دُنياي

نشر بتاريخ: السبت، 14 تشرين2/نوفمبر 2020 كتب بواسطة: رئيس التحرير

ولم يزل الحديث عن الشيب يؤرّق كلّ الشعراء، ومنهم الأخ العزيز الشاعر مصطفى عكرمة، حتّى صاغوه في مطالع قصائدهم، كالياقوت الأحمر في حبّات القلوب، وضمّه الزهّاد الشعراء إلى أغراضهم الشعريّة تذكرة وعبرة، وعني أدباء المؤرّخين به عنايتهم بتدوين سيرتهم الذاتيّة، ونظم فيه الخلفاء والمتشائمون والبكّاؤون والمتصابون.

حتى أنت يا صديق الطفولة الذي فارقته منذ نصف قرن وذوائب شعره الكستنائي تتدلّى فوق جبينه، أصابك الشيب مثلي.

وكيف لا نشيب؟ وهل عار علينا إذا شبنا في هذا الزمان؟.

ومن أحسن من الشيخ داود النقشبندي ليجيبنا عن تساؤلنا حيث يقول:

إذا ظهر المشيب بنا صغاراً    وغصن شبابنا أضحى مشيبا

فلا عيب إذا شــــــــبنا فهذا    زمان يجعل الولدان شـــــيبا

 

 

 

تحاولُ أن تُعيدَ ليَ الشَّبابا

 

فتوسِعُني على هِرَمي عَذابا

فكيفَ يشُبُّ من يمشي دبيبًا

 

وفي أمراضِه أفنى الشَّبابا!

وما لي رغبةٌ في أن تراني

 

تراودني لكي أرِدَ السَّرابا

تقولُ بأنَّها بالأمسِ تابتْ

 

وصارت لا ترى إلا الصَّوابا

وهل يرجى من الدنيا متابٌ

 

وحلو مذاقِها كمْ كانَ صابا!

ولو يومًا على حالٍ أقامت

 

لما نالت من النَّاسِ السِّبابا

فقلتُ وقد أثارتْ لي شجونًا

 

عليها كنتُ ألقيتُ الحجابا:

أيا دُنيا وقد سُمِّيْتِ دُنيا

 

تزيِّنُ كلَّ ما كانَ الكِذابا!

فكيفَ اليومَ أرضى منكِ وعدًا

 

رجاءً: خَفِّفي منكِ العِتابا

دعيني هانئًا أحيا مشيبي

 

به أرجو إلى اللهِ اقترابا

أرجِّي منه حسنَ ختامِ عُمري

 

لعلّي أنْ أنالَ بهِ الثَّوابا

أيا دنيايَ ألفُ إليكِ عنّي

 

أحبُّ الشَّيبَ ما أبدى صِعابا!

وألمحُ ما به أبْلَتْ شبابي

 

وما حقَّقتُ من وعدٍ رِغابا

أيا دُنيا إليكِ بسطْتُ عُذري

 

وعُذري أنني أرجو المتابا

وقلتُ ولمْ يَعُدْ للقولِ معنىً

 

ألفتُ اليومَ يا دُنيا العذابا

فهل سأكون ذا خُلُقٍ ودينٍ

 

إذا أبديْتُ للشيبِ ارتيابا!

شبابي عِشتُهُ، وأعيشُ شيبي

 

وأهواهُ كما أهوى الشَّبابا

أُحِسُّ به اقترابي من رحيلي

 

إلى منْ مِنهُ لا أخشى عِقابا

الزيارات: 4195