لماذا الخوف من الغرباء (الزينو فوبيا)؟
تصاعدت تحت ستار البحث الأكاديمي الحملات ضدّ الغرباء في كتب ومقالات منشورة لعدد من الكتّاب والصحفيين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) ، ووجد المتعصّبون في أوروبا الفرصة مواتية في مواجهتهم مع المسلمين استرجاع كل المخزون التاريخي (منذ الحروب الصليبيّة) والترويج لقصص خياليّة حول مشاريع وهميّة لغزو العالم من قبل منظّمات إسلاميّة تسعي لأسلمة أوروبا، بل ذهب البعض إلى تحريض الأمم الأوروبيّة لمنع هجرة المسلمين خشية عودة الإسلام إلى أوروبا بسبب الخلل الديموغرافي في حوض البحر الأبيض المتوسّط لصالح شعوب الضفّة الجنوبيّة، واتهام المهاجرين بالإرهاب وزعزعة استقرار الأمم الأوروبيّة، وتحدّث آخرون عن تقاطع مصالح موهومة بين أمريكا والإسلام السياسي، وخرج البعض عن صمتهم بنتيجة خبيثة مفادها أن الحل الجذري لهذه المشكلة تهجير كل المسلمين من أوروبا (العلمانيّة) وتسليمهم إلى دولهم الأصليّة.
وانبرت أقلام غير مسؤولة في عالمنا العربي للهجوم على المهاجرين والمهجّرين المسلمين في الغرب، تنتقم وتتشفّى من جماعات الإسلام السياسي المتهمة ظلما بالإرهاب والتطرّف في بلادها لتأكيد هذه الهواجس، وكأنّ العالم قد أصيب فعلا بفوبيا الغرباء.
إنّ الوطن المادي لا معنى له إذا فقد الإنسان كرامته في موطنه، ومن أجل ذلك آثر هؤلاء الغرباء بعزّة الأبيّ وشموخه الهجرة والاغتراب، ومفارقة الأهل والوطن، في رحلة البحث عن الكرامة، بعيدا عن الزاحفين على بطونهم كالحشرات، ليس لأنّهم فقراء جائعون كما يتصوّر من سرق قوت الشعوب ونهب خيراتها، ولكن لأنّهم فقدوا خبز الكرامة في بلادهم، ولأنّهم يدركون أن أرض الله واسعة، وأنّهم مقبلون على رب كريم.
إنّ بلاد المسلمين ليست فقيرة، وليست عاجزة عن إطعام الملايين فهي سلّة الغذاء، وخزانة الذهب، ومستودع الخيرات، بما حباها ربّها من ثروات، رغم الفساد المستشري، وسوء تخطيط الموارد، وسوء الإدارة، أمّا ثروتها البشريّة فهي جوهرة لا تقدّر بثمن.
وإنّ من نبا به وطنه من الشباب المبدع الخلاّق، أبناء الأصول والكرم، ذوي العلم والقلم، فرحل إلى بلاد الله وهو يحلم بالحريّة والانعتاق والحياة الكريمة بعيدا عن الاستبداد والقمع، أحق بالرعاية والتقدير والدعم والتأييد في عالم ديمقراطي حرّ يدّعي حماية حقوق الإنسان، ويمقت الممارسات الفظّة على المستضعفين.
ليت كل المنصفين في عالمنا يدركون أنّ القوى الغبيّة التي استنسخت الديكتاتوريّات وتحالفت معها، هي التي لا تزال تروّج للتعصّب ضد الغرباء (الغرباء فوبيا) وأنّها قد وقعت في وهم صوّره لها خيالها المريض، وأعانها عليه قوى أشدّ غباء احتكرت الحقيقة، وألغت الإنسان، وفرّخت العنف وزرعت البغضاء ليس في منطقتنا المنكوبة فحسب بل في العالم أجمع.
وأخيرا فهل أصبح العالم مكانا مرعبا إلى هذه الدرجة حتّى انتشرت هذه الفوبيا كالوباء في عالمنا؟
وطوبى للغرباء
1/2/2005
الزيارات: 1281