خيانة الأوطان ليست وجهة نظر
نهى الله تعالى المؤمنين عن الخيانة بجميع صورها وأشكالها، ودعاهم لمحاربة الطغاة المعتدين على ألوهية الله تعالى وسلطانه، وأمرهم بتأمين الحق والعدل للناس جميعا، وإقامة القسط بينهم بالميزان الثابت، وتعمير الأرض والنهوض بتكاليف الخلافة فيها عن الله بمنهج الله.
وجعل هذه المسؤوليّة أمانة في رقاب العباد، من لم ينهض بها فقد خانها; وخاس بعهده الذي عاهد الله عليه، ونقض بيعته التي بايع بها رسوله.
قال تعالى في محكم كتابه: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تخونوا الله والرّسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)) سورة الأنفال: آية 27).
ولا تقف حدود الخيانة في دنيانا عند صور الحب العاطفيّة الرقيقة التي يعرفها المراهقون، وأشكال الغدر التي تدمي قلوب العاشقين، فتنتهي فصولها بالفراق الصعب، وانتحار ذوي القلوب الضعيفة.
بل تتعداها إلى ما هو أخطر وأشدّ إيلاماً، حيث تكون الأمّة والوطن هما الضحيّة.
ومن صور الخيانة التي لم تعد خافية على الناس تبخّر تلك الوعود الكبيرة التي أطلقتها الأنظمة الأبويّة دهراً، وجعلتنا نعيش كالعاشقين على حلمها الجميل.
وإنّ ما يوقّع نيابة عن الشعب السوري في سراديب الغرف المظلمة، من اتفاقيّات ومعاهدات غير متوازنة، وما يعقده أدعياء الشرعيّة من صفقات مريبة بين النظام السوري المهزوم من جهة، وروسيا الصليبيّة، وإيران الصفويّة، من جهة ثانية، مقابل الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي، وحمايتة من المساءلة والسقوط، هي الأنانيّة المفرطة، والخيانة العظمى التي لا يمكن السكوت عليها.
وهل تتعدّى أركان الخيانة العُظمى عن حدود قيام شخصٍ ما بخدمة دولة أجنبيَّة، وتعهُّد مصالحها على حساب مَصلحة دولته التي يَنتمي إليها، والتفريط بحقوق الشعب، مقابل منفعة ماديّة أو معنويّة، ما يؤدِّي إلى المساس بأمن بلَده واستقراره.
ولا يعلم إلا الله حجم القروض السخيّة التي حصل عليها النظام خلال السنوات العجاف الماضية، وثمن الأسلحة والطائرات الحربيّة والقذائف والصواريخ التي دمّرت البنية التحتيّة، وقتلت الشعب وهجّرته ومزّقته.
والسؤال الذي يحيّر العقلاء: من الضامن لسداد كل هذه الديون التراكميّة؟ وكم سنة يجب أن تستغرقه فترة سداد هذه الديون، وهل تتحمّل الأجيال القادمة التي شرّدها النظام وهدم بيوتها، وحرمها من الابتسامة، وأحرق قلوبها قبل أن يحرق مزارعها، ويدمّر مصانعها، وحدها عبء هذا الحمل الثقيل؟
وهل تحلم الدول الدائنة المعتدية بأن يزعن الشعب السوري في قابل الأيّام لأي قرار أممي يلزمه بدفع نفقات الحرب التي شنّت عليه، أو يضع الميزانيّة السوريّة تحت الوصاية الدوليّة، لتسديد أجور ونفقات القتلة والمرتزقة واللصوص، وثمن الطائرات والصواريخ والغازات السامّة التي تجرّعها الشعب السوري ولا يزال؟
أمّا تحرير سوريّة من الاحتلال الروسي، وإجلاء الجيوش وتطهيرها من القواعد البحريّة والجويّة العسكريّة فلا يعلم إلا الله حجم التضحيات التي يجب أن يقدمها السوريّون.
وكم يحتاج المصلحون والدعاة لتنظيف ما أفسده عملاء إيران من أفكار وقيم، وما دسّوه من مذاهب باطلة، وعقائد فاسدة.
ومع هذا كلّه فالسوريّون (عدا الخونة) عاقدون العزم على تحرير بلدهم من كل سلطان أجنبي وفكر دخيل مهما بلغت التضحيات.
وعاقدون العزم على المطالبة بالتعويضات الماديّة والمعنويّة، عن الخسائر التي ألحقتها الدول المشاركة في العدوان عليه، وفي مقدمتها روسيا وإيران.
يقول الشيخ ﺠﻤﺎﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻓﻐﺎﻧﻲ " ﺧﺎﺋﻦ ﺍﻟﻮﻃﻦ، ﻭﻟﺴﻨﺎ ﻧﻌﻨﻲ ﺑﻪ ﻣﻦ ﻳﺒﻴﻊ ﺑﻼﺩﻩ ﺑﺜﻤﻦ ﺑﺨﺲ ﺑﻞ ﺧﺎﺋﻦ ﺍﻟﻮﻃﻦ ﻣﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎ ﻓﻲ ﺧﻄﻮﺓ ﻳﺨﻄﻮﻫﺎ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﻓﻲ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﻮﻃﻦ، ﺑﻞ ﻣﻦ ﻳﺪﻉ ﻗﺪﻣﻲ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﺗﺴﺘﻘﺮ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺍﺏ ﺍﻟﻮﻃﻦ، ﻭﻫﻮ ﻗﺎﺩﺭ ﻋﻠﻰ ﺯﻟﺰﻟﺘﻬﺎ، ﻓﻬﻮ ﺧﺎﺋﻦ، ﻭﻓﻲ ﺃﻱ ﻟﺒﺎﺱ ﻇﻬﺮ، ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻱ ﻭﺟﻪ ﺍﻧﻘﻠﺐ ."
أمّا المصير الذي ينتظر خونة الأوطان، فلا يختلف عن مصير الخائن الأكبر أبي رغال، وابن العلقمي، وشاه إيران.
الأوّل: جعَل من نفسه دليلًا وعميلًا لأبرهةَ الأشرم عندما عزم على هدم الكعبة، ولقد مرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بقبره فرجَمه، فأصبح رَجمُه سنَّة.
والثاني: سلّم مفاتيح بغداد للتتار، فقَتَلوا الخليفةَ وابنه، وأفسدوا في البلاد أشدَّ الفساد، ثم دعا هولاكو بابن العلقمي ليكافئه، فحضر بين يديه، فوبَّخه على خيانَته لسيِّده الذي وثِق به، ثم قال: "لو أعطيناك كلَّ ما نملِك، ما نرجو منك خيرًا، فما نرى إلا قتلَك"، وقتله بالفعل.
والثالث: شرطي الخليج، وحامي مصالح أمريكا في المنطقة، تخلت عنه أمريكا في ساعة الشدّة، فلم تستقبله دول العالم، سوى مصر السادات، فمات بها شريداً طريداً.
استدعاء الجيوش الأجنبيّة والميليشيات الصفويّة والشركات الاستعماريّة، وبيع أجزاء غالية من الأرض السوريّة لتكون مطارات حربيّة وموانئ عسكريّة، وأوكاراً للتجسّس على دول المنطقة، ودفن النفايات النوويّة في الصحراء السوريّة، ومنح حلفاء النظام حق التنقيب في الأرخبيل السوري عن الغاز والبترول، في غياب مجلس نيابي منتخب انتخاباً حراً، تحت أي زريعة من الزرائع، خيانة عظمى لا تقبل التأويل والتعليل.
إنّها خيانة لله ولرسوله، وويل لمن ادعى أن ما يجري من تنازلات، وما يرتكب بحق الشعب من جرائم وجهة نظر.
وطوبى للغرباء رئيس التحرير
1/9/2019 محمد علي شاهين