زينب بنت محمد الغزالي الجبيلي

نشر بتاريخ: السبت، 10 تشرين1/أكتوير 2020 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

 

سجّلت في سيرتها ما كان يجري في المعتقلات من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان

(1335/1919 ـ 1426/2005)

 

مفكّرة وأديبة وداعية إسلاميّة، مفسّرة للقرآن الكريم، مؤسّسة ورئيسة المركز العام للسيّدات المسلمات بمصر 1356/1936.

ولدت في (بيت غمر) من أقاليم مصر في بيت علم وفضل، وكان والدها من علماء الأزهر، ويعمل بالتجارة، ويحرص على تنشئتها تنشئة إسلاميّة كاملة ويغرس في نفسها حبّ الدين والفضائل لتكون داعية.

توفي والدها وهي في الحادية عشرة من عمرها، فانتقلت إلى القاهرة، والتحقت بالمدارس الحكوميّة، بذلت همّتها لتلبي رغبة أبيها، فتفوّقت على زميلاتها في المدرسة، وتميّزت عليهنّ بالخطابة والفصاحة.

 وبعد حصولها على الثانويّة، اتصلت بزعيمة الاتحاد النسائي المصري هدى شعراوي، التي أعجبت بطاقاتها، واختارتها عضوة في مجلس إدارة الاتحاد الذي كان وقفاً على سيّدات الطبقة الراقية، إلاّ أنّ عملها في الاتحاد لم يشبع طموحها في العمل الدعوي، لأنّها كانت ترى أنّها خلقت لتكون داعية، وأنّ الإسلام هو طريق الخلاص لتنال المرأة حقوقها، وشكّلت إصابتها بحروق شديدة في منزلها نقطة تحوّل في حياتها.                                            

وتوجّهت نحو العلوم الدينيّة فطلبت علوم الدين على كبار علماء الأزهر، في مساجد القاهرة، ودرست عليهم علوم الحديث، والفقه، والتفسير، أمثال: الشيخ عبد المجيد اللبان، ومحمد سليمان النجّار، وعلي محفوظ، وعلي جعفر.                     

واتصلