هل تخلّت أمريكا عن النخب العلمانيّة؟
وأخيرا اعترف الرئيس الأمريكي (جورج بوش) بصراحته المعتادة في خطاب شامل عن السياسة الأمريكيّة في بلاده: بفشل السياسة الأمريكيّة التي امتدّت نحو ستين عاما قامت خلالها بتأييد حكومات لا تلتزم بالحريّة السياسيّة.
وأضاف بوش: إن ستين عاما قامت خلالها الدول العربيّة بتبرير الافتقار إلى الديمقراطيّة في الشرق الأوسط والتسامح معه لم تفعل أي شيء لتجعلنا آمنين لأن الاستقرار على الأجل البعيد لا يمكن شراؤه على حساب الحريّة.
وتساءل بوش: هل الشعوب في الشرق الأوسط بعيدة إلى حد ما عن الوصول إلى الحريّة؟وهل الملايين من الرجال والنساء والأطفال محكوم عليهم من التاريخ والثقافة أن يعيشوا تحت الاستبداد؟وهل يتعين عليهم وحدهم فقط ألاّ يعرفوا الحريّة أبدا؟وألاّ يكون لديهم خيار في الأمر؟.
نحن لا نلوم أمريكا إذا أنهت الفصل الأخير من اللعبة وتخلّت عن أنظمة أصدقائها التائهة في المنطقة، وقد فرّخوا التطرّف والإرهاب، وسحبت البساط الأحمر من تحت أقدامهم، بعد أن أحسنوا تمثيل دورهم في معاداة أمريكا والامبرياليّة ستين عاما، وظهروا بمظهر حضاري متقدّم ووطني، تحت دعوى الحداثة والتجديد، ومكافحة التطرّف والإرهاب الإسلامي، مبالغة في خديعة شعوبهم المدجّنة.
ومن حقّنا أن نعتب على أمريكا التي تخلّت عن شعوب المنطقة ستين عاما، وغضّت الطرف عن تجاوزات حكومات العلمانيّين والمتغرّبين الفوقيين، الذين يريدون أن يسلخوا الأمّة من جلدها، ولا يتورّعون عن سلخ جلدها ونهب خيراتها، وتخريب السلم الاجتماعي في ربوعها، في غياب الرأي العام العربي المستنير، وافتقاد كفالة ضمانات حماية الحقوق وممارسة الحريّة، مع إيماننا بأن مسؤوليّة التحرّر والخلاص تقع على شعوب المنطقة بالدرجة الأولى.
أمّا ماحدث في ظل النخب السلطوية العربيّة الحاكمة، في مشرق الوطن العربي ومغربه من حروب أهليّة وإقليميّة غبيّة استنذفت جلّ طاقته، وكوارث حلّت به تحت دعوى الضرورة وقوانين السلطة الكاملة، وتخلّف اقتصادي جعله في مؤخرة الأمم، وانتهاكات سافرة لحقوق الإنسان والنيل من الكرامة الآدمية بصورة مذهلة، فيجعل الحليم في أمر العلمانيين العرب خلال الستين عاما الماضية حيران.
ومما يزيدنا اطمئنانا وثقة بربّنا أنّ ما جرى على الساحة العربيّة والإسلاميّة من أحداث، وما رافقها من ممارسات، أصبح نقطة تحول في مسار التطوّر الفكري والمعرفي لعدد كبير من المحسوبين على التيار العلماني، فانتقلوا من مسار النخبة العلمانيّة المتغربة إلى مسار النخبة الداعية إلى التجديد على سنن الإسلام، الذي يضرب بجذوره عميقا نحو الحضارة، لأنّه لا شيء يجعل جوهر الإسلام يتعارض مع التطوّر والتقدم، وخاصّة بعد ما أدركوا فداحة ما فقدته الأمّة من قيم، وما ضاع من بلاد، في غياب السند الأخلاقي لسياسة الدولة، وأنّ الإسلام يملك أسباب القوّة والنصر والتمكين، ومفاتيح الحل لمشاكل المنطقة برمّتها.
والسؤال المحيّر دائما: هل تخلّت أمريكا عن النخب العلمانيّة الحاكمة في الوطن العربي؟أم أنّ ما يجري على الساحة لا يعدو أن يكون استمرارا للعبة السياسيّة في المنطقة؟
وطوبى للغرباء.
1/5/2005
الزيارات: 1262