مراد ويلفريد هوفمان

نشر بتاريخ: الإثنين، 03 شباط/فبراير 2020 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

الإسلام هو الحياة البديلة بمشروع أبدي لا يبلى ولا تنقضي صلاحيته

(1350/1931 ـ 1441/2020)

مفكر إسلامي، دبلوماسي وسفير ألماني سابق، مستشار المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، مترجم معاني القرآن الكريم للغة الألمانيّة.

ولد الدكتور مراد ويلفريد هوفمان في اشافنبرغ في شمال غرب بافاريا تابعة إدارياً لمنطقة فرنكونيا السفلى بألمانيا، لأسرة كاثوليكيّىة، انتمى إلى شبيبة هتلر في التاسعة من العمر، إلى جانب انتمائه إلى عصبة محظورة مناهظة للنازية في ذات الوقت، وشهد الحرب العالمية الثانية، كسائر أبناء جيله.

 

 تخرّج من الكليّة المتحدة (شينكتادي نيويورك) في علم الاجتماع والاقتصاد والحضارة الأمريكيّة عام 1370/1951، ومدرسة القانون بجامعة ميونخ عام 1954، ونال درجة الدكتوراه في القانون من جامعة هارفرد، وموضوع أطروحته: (ازدراء الإعلام للقضاء في ظل القانون الأمريكي والألماني). 

اشتغل بالمحاماة، وشغل العديد من المناصب الدبلوماسيّة بوزارة الخارجيّة الألمانيّة، في شمال إفريقية وباريس وبروكسل وفيينا وبلجراد، وكان متخصّصاً بقضايا الدفاع النووي، وواصل عمله مديراً للمعلومات في منظمة حلف شمال الأطلسي في بروكسل في الفترة (1983 ـ 1987)، التحق بوزارة الخارجيّة الألمانيّة، وعيّن عين ملحقا في السفارة الألمانية بالجزائر سنة 1961، ثمّ عيّن سفيراً لبلاده في الجزائر بين عامي: (1987 ـ 1990) وفي المغرب بين عامي: (1990 ـ 1994). 

وكان شاهداً على المجازر والاضطهاد الذي كان يقاسيه الشعب الجزائري، ففي كل يوم كان يقتل ما يقرب من عشرة أشخاص “في عمليات إعدام” فقط لأنهم مسلمون، أو لأنهم تحدثوا عن الاستقلال، وقال عنهم هوفمان: ”لقد شهدت صبر الشعب الجزائري و صموده في مواجهة المعاناة الشديدة، وانضباطهم العظيم خلال شهر رمضان، وثقتهم في النصر فضلا عن إنسانيتهم بالرغم من بؤسهم”. 

وشعر الدكتور هوفمان أن دين الجزائريين هو ما كان يجعلهم صامدين أقوياء، و لذلك بدأ بدراسة كتابهم السماوي – القرآن الكريم – وقال:”لم أتوقف يوما عن قراءة القرآن الكريم إلى يومي هذا".

تأثر بالمستشرق المجري المسلم ليوبولد فايس (محمد أسد) صاحب كتاب (الطريق إلى مكّة) وتتلمذ عليه.

تعرّض هوفمان خلال سنوات دراسته الجامعية في نيويورك في عام 1951 لحادث مروّع حين سافر ذات مرة من أتلانتا إلى ميسيسيبي، وعندما كان يقود سيّارته في منطقة هولي سبرينغ في ولاية ميسيسيبي فوجئ بسيارة كان يقودها شخص مخمور، فقال له الجرّاح بعد أن أنهى إسعافه: "إن مثل هذا الحادث لا ينجو منه في الواقع أحد، وإن الله يدّخر لك يا عزيزي شيئاً خاصاً جداً"، يقول هوفمان: "وبعد ثلاثين عاما، في اليوم الأول الذي أعلنت فيه إسلامي أصبح المعنى الحقيقي لنجاتي من الموت واضحا لي"، وجاء اعتناقه الإسلام بعد دراسة عميقة له، وبعد معاشرته لأخلاق المسلمين الطيبة في المغرب، وعشقه الفن الإسلامي، واعتنقه كدين في 25/9/1980، وكان قد وجد تناقضات في العقيدة المسيحية البولسية لم يجد لها حلاً، وتحدث عن الآية التي هدته للاسلام، فقال ما نصه: الآية التي كانت بالنسبة لي كالصدمة بالنسبة للانسان ذي العقلية الغربية هي آية: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)، ويؤثر عنه قوله بعد قراءته للقرآن: " كل شئ في مكانه ومنطقي تماماً".

ولما أشهر إسلامه أثار عاصفة من الجدل بسبب مكانته الدبلوماسية الرفيعة، وحاربته الصحافة الألمانية محاربة ضارية، وحتى أمه لما أرسل إليها رسالة أشاحت عنها وقالت :"ليبق عند العرب".

