اليد التي تؤلم روسيا (سلاح المقاطعة)
يبدو حتى الآن أنّ روسيا مصرّة على مواصلة حربها الشرسة ضدّ الأهداف المدنيّة في سوريّة، وأنّها لا تزال على استعداد لمواصلة الحرب، والإصرار على قتل السوريين، وإنفاق الملايين على التسلّح وبناء القواعد العسكريّة البحريّة والجويّة في سوريّة، رغم ركود وانكماش اقتصادها بسبب العقوبات الغربيّة نتيجة تدخلها في شرق أوكرانيا وضمّها شبه جزيرة القرم، وبسبب انخفاض عائدات النفط والغاز.
وشهدت روسيا أسوأ أزمة اقتصاديّة في تاريخها، بعد توقف تدفق الاستثمارات العالميّة، حتّى أنّها اضطرت للجوء إلى الصندوق الاحتياطي لسد العجز في الميزانيّة.
وتوقفت بعض برامج الدعم الحكومي، وهوى الروبل، وتآكلت القدرة الشرائيّة للمواطن الروسي، وانخفض مستوى معيشته، وتراجع دخله.
ومع هذا فلم يغب الحلم الامبراطوري عن خيال بوتين الذي فشل في تنفيذ برنامج اصلاح اقتصادي وسياسي في دولة ينهشها الفساد، وواصل إلقاء أطنان المتفجّرات على الأهداف المدنيّة، حتى بات كل مواطن سوري يشعر بأنّ روسيا وراء مصائبه.
ومن المفارقات أن تطمع روسيا في زيادة حجم تبادلاتها التجاريّة مع العالم العربي، وزيادة الاستثمارات دون الأخذ بعين الاعتبار حربها العدوانيّة على سوريّة، ودفاعها المستميت عن الحلف الطائفي الحقود، وانحيازها الكامل إلى أنظمة القمع والاستبداد في العالم الإسلامي.
ومن الطبيعي أن تتشكل قوّة ضغط، ورأي عام لمواجهة انحياز روسيا الكامل للنظام السوري وهو يمارس سياسة الأرض المحروقة، ويفتك بشعبه تحت دعوى الحرب على الإرهاب، وفضح مشاريع التقسيم التي اعتادت روسيا القيصريّة أن تكون طرفاً فيها قبل الثورة البلشفيّة.
ويرتكب بوتين خطأ فادحاً إذا اعتقد أنّ باستطاعته إطالة حربه القذرة على الشعب السوري، وإطالة معاناة السوريين، بالتواطؤ مع أعداء سوريّة، وبالتنسيق مع الكيان الصهيوني، مستغلاً وجود رئيس أمريكي يرغب في تحسين علاقته مع ايران، على حساب حلفائه التقليديين من السنّة العرب.
وستثبت الأيام أنّ بوتين لا يفقه ألف باء السياسة إذا اعتقد أّنّ نظام الأسد هو الضامن لمصالحه في سوريّة والبلاد العربيّة، وأن جريمة تدمير سوريّة التي حفرت جرحاً غائراً في تاريخ العلاقات السوريّة الروسيّة يمكن أن تنسى بسهولة.
وعلى أحرار العالم الانتصار للشعب السوري فعلاً لا قولاً، واثبات مصداقيّتهم وتضامنهم معه، ولجم روسيا الظالمة، ووضع حد لعدوانها، وأنّ بإمكانهم أن يفعلوا ما لم يستطعه أصدقاء سوريّة.
وهنا يتجلى دور النضال السلمي، إلى جانب الفصائل الجهاديّة، والحركات الوطنيّة الفاعلة في الساحة السوريّة، من خلال الضغط على الحكومة الروسيّة، في حركة مقاطعة شعبيّة، شاملة للبضائع والسلع والمنتجات الصناعيّة، وشركات الطيران، والنقل البحري، وشركات السياحة، والبنوك، وشركات النفط والغاز، والتوقف عن استخدام الروبل، وغيرها.
فالاقتصاد الروسي المريض هو اللغة التي تفهمها روسيا، وعلى الشعوب أن تمسك روسيا من يدها التي تؤلمها بشدّة، حتى تعتذر إلى الشعب السوري عمّا ألحقت به من قتل وتدمير وتشريد، وتعترف بحق الشعب السوري في الحريّة، وترحل عن سوريّة.
وليس ذلك ابتداعاً في أساليب النضال المشروع، فمن منّا لا يذكر موقف غاندي عندما قرر ان يقاطع شراء الملح لمّا رفع الانجليز الضريبة على الملح عام 1930، وقام بإنتاج حاجته من الملح بنفسه، ومشى 400 كيلومتر ليصل الى البحر، وهناك دعا الهنود الى انتاج حاجتهم من الملح ومقاطعة الملح البريطاني.
يومها سخر الانكليز منه، ولكن دعوته تحولت الى حركة شعبية شكّلت أكبر تحد للاحتلال، ومهّدت لرحيله عن شبه القارّة الهنديّة.
وهل تذكرون ما أصبح يعرف بحفل شاي بوسطن عام 1773، يوم تنكر خمسون رجلاً بأزياء الهنود الحمر، وصعدوا إلى ثلاث سفن تجارية إنجليزية كانت راسية في الميناء، وألقوا حمولتها من الشاي البريطاني في ميناء بوسطن.
يومها كانت النتيجة باهرة، وكانت درساً للشعوب الساعية نحو التحرّر والاستقلال.
فهل تمسك الشعوب المسلمة روسيا من اليد التي تؤلمها؟ وتلجأ إلى سلاح المقاطعة للبضائع والسلع والخدمات الروسيّة، تضامناً مع الشعب السوري المظلوم، إذا أرادت أن يتقبّل الله صيامها وهي تودّع الشهر الفضيل؟.
الزيارات: 1892