أهلها في الدفاع عنها، فغادر الإسكندريّة في عام 570هـ."
ولكن ما أكثر الدروس وأقلّ العبر!!.
هل هانت سوريّة على حاكمها الفرد المتربّع على عرش قاسيون، كما هانت على من دعا اسطول الصليبيين لنجدته، حتى يستدعي الأساطيل الروسيّة والإيرانيّة لتسليمها ثغور الشام، كما فعل أسلافه من قبل؟
تلك الثغور التي كان أجدادنا يعتقدون أنّ الإقامة فيها ضرب من الجهاد في سبيل الله، ومن يموت فيها فهو شهيد.
أسئلة كثيرة تضع الساحل السوري بعد بيعه وتأجيره في فم العاصفة، ولا تحتاج مزيد فهم للإجابة عليها، لأن الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت، ويومها سيمزّق السوريّون كل الاتفاقات الخيانيّة وفي مقدمتها اتفاقيّات البيع والتأجير.
لندن في 1 أيار 2019 رئيس التحرير
الموافق 25 شعبان 1440 محمد علي شاهين