السيادة الوطنيّة في الميزان
طال ليل الصبر والمعاناة، والقهر والاضطهاد في سبيل المحافظة على (السيادة الوطنيّة) التي نصّب الأدعياء أنفسهم حماة لها في هذا الشرق الموبوء بالباطنيّة الدينيّة والسياسيّة، حتى تبددت ظلمة الليل، وسطعت شمس الحقيقة، يوم ذبحت (السيادة الوطنيّة) في وضح النهار، وسلّمت مفاتيح دمشق لجيوش الاحتلال الفارسي، وميليشيات الحقد الطائفي، بطريقة بارعة يعجز ابن العلقمي عن إخراجها.
وأطمع الأسد الولي الفقيه بتصدير النفط والغاز الإيراني عبر العراق وسوريّة إلى موانئ البحر المتوسط، للتخلّص من العقوبات، والتحرّر من الأخطار الناجمة عن إغلاق مضيق باب المندب في حالة حدوثها، ومنحه الأرض الكافية لإقامة المنشآت النفطيّة لتخزين البترول وتكريره.
وتنفيذاً لإرادة الرئيس عقد رئيس حكومة النظام، عماد خميس، اتفاقيةً خيانيّة في منتصف كانون الثاني 2017، تنصّ على «تخصيص خمسة آلاف هكتارٍ لإنشاء ميناءٍ نفطيّ».
ولم يكتف الرئيس بالإشادة بدور القوات الإيرانيّة البريّة في سوريّة، التي بلغ قوامها 80 ألف مقاتل، مكلّفة بمهمة صريحة هي قتل الشعب السوري، ووأد ثورته، بالإضافة إلى عصابات تحمل الضغائن والأحقاد، لحماية نظامه من السقوط، فأراد أن يكرّس الاحتلال الفارسي، بمنحه مزيداً من القواعد العسكريّة.
فدعى حليفته إيران لاستكشاف مياه البحر المتوسّط، والقيام بمناورات عسكريّة مشتركة مع البحريّة السوريّة في عام 2012، وفتح لها الباب على مصراعيه، لإقامة قواعد بحريّة دائمة على الشواطئ السوريّة، وهو يعلم حق العلم أنّ إيران لن تجني من مشروعها إلا الخيبة والدمار، لا لأنّ إيران تملك سفناً بحريّة قديمة، عاجزة عن منافسة الأساطيل البحريّة في دول المنطقة، ولكن لأن الأكثريّة السنيّة تملك المناعة الكافية للوقاية من مخطّطات إيران التوسّعيّة.
وأغرى الإيرانيين بسهول دجلة والفرات، ومغاني حلب، وغوطة دمشق إحدى جنات الدنيا، وثروات البلاد المنهوبة، حتى سال لعابهم، ومنحهم الجنسيّة السوريّة للإخلال بالتوازن الديموغرافي القائم، وسمح لهم بشراء العقارات، واقتناء الدور والقصور، في غياب السوريين الغيارى وراء القضبان والمنافي ومدن الصفيح والخيام.
ويبدو أنه لا مانع لدى القوّات الروسيّة التي قلبت مسار النزاع لصالح النظام، الضالعة في جرائم الحرب بما فيها التهجير القسري، وتدمير المدن السوريّة، وهدم البنية التحتيّة، من إنشاء قاعدة بحريّة إيرانيّة في مدينة بانياس الساحليّة، بجوار مرفأ طرطوس الذي اتخذته روسيا قاعدة عسكريّة دائمة لسفنها الحربيّة، مادامت قادرة على تدميرها في أي وقت.
ولا يغرّك التنسيق القائم بين شركاء الاحتلال، وتبادل الأدوار، والتصريحات الدبلوماسيّة الناعمة، تحت مظلّة نظام فقد (السيادة الوطنيّة) منذ أن قدّم البلاد لقمة سائغة للطامعين، وعرّض سكان المنطقة الساحليّة للدمار في أيّة حرب عامّة، فالتناقضات بين المشروعين الفارسي والروسي كثيرة، والتنافس بينهما كبير، والهوّة بينهما واسعة، وستبدي لك الأيّام ماكنت جاهلا.
يتحدّث المفرّطون باستقلال الوطن عن (السيادة الوطنيّة) تحت سقف الاحتلالين الروسي والإيراني بصوت عال، وكأنّهم حرّاس الوطن، الأمناء على مقدّراته، الأوفياء لشعبه، وما دروا أنّ الخزي والعار سيلاحقهم أبد الدهر، كما لاحق يهوذا الإسخربوطي، وأبو رغال.
أليس الذي يحدث في سوريّة من منح للقواعد العسكريّة، وتغيير ديموغرافي، واستعانة بالقوات الأجنبيّة، والعصابات الإرهابيّة المسلّحة، وتهجير نصف أبناء الوطن، هو التفريط الحقيقي ب(السيادة الوطنيّة).
ألم يقسم الرئيس على حماية الشعب، واستقلال الوطن، وسلامة أراضيه؟
ألا يعتبر التفريط في (السيادة الوطنيّة) خيانة عظمى، وإخلالاً صريحاً بالنصوص الدستوريّة التي تحمي سلامة الوطن وحريّة المواطن؟
وهل أفرغ الدستور الوضعي من القوانين الناظمة والتشريعات التي تحكم العلاقة بين الحكام و(السيادة الوطنيّة) حتى توغّل عليها المتوغّلون؟.
ومن هي المرجعيّة التي يقع عليها مسؤوليّة محاكمة كلّ من يرتكب عمداً فعلاً يؤدي إلى المساس باستقلال البلاد أو يخلّ بوحدتها و سلامة اراضيها.
وما أظن تهديد (السيادة الوطنيّة) لشعوب حوض البحر المتوسّط بإحداث هذه القواعد، سيمرّر بهذه السذاجة، ولا يتصوّر عاقل أن يبسط الاحتلال هيمنته وسيطرته على منطقة هامّة مثل سوريّا دون رادع، وأن يترك ملايين السوريين عالة على الدول المضيفة، وعلى المنظّمات الأمميّة إلى الأبد.
وعندما يدرك المسلمون أنّ الاحتلالين: الروسي (الأرثوذكسي) الوقح، والإيراني (الشيعي) المنافق، أنّهما يشكّلان خطراً حقيقيّاً على الحرمين الشريفين (ألف كم)، فلن يشعر العالم بالهدوء والاطمئنان.
إذن فليستعد النظام وحلفاؤه لحرب طويلة الأمد، يصبح الحليم فيها حيرانا.
يبدو أنّ الاحتلالين الروسي والإيراني لم يستوعبا دروس أفغانستان والهند الصينيّة وأمريكا اللاتينيّة، ولم يأخذا منها العبر، حتى وقعا في مستقنع حرب استنزاف طويلة ومكلفة، قبل أن ينسحبوا مجلّلين بالعار في نهاية المطاف.
وطوبى للغرباء رئيس التحرير
1/10/2018 محمد علي شاهين