أين قوائم الإخوان المسلمين الذين قتلهم أبوك يا بشّار؟
بعد مصالحة الروس للأهالي في درعا والقنيطرة اعتقد النظام السوري أنّه آن الأوان للتخلّص من ملف المعتقلين والمفقودين في سجونه الرهيبة، فقام بنشر قوائم طويلة بأسماء ضحايا التعذيب وهو يحلم بإعفائه من المسؤوليّة القانونيّة أمام لجان التحقيق الدوليّة إذا قرّرت التفتيش على السجون السوريّة، وإبعاد هذا الملف عن طاولة المفاوضات في مباحثات جنيف، استهتاراً بالمحاكم الدوليّة، واستخفافاً بالمنظّمات الأمميّة، مستنداً إلى جدار روسيا التي وعدته بالحماية من العزل والخضوع للمساءلة.
شهادات الوفاة التي سلّمت لذوي المعتقلين من قبل دوائر النفوس في المحافظات، علّلت سبب الوفاة الإصابة بجلطة دماغيّة أو قلبيّة تهرّباً من الإدانة وتحمّل المسؤوليّة الجنائيّة، غير عابئة بمشاعر ذوي الضحايا المكلومين الذين تجدّدت أحزانهم، ولا بآلاف الصور التي تطوف العالم، دون الإشارة إلى مصير رفات الضحايا الذين شنقوا أو قتلوا رمياً بالرصاص، أو ماتوا تحت التعذيب، على أيدي القتلة الساديين وجلاوزة النظام.
وهي اعتراف صريح بارتكاب النظام جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ليس بسبب حجمها فحسب، ولكن بسبب فظاعتها، وما إجبار ذوي المعتقلين على التوقيع على سبب الوفاة إلاّ ”إجراء وقائي” للتهرب من أي إدانة موثقة.
وكانت “منظمة العفو الدولية” قد اتهمت في آخر تقرير لها النظام السوري بتنفيذ إعدامات جماعية في حق 17 ألفًا و700 معتقل، غالبيتهم من المدنيين المعارضين دون الإشارة إلى مصير جثث الضحايا، في انتهاك لحرمة أجداث الموتى، لأن كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّت كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ فِي الْإِثْم.
وقالت المنظمة الحقوقية في التقرير الذي صدر العام الماضي بعنوان “مسلخ بشري: نفَّذت القوات الحكومية عمليات قتل غير مشروع للمعتقلين في سجن صيدنايا العسكري الواقع بالقرب من دمشق.
وأضافت المنظمة الحقوقية في التقرير الذي صدر العام الماضي بعنوان “مسلخ بشري: شنق جماعي وإبادة في سجن صيدنايا” إنه “بين 2011 و2015، كل أسبوع، وغالبا مرتين أسبوعيًا، كان يتم اقتياد مجموعات تصل أحيانًا إلى 50 شخصًا إلى خارج زنزاناتهم في السجن وشنقهم حتى الموت، في سرية تامة، وكانت أغلبية الضحايا من المدنيين الذين اعتُبروا معارضين للحكومة. وقد أُعدموا بعد احتجازهم في ظروف وصلت إلى حد الاختفاء القسري.
وقبل شنقهم، كانوا قد أُدينوا وحُكم عليهم بالإعدام من قبل محكمة عسكرية ميدانية في حي القابون بدمشق، في "محاكمات" دامت من دقيقة إلى ثلاث دقائق.
واشتهرت المحكمة بإجراء محاكمات مغلقة تفتقر إلى الحد الأدنى من الالتزام بالمعايير الدولية الدنيا للمحاكمات العادلة.
وتعود بنا الذاكرة إلى مطلع الثمانينات، حيث انصبّ الحقد الطائفي على جماعة من أحرار سوريّة رفضوا الذل والهوان، وتصدوا للاستبداد والفساد، فما كان من النظام إلاّ أن نصب لهم المحاكم العرفيّة العسكريّة التي تجلّت في أبشع صورة على غرار محاكم التفتيش، ولم تكن هذه المحاكم أكثر من جهاز أمني هدفه تصفية الخصوم السياسيين لنظام حافظ الأسد، وأداة لتقييد الحريّات العامّة، ولا تنطبق عليها صفة المحاكم بالمعنى القانوني، لأنّها لم تكن مشكّلة تشكيلاً قانونيّاً، ولم تكن الضمانات القضائيّة مكفولة، ولم تسمح للموقوف بتوكيل محام، وكانت محاكمة المتهم تجري خلال عدة دقائق، قبل الحكم عليه بالإعدام، أمّا أحكامها فكانت مبرمة لا تقبل الطعن والمراجعة.
وتنطبق على أحكام الإعدام التي أصدرتها صفة "جريمة حرب"، استناداً إلى المادة الثامنة من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، "تعتبر جريمة حرب “تنفيذ احكام الاعدام دون وجود احكام قضائية صادرة عن محاكم مشكلة تشكيلاً نظامياً تكفل جميع الضمانات القضائية المعترف عموماً بأنه لا غنى عنها”
وهذا يعطي الشعب السوري الحق بمقاضاة الأسد وشركائه أعضاء مجلس الشعب المزيّف، ممن أقرّ القانون 49 لعام 80 القاضي بإعدام "الإخوان المسلمين"، ومن نفّذ أحكام الإعدام في السجون والمراكز الأمنيّة، وفق أحكام المادة الثامنة من نظام روما.
ولا يحق لأيّة جهة إلا أصحاب الدم التنازل عن هذا الحق تحت أية ذريعة من الذرائع.
وإذا كانت وفاة حافظ الأسد وشركائه تسقط دعوى الحق العام والحق الشخصي، فإن مسؤوليّة الأسد ونظامه تبقى قائمة.
واليوم وقد أنعشت قوائم شهداء ثورة الكرامة ذاكرة الشعب السوري التي حاول نظام الأقليّة محوها، يتساءل الجيل الثاني من أبناء سوريّة قائلين بصوت مرتفع: أين قوائم شهداء الإخوان المسلمين الذين قتلهم أبوك يا بشّار، ولماذا لا تسلّم شهادات الوفاة لذويهم.
أين أسماء قوافل الشهداء التي كان الجلادون يسوقونهم من المهاجع كل ثلاثاء وهم يكبّرون في طريقهم إلى أرجوحة الشرف؟.
أين قوائم من كنتم تضعون الورق اللاصق على أفواههم لكتم أصوات التكبير وسط سجن تدمر، وهم يساقون إلى منصّة الإعدام؟
أين قوائم من قضوا تحت التعذيب في أقبية التحقيق، في غياب العدالة والرحمة والضمير.
ألم يعترف وزير دفاع الأسد الأب مصطفى طلاس في إحدى مقابلاته مع صحيفة «دير شبيغل» الألمانية أنه كان يوقع كلّ أسبوع على 150 حكم إعدام في دمشق وحدها، لم يسلّم النظام أجسامهم لذويهم، ولم يمنحهم شهادة وفاة واحدة إمعاناً في إيذائهم.
في أي بحر ألقيتم الحاويات المليئة بجماجم وعظام شهداء مجزرة تدمر أيّها الطغاة المتجبّرون؟
لماذا لا تعيدوا دفن جثث ثورتي حماه من مقبرة سريحين يوم دفنتم بالجرّارات الشرف والإباء.
تستطيع الاحتماء بروسيا وإيران ومن باع ضميره لكل مستبد وظالم، لكن عين المنتقم الجبّار لا تنام.
وطوبى للغرباء رئيس التحرير
1/9/2018 محمد علي شاهين