ولكن هوفمان لم يكترث بكل هذا، يقول: "عندما تعرضت لحملة طعن وتجريح شرسة في وسائل الإعلام بسبب إسلامي، لم يستطع بعض أصدقائي أن يفهموا عدم اكتراثي بهذه الحملة، وكان يمكن لهم العثور على التفسير في هذه الآية (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).

ألّف كتباً منها: (يوميات مسلم ألماني) وهي سيرته الذاتيّة، و(الإسلام عام ألفين) و(رحلة إلى مكّة) تناول فيه رحلته الأولى إلى مكة بعد إسلامه، متناولاً أركان الإسلام وحقيقة الإيمان كما يشعر هو بها، ويحاول أن يدرك القوة الدافعة التي يستمدها المؤمن من دينه، وكيف تستطيع أن تسمو به، وأن يساعد ذلك على تبين ما يمكن أن يصل إليه العالم الإسلامي عند تمسكه بالدين، و(الإسلام كبديل) و(خواء الذات والأدمغة المستعمرة) و(الإسلام في الألفيّة الثالثة ديانة في صعود) و(ترجم معاني القرآن الكريم باللغة الألمانيّة)، 

رأى أنّ انتشار الإسلام سمة من سماته عبر التاريخ لأنّه دين الفطرة، وأنّ الغرب يعتبر صمود الإسلام ورفضه الانسحاب من مسرح الأحداث إهانة بالغة له، وأكّد في مقابلة له أنّ هناك إقبالاً هائلاً على معرفة وفهم الإسلام في أوروبا وأمريكا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأنّ الإسلام يوشك أن ينتشر في الغرب على نطاق واسع، وقال: إنّ الإسلام حاضر في وسائل الإعلام بشكل هائل. 

ورأى "إن الانتشار العفوي للإسلام هو سمة من سماته على مر التاريخ، وذلك لأنه دين الفطرة المنزّل على قلب المصطفى "و"إن الله سيعيننا إذا غيرنا ما بأنفسنا، ليس بإصلاح الإسلام، ولكن بإصلاح موقفنا وأفعالنا تجاه الإسلام".

وقال: "لا أتستبعد أن يعاود الشرق قيادة العالم حضارياً ، فما زالت مقولة "يأتي النور من الشرق " صالحة".

وقال: "إذا ما أراد المسلمون حواراً حقيقياً مع الغرب ، عليهم أن يثبتوا وجودهم وتأثيرهم ، وأن يُحيوا فريضة الاجتهاد ، وأن يكفّوا عن الأسلوب الاعتذاري والتبريري عند مخاطبة الغرب، فالإسلام هو الحل الوحيد للخروج من الهاوية التي تردّى الغرب فيها ، وهو الخيار الوحيد للمجتمعات الغربية في القرن الحادي والعشرين".

وقال: "الإسلام هو الحياة البديلة بمشروع أبدي لا يبلى ولا تنقضي صلاحيته، وإذا رآه البعض قديماً فهو أيضاً حديث ومستقبليّ لا يحدّه زمان ولا مكان، فالإسلام ليس موجة فكرية ولا موضة، ويمكنه الانتظار".

"وانتقد هوفمان المسلمين "المهزومين نفسيا" معتبراً أن الإسلام بديل صالح لحل مشكلات العالم الكبرى في عصر ما بعد الحداثة والألفية الثالثة، وقد قدم هوفمان نقده للحداثة الغربية والصور النمطية عن المسلمين، والعداء بين الشرق والغرب من موقع المفكر الألماني المسلم".

تم تكريمه في العام 2009 ضمن فعاليات جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم في حفلها الختامي، ومنحته لقب الشخصية الإسلامية لعام 2009، وكان يفخر بانتمائه إلى الإسلام كدين ومنهج حياة، غير عابئ بالحملات الإعلاميّة المغرضة.

توفي بعد صراع مع المرض يوم الإثنين 17/5/1441 الموافق 13/1/2020، ونعاه الأزهر في بيان جاء فيه: إن الراحل ساهم في الفكر الإسلامي بعدد كبير من المؤلفات بينها (الإسلام كبديل) و(الإسلام في الألفية الثالثة ديانة في صعود) وكتاب (الطريق إلى مكة).

وأشار بيان نعيه إلى أن تلك المؤلفات أحدثت نقاشات واسعة في الأوساط الثقافية والفكرية داخل ألمانيا وخارجها، حيث تحدث فيها عن عظمة الإسلام وتفرده وقدرته كدين إلهي على قيادة البشرية في المستقبل.

 

___________________________________________________________

(1) الجزيرة 13/1/2020 صاحب "الإسلام كبديل" و"يوميات ألماني مسلم".. رحيل المفكر مراد هوفمان. (2) رأي اليوم 28/12/2019 قصة الآية التي هدته للإسلام كما رواها. (3) وكالة الأناضول 13/1/2020 وفاة المفكر الإسلامي الألماني مراد هوفمان. (4) الشروق: 16/1/2020 المفكر الألماني مراد هوفمان..  كيف ساهمت الثورة الجزائرية في إسلامه؟، عثمان سعدي.

 

الزيارات: 2902