هل بدأ مشروع تقسيم العراق؟
انفصلت سوريّا عن الأصل العثماني بعد سقوط الخلافة التي بدّدت أمل اليهود بالعودة إلى صهيون، وانقضّت الدولتان الاستعماريّتان بريطانيا وفرنسا ولمّا تنعم مملكة فيصل الناشئة بنعمة الاستقلال تحت راية بني هاشم، فمزّقتا سوريا كما هو معروف إلى خمسة كيانات ضعيفة عاجزة فماذا كانت النتيجة؟سلخ لواء الإسكندرون وضمّه إلى تركيّا بعد أن تداركه الله يلطفه قبل أن يصبح وطنا قوميّا للأرمن (أرمينيا الصغرى) بموجب وعد استعماري للأرمن، وضياع فلسطين التي وعدت بها الصهيونيّة بموجب وعد (بلفور) وزير الخارجيّة البريطاني، وما ترتّب على ذلك من فواجع وآلام لم يتجرّع غصصها السوريّون فحسب، بل تجرّعت شعوب المنطقة بأسرها مذاقها المر.
وفي ظل الاحتلال الأمريكي للعراق، وغياب دولة مركزيّة قويّة، وفي ظل الأوضاع الأمنيّة المتردية، اشرأبّت اعناق الطامعين نحو السلطة والمجد في عراق الرشيد، وسال لعاب المتعطّشين للاستئثار بثروات العراق ومقدّراته، واستغلّت فرصة وضع دستور جديد للعراق، ومقاطعة العرب السنّة للانتخابات، فأرادوا أن يتضمّن الدستور الجديد الاعتراف بإقليم شيعي واحد في الجنوب والوسط، وأن يضفوا على مشروعهم صفة الشرعيّة، معرّضين وحدة وسلامة الكيان العراقي أرضا وشعبا لأفدح الأخطار.
وهكذا خرج المشروع الخجول من السرّ إلى العلن وصرّح السيّد عبد العزيز الحكيم: نحن نؤكّد على ضرورة إقامة إقليم واحد في جنوب ووسط العراق لوجود مصالح مشتركة بين ساكني هذه المناطق.
وقال الناطق الإعلامي باسم المجلس الأعلى جواد تقي بصراحة لا تحتمل التقية: إنّ طرحنا يقوم على الدعوة لإقامة إقليم شيعي واحد يتكوّن من تسع محافظات في الوسط والجنوب، ويقصد بالجنوب: (البصرة وميسان وذي قار وواسط) وبالوسط: (بابل والنجف وكربلاء والمثنّى والقادسيّة).
أمّا دول الاحتلال فيهمّها بالمقام الأوّل تقسيم العراق بالشكل الذي يضمن لها سيطرتها على حقول نفط العراق، دون أية اعتبارات أخرى.
وبدلا من أن تصرف الهيئة المكلّفة بوضع الدستور قصارى جهدها لكتابة عقد اجتماعي متين يشكّل الإسلام (شريعة وحضارة) قاسمه المشترك لجميع العراقيين، ويؤكّد على وحدة كل التراب العراقي، وأخوّة جميع أبناء العراق، والتأكيد على تحريره من الاحتلال الأجنبي، وإعادة إعماره، صرفت الجهود لإثارة النزعات العرقيّة والطائفيّة، من خلال مناقشة مشروع الفيدراليّة المطروح كبداية حتميّة لتفتيت العراق.
وقد أدرك عقلاء السنّة والشيعة فداحة هذا المشروع فقال الشيخ عبد الهادي الدراجي وهو من التيّار الصدري: إنّ إقرار الفيدراليّة خطأ كبير يرتكبه المسؤولون في الحكم بحق الأجيال القادمة.
وقال العضو القيادي في تيّار الصدر حازم الأعرجي: إنّ تيّار الصدر ضدّ الفيدراليّة القائمة على الإقليميّة والجغرافيّة والقوميّة لأنّها لا تخدم إلاّ المحتل.
وإن أشدّ ما يخشاه العراقيّون أن يعلن قيام إقليم شيعي مدعوم من إيران، وأن يفرض (شيعهستان) على المنطقة كأمر واقع بعد انسحاب القوّات الأجنبيّة، كما حدث في فلسطين بعد انسحاب الجيش البريطاني، وخاصّة أنّ المجلس الأعلى يملك جيشا مجهّزا بأحدث الأسلحة ومنظّما أفضل تنظيم، ومدرّبا أحسن تدريب في إيرن، لتنفيذ مهمّة الانفصال.
وكما ضاعت إمارة المحمّرة (خوزستان) الغنيّة بالنفط، وتبدّدت أحلام الشيخ خزعل الكعبي بحكم العراق، عندما أطفئت أنوار البارجة التي كان يحتفل بها مع قائد الأسطول بعيد ميلاد الشاه، وهي تبحر نحو الموانئ الإيرانيّة، حيث أجبر في اليوم التالي على التنازل عن الإمارة العربيّة الخليجيّة ذات الأكثريّة الشيعيّة برمتها لإيران الشاه، بموافقة بريطانيّة مسبقة.
فإنّ عربستان جديدة مرشّحة للذوبان في إيران المستقبل، ولكن في الجمهوريّة الإسلاميّة هذه المرّة.
وقبل أن تضاف مناسبة احتفاليّة ثالثة تحت شعار تحرير الإسكندرون، وعربستان، وشيعهستان إلى مجرّد مناسبات خطابيّة باهته لإلقاء القصائد، والبكاء على الأطلال، فإنّ أحرار المنطقة وعقلاءها يصرّون على رفض كل مشاريع التجزئة والتفتيت الطائفي والعرقي القائمة على الاستقواء بالاحتلال الأجنبي، ويدعون كافّة أبناء العراق لتفويت الفرصة على الطامعين بالتراب العراقي وثرواته المائيّة والطبيعيّة، وعلى إخواننا الأكراد الذين اطمأنوا في الماضي لوعود كاذبة، وحلفاء يبحثون عن مصالحهم، وقادة ينشدون الحكم، ألاّ يغرقوا في أحلام اليقظة، وهم يؤيّدون المشروع المريب.
وطوبى للغرباء.
1/9/2005
الزيارات: 1212