ألا فليشرق الربيع السوري من جديد في سماء العرب
تبدّد سراب الوهم والخديعة، وظهرت الحقيقة واضحة كالشمس في رابعة النهار، فلا كذب ولا نفاق بعد اليوم، ولتخرس الأبواق الفارغة المضلّلة، ولتغلق كافّة الدكاكين الحزبيّة المتاجرة بقضايا الأمّة وآمالها.
كم تحدّثوا عن الحريّة بفصاحتهم المعهودة، وأصواتهم العالية، وجعلوها ثاني ثالوثهم المقدّس، فلما حكموا، قمعوا المعارضة، وأمّموا الصحف، وقمعوا أرباب الفكر والأدب، وفتحوا السجون والمعتقلات وتفنّنوا في القتل والتعذيب، وهذه صور أحد عشر ألف جثّة معتقل سوري في (وثيقة قيصر) بالإسم والصورة تدينهم، وتلعنهم إلى أبد الآبدين.
كم اتهموا خيرة رجالات سورية وقادة الرأي فيها، وكبار الضبّاط بتهمة الانفصال، حتى إذا وصلوا سدّة الحكم، سرّحوهم من مناصبهم، ونكّلوا بهم، وكانوا أشد الحكّام فتكاً بالوحدويين الحقيقيّين، ونسوا عهودهم التي قطعوها بإعادة الوحدة.
كم عقدوا من مؤتمرات، وسطّروا من مقالات، وأنشدوا من قصائد، في قضيّة فلسطين، فلمّا قاموا بانقلابهم العسكري، أداروا ظهورهم نحو الجبهة، واتجهوا إلى العاصمة لإسقاط عهد الانفصال، تاركين الحدود بلا حماية (بالاتفاق مع إسرائيل)، فكانت سقطتهم الأولى، وكم طلعة جويّة طلعوها، وقذيفة صاروخيّة قذفوها على إسرائيل خلال حكمهم المديد، بالمقارنة مع آلاف الغارات والبراميل المتفجّرة والقذائف والأسلحة المحرّمة دوليّاً على المدن والأرياف السوريّة.
كم تشدّقوا بقضيّة الجزر العربيّة المحتلّة الثلاث: طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وجزيرة أبو موسى، حتّى إذا صدّقهم المغفّلون أمثالنا، تآمروا مع إيران ضدّ عراق صدام حسين، وسلّموها كافّة الوثائق والمخطّطات العسكريّة المحفوظة لديهم من أيّام الوحدة البعثيّة مع العراق، وكانوا سنداً للفرس ضدّ إخوانهم العرب منذ بداية سنوات الحرب الغبيّة، حتّى الاحتلال الأمريكي للعراق.
كم استغلّوا قضيّة عربستان (الأحواز)، وتباكوا على آخر أمراء بني كعب خزعل بن جابر، وعن حبّه للشعر، وإكرامه للشعراء، وإدمانه على المتعة، قبل أن تستولي الحكومة الإيرانية على إمارته الغنيّة بالنفط والغاز، حيث يشكّل النفط المصدّر من عربستان ما نسبته 87%، ومن الغاز ما نسبته 100% من الغاز الإيراني، فتراهم اليوم يتحالفون مع إيران، ويستنجدون بجيشها وميليشيّاتها لحماية أنظمتهم وكراسيّهم.
ولمّا أحسّوا بالخطر على كراسيّهم استدعوا الدولة الاستعماريّة الأولى في العالم، وكان الناس يعتقدون أنّ عهد الاستعمار الروسي قد انتهى في عام 1991، بعد استقلال أوكرانيا وبولندا وبيلاروسيا وفنلندا ودول البلطيق وآسيا الوسطى والقوقاز، فإذا بروسيا تحنّ إلى عهود الاستعمار، وتسيطر على مقدّرات سوريّة، من خلال إحكام قبضتها على آبار النفط والغاز السوري، وإقامة القواعد العسكريّة والمطارات، والاشتراك في الحرب القذرة ضدّ الشعب السوري، وهو يخوض أقدس معاركه، والإيغال في دماء السوريين، وارتكاب جرائم ضدّ الإنسانيّة، وهذه مجزرة معرّة النعمان التي ارتكبها الروس بالاشتراك مع الطيران السوري شاهدة اليوم.
كم خدعوا الشعب بهجوههم على الطائفيّة، حتى عاملتهم الأكثريّة السوريّة المتسامحة كسنيين، وحملتهم على أكتافها، فلمّا سيطروا على مقدّرات البلاد قلبوا لها ظهر المجنّ، وسرّحوا خيرة شباب سوريّة من الجيش والمناصب العليا في الدولة، وقرّبوا المنافقين، وكانوا وراء هزيمة حزيران وضياع الجولان، وتبيّن للسوريين أن من انتخبوه رأساً للنظام كان أسير طائفته، أمّا ثورة الكرامة فقد أدرك الجميع بأنّها لم تكن في يوم من الأيّام (فتنة طائفيّة) ولا حرباً على الإرهاب، بل ثورة شعب كريم على الظلم والاستبداد.
يتباكون على حقوق الأقليّات في سوريّة التي عاش الجميع في ربوعها متآخين متعاونين قبل أن ينشروا الوباء الطائفي، وينتهكوا بالحقد والكراهية التي تربوا عليها حق الإنسان في الحياة، وكمثال على صدق مقالتنا ما وصفته منظّمات حقوق الإنسان حول أحداث في البيضا ورأس النبع بمنطقة بانياس الساحليّة في الفترة بين 2 ـ 4/5/2013 بالتطهير الطائفي، حيث قتل الشبيحة ومن يلوذ بهم 459 شخصاً بينهم 92 طفلاً، 71 امرأة، أغلبيتهم قتلوا حرقاً بالنار أو ذبحاً بالسكاكين.
كم اعتلى هؤلاء المتشدّقون باسم الوطن والمواطن أعواد المنابر، ليزوّروا التاريخ، ويتحدّثوا عن أبطال من خشب، لم يعرفوا ساحات الوغى، وكانوا عيون الاستعمار وأعوانه.
كم كان هؤلاء اللصوص وراء إفقار بلادنا وتخلفها بسبب عمليات الاحتيال والنهب وسرقة المال العام وغسيل الأموال، وشراء الأسلحة الفاسدة.
كم تسبّبوا في حالة اليأس والإحباط والبطالة، وعدم تكافؤ الفرص التي أصابت أبناءنا الخرّيجين، حتى هجروا مغاني بردى والعاصي والفرات، إلى بلاد الهجرة والاغتراب، فخسارتنا بهم لا تعوّض، وكم عانوا من آلام وتحمّلوا من مشاق كانوا في غنى عنها لولا إدارة هؤلاء الأوغاد لمقدّرات البلاد في ليل سوريّة الطويل.
ينعون علينا ثورة الكرامة، ويتواطؤون مع أعداء الأمّة على إجهاض كل عمليّة إصلاح وتجديد ليواصلوا النهب والتخريب، وكأّن عجلة التاريخ السوري تدور إلى الوراء، ولإن نجحت الثورة المضادّة في إجهاض بعض الثورات العربيّة، فالنصر قادم بإذن الله، والعاقبة للمتّقين.
ألا فليشرق الربيع السوري من جديد في سماء أمّة العرب.
وطوبى للغرباء رئيس التحرير
1/1/2020 محمد علي شاهين
الزيارات: 1155