لن يسمح السوريّون لروسيا قطف ثمرة احتلالها

نشر بتاريخ: الأحد، 05 آب/أغسطس 2018 كتب بواسطة: محمد علي شاهين

لا نستطيع تحميل روسيا وحدها مسؤوليّة تهجير السوريين، لأنّ لها شركاء متمرّسين في ارتكاب هذا النوع من الجرائم التي ترقى إلى جرائم الحرب.

ففي مطلع الثمانينات، دمّر حافظ الأسد مدينة حماه، وارتكب مجزرة سجن تدمر، وما تلاها من مجازر، وأصدر القانون 49 لعام 1980 القاضي بإعدام كل منتم لجماعة الإخوان المسلمين، لأنّهم فتحوا أعين السوريين على مظاهر علونة الجيش السوري والإعلام، وفساد الطغمة الحاكمة، وفضحوا ممارساته القمعيّة.

 عندها سكت السوريّون خوفاً ورعباً، وشعروا أن القضيّة أكبر منهم، حيث أفلت السفّاح من العقاب، واستقبل في عواصم العالم كرئيس شرعي رغم تزوير الانتخابات المتكرّر، وواظب على حضور مؤتمرات القمّة العربيّة والإسلاميّة، ودخل في إحدى زياراته عقب مؤتمر الطائف في عام 1981 الكعبة المشرّفة، وجرى تمكينه وإمداده بالمال والعتاد، رغم انحيازه لإيران في الحرب الغبيّة التي شنّت على العراق، وجرى الاعتراف بابنه من بعده رئيساً شرعيّاً ليضمنوا استمرار نهجه التسلّطي وقمعه الدموي.

 

ومع هذا فلم تنفع ألاعيبه ومكائده، وقلبت ثورة الكرامة السحر على الساحر، وكانت رداً طبيعيّاً على انتهاكات حقوق الإنسان السوري، وفشلاً ذريعاً لكافّة الحلول الأمنيّة التي مارسها النظام وأجهزته بإتقان منذ مطلع الثمانينات. 

وكان من البديهي بعد تخلّي العالم عن واجباته تجاه حماية الشعب السوري من جرائم النظام وحلفائه، وتركه وحيداً تحت قصف المدفعيّة وراجمات الصواريخ والبراميل المتفجّرة، وحرمانه من الطعام والشراب والدواء، والاعتداء على الأعراض، ونهب الممتلكات، أن يبحث عن مكان آمن، يوفّر له ولأطفاله الحماية والطمأنينة، ويسد رمقه من الطعام.

ومع استفحال القضيّة السوريّة وسقوط المنظّمات الأمميّة، وعجز الهيئات العالميّة عن الوفاء بالتزاماتها، وصل ملايين السوريين إلى معسكرات اللجوء في الدول المجاورة بحثاً عن ملاذ آمن، وازدادت معدّلات الهجرة إلى أوروبا وكندا. 

وعندما بدأ العدّ التنازلي لسقوط نظام عائلة الأسد أمام فصائلا الثورة، استعان بطهران وموسكو لحماية عرشه من السقوط المريع، خشية افتضاح جرائمه وكشف فساده ومحاكمته أمام العدالة.

ووجدت إيران الفرصة سانحة للتوسّع باتجاه الغرب، وتصدير ثورتها بعد توقّف، ونشر مذهبها، وفرض نفوذها، ولعب دور مشبوه في المنطقة، وجاءت بخبرائها العسكريين، ودعاتها المعمّمين، وعصاباتها الحاقدة تحت دعوى حماية المراقد المقدّسة، لتغيير الطبيعة الديموغرافيّة للشعب السوري، وتوطين أعداد كبيرة من شيعة ايران والعراق وأفغانستان، ومنحهم الجنسيّة السوريّة، وبناء مزيد من الحسينيّات والمزارات. 

وتحت ذريعة الحرب على الإرهاب انخرطت روسيا في العمليّات العسكريّة ضدّ الثوّار الذين سيطروا على معظم المناطق السوريّة، وشاركت في قصف الأهداف المدنيّة والعسكريّة إلى جانب قوّات بشار الأسد، مستغلّة تفوقها الجوي، وامتناع أمريكا والدول الأوروبيّة عن تسليح الثوّار بالمضادات الأرضيّة، وكان سلاح الجو الروسي وراء الدمار الكبير الذي أصاب البنية التحتيّة والمرافق العامّة والأحياء السكنيّة والقرى والأرياف، وسبباً لمأساة السوريين وإطالة معاناتهم. 

وربطت روسيا وجودها العسكري بنهاية الحملة العسكريّة على الإرهاب، والاسترشاد برأي حكومة الأسد عند اتخاذ قرارها بشأن الحفاظ على تواجدها العسكري في البلاد السوريّة.

