روسيا تبحث عن كتبة دستور يحفظ لها مصالحها

نشر بتاريخ: الأربعاء، 09 تشرين1/أكتوير 2019 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

 

وأخيراً تفتّقت عقليّة المراوغين والكذّابين والوسطاء، وخرجوا علينا بحل سحري للقضيّة السوريّة، بعد طول معاناة، يتمثّل بكتابة دستور جديد للبلاد يضمن لها الأمن والاستقرار، وكأنّ سوريّة التي ثارت لكرامتها لم يكن بها دستور مفصّل على مقياس الرئيس، ومجلس شعب مطواع. 

وإذا فرض هذا الدستور على الشعب السوري، فمن يفسّر نصوصه الدستوريّة الجامدة، ويتجاوز النص المنطوق إلى روح النص وجوهره. 

ومن يطهّر الجيش من القتلة، وقاصفي القرى والمدن براجمات الصواريخ، والأسلحة الكيماويّة، ويعيد إلى الجيش توازنه الطائفي، ويهدم السجون، ويطلق سراح المعتقلين، ويوقف التعذيب، ويضمن نزاهة الانتخابات، ويعيد الى المواطن حقوقه المغتصبة، ويخلّصه من القانون 10، والقانون 49 لعام 1980 وغيرها من القوانين المخالفة للدستور، ومن يمنع تغوّل الرئيس وطائفته على السلطة التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائيّة، ويعيد إلى المواطن السكينة والاطمئنان، وإلى الوطن الاستقرار، ويواسي جراح الأرامل والثكالى، ويكفكف دموع الأيتام والمحرومين. 

 

ولماذا يعطى النظام السوري المتهم بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانيّة، حق المشاركة بثلث أعضاء اللجنة الدستوريّة، سوى الأعضاء المندسين في ثلث المعارضة، وهو المتهم بتزوير الانتخابات على مدى نصف قرن، وصناعة المجالس النيابيّة المطواعة، وتدمير الحياة الحزبيّة، وقمع الحريّات.

ولماذا تعطى روسيا المتهمة بإخضاع المناطق المحرّرة للنظام تحت دعوى المصالحات بالخديعة والغدر، دوراً رئيسيّاً في أعمال اللجنة الدستوريّة، وصياغة مبادئ الدستور، واختيار أعضائها، ولعب دور فعّال في حل المسألة السوريّة، وهي الوسيط المنحاز غير النزيه، المشارك في الحرب، الملوّثة يديها بدماء السوريين، المتهمة بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانيّة وأعمال القتل والترويع والتهجير والدمار. 

ومهما برّرت روسيا تدخلها السافر في الشؤون السوريّة الداخليّة كالقول بالقضاء على “تنظيمات متطرفة” لحماية أمنها القومي، ومنع تسلل هذه التنظيمات عبر البحر إلى العواصم الأوروبية، فهي غير مقنعة.

محاولات روسيا المفضوحة الاحتفاظ بمكاسب جنتها خلال السنوات الأربع الماضية، من موانئ بحريّة وقواعد جويّة، واستثمارات بتروليّة، من خلال رعايتها لمحادثات أستانة، والقضاء على روح الثورة، وحماية نظام مستعدّ للتنازل لها عن كل سوريّة من أجل بقائه، وإطالة معاناة السوريين، ليست سوى فصل مضحك من مسرحيّة ساخرة.

ويتساءل السوريّون ومعهم أحرار العالم: متى كانت روسيا ذات الماضي الاستعماري منذ عهد القياصرة والبلاشفة، محبّة للسوريين، رؤوفة بهم، مشفقة عليهم؟ وما علاقتها بكتابة الدستور وتدخّلها في اختيار أعضاء اللجنة الدستوريّة.؟ 

طبعاً هي تبحث عن عملاء على استعداد لمنحها شرعيّة الاحتلال الدائم لقطعة عزيزة من الساحل السوري، على شاكلة خونة الشعب السوري الذين وافقوا بالإجماع على القانون 49 لعام 80 القاضي بإعدام كل من ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين. 

وهل يظن بوتن أنّ السوريين أغبياء إلى هذه الدرجة حتى يضعوا بين أصابع روسيا الاستعماريّة مفتاح الحل السحري لأزمتهم المستعصية، ويعطوها حق المشاركة في وضع دستور يضمن لهم الأمن واسترداد الحقوق والعودة الآمنة، بعد هذه التجربة المريرة.  

متناسين ماارتكبه جيشها بحقهم من جرائم وموبقات بعد تدخّلها المباشر في سوريّة، وانحيازها التام إلى جانب نظام الأقليّة الطائفيّة الحقود، واستباحتها المجال الجوّي السوري، وقصف المدارس والمستشفيات ودور العبادة لإثبات كفاءة اسلحتها وبراعة جنودها.

وإذا كانت روسيا تؤمن بأن الظلم والجور الذي مارسته على السوريين هو العدالة، وأنّها تريد تكريس هذا الفهم للعدل من خلال دستور جديد يكتبه عملاؤها، فقد سلكت الطريق الخاطئ. 

لأنّ السوريين ومعهم كل أحرار العالم يؤمنون بأنّ العدالة في ضمير القاضي، وليست في نص القانون.

وطوبى للغرباء                                                                  رئيس التحرير

لندن في 1/10/2019                                                        محمد علي شاهين          

 

الزيارات: 1112