وحقّقت روسيا على حساب السوريين مكاسب عديدة، مستغلّة حاجة النظام إلى الدعم والمساندة، وانهيار المؤسّسات الشرعيّة، تجلّت في الحصول على قواعد عسكريّة جويّة وبحريّة مجانيّة لمدد طويلة، والتنقيب عن النفط والغاز بشروط مجحفة، أعادت للأذهان الحقبة الاستعماريّة.

وتسعى موسكو للاستئثار بالكعكة السوريّة وحدها من خلال التعاون الوثيق بين روسيا وإسرائيل من أجل التضييق على الوجود الإيراني وطرده من سوريّة.

والقيام بدور الوسيط بين اسرائيل والنظام لعودة النظام السوري إلى الحدود السورية – الإسرائيلية وإعادة تفعيل اتفاقية وقف إطلاق النار لعام 1974.

ونشرت الرعب والخراب أينما حلّت، وباتت الأراضي السوريّة حقل تجارب لأسلحتها الفتاكة، وقوة تدميرها، ومداها المجدي، للحصول على أسواق تجاريّة جديدة لمنتجاتها الشيطانيّة الكاسدة، ولوّثت بأسلحة الدمار الشامل الهواء والتراب والماء. 

وتقاعست روسيا عن استقبال المهاجرين السوريين في بلادها كسائر دول الخليج الغنيّة، ولم تقدّم لهم سوى القليل من المساعدات العينيّة والطبيّة، حتى ألقى السوريون الفارّون من الاضطهاد وجرائم الحرب بأنفسهم في البحر للوصول إلى أوروبا. 

وتسعى روسيا الأرثوذكسيّة صياغة دستور للسوريين في غياب جمعيّة تشريعيّة منتخبة انتخاباً حرّاً، وكأنّ السوريين الذين عاشوا دهراً طويلاً في ظل الشريعة المحمّديّة، وقواعد مجلة الأحكام العدليّة، أحراراً كراماً عاجزون عن رفض أي دستور علماني يكتبه نظام الأقليّة بدم الشعب السوري. 

ونقضت روسيا في مجلس الأمن الدولي جميع القرارات التي أقرّها المجلس حول انتهاكات حقوق الإنسان السوري، وكانت العائق أمام تنفيذ القرار الأممي 2254، الذي ينص على وقف فوري لإطلاق النار، وعودة اللاجئين والنازحين. 

كما حاولت روسيا شق وحدة الفصائل الوطنيّة، وتزوير إرادة الشعب السوري، وسرقة ثمن انتصاراته، بدعم عملاء النظام، وإنشاء منصّات موالية تأتمر بأمرها مثل منصّة موسكو والقاهرة ومنصّة حميميم.

وقامت روسيا بممارسة أسلوب الأرض المحروقة وحصار المناطق المستهدفة، لدفع المعارضة إلى توقيع اتفاق تحت النار، بالاتفاق مع النظام وميليشيات إيران، ومفاوضة فصائل المعارضة المسلّحة منفردة على تسليم أسلحتها الثقيلة، ونقل الأهالي الرافضين للاستسلام إلى محافظة إدلب، والتسبّب في أكبر عمليّة نزوح جماعي خلال السنوات السبع الماضية، حيث أدّى الهجوم الأخير المدعوم من روسيا على محافظة درعا إلى تشريد ما يربو على 320 ألف شخص في الأسبوعين الماضيين، حسب تقديرات الأمم المتحدة، ثم الالتفاف على الثورة بتسليم المناطق للنظام وعصابات الشبيحة والميليشيات الشيعيّة، ولم تلتزم روسيا بضماناتها تجاه الأهالي، عندما تجاهل النظام الضمانات الروسيّة، وسط مخاوف من سوق الشبان المتخلفين عن التجنيد الإجباري، وسوقهم لحرب أهلهم وقتال إخوانهم.

ولم تتوقف روسيا منذ بداية المفاوضات بين ممثّلي المعارضة والنظام عن تغييب ملف المعتقلين والمفقودين، وملف اللاجئين، ضاربة عرض الحائط تقارير منظّمات حقوق الإنسان وتوصياتها، وشغل المؤتمرات بقضايا جانبيّة هدفها تغييب ملف الانتقال السياسي عن طاولة الوفود.

ولا تستطيع قوّة في الأرض منع السوريين الفارين من جور النظام وتعسّفه، من العودة الكريمة إلى ديارهم مهما طال ليل التهجير، ولن يحتاج المهجّرون صكوك الغفران من النظام للعودة إلى الوطن، ولن يمكّن السوريون النظام لإجراء أي تغيير ديموغرافي لصالح الأقليّات، ولن يسمحوا لروسيا قطف ثمرة احتلالها، والتستّر على جرائم النظام تحت دعوى الحرب على الإرهاب، ودعم نظام الأقليّة والتهجير، وليعلم الروس شركاء النظام في جرائمه، أنّ لعبتهم في سوريّة باتت مكشوفة. 

وطوبى للغرباء رئيس التحرير

الزيارات: 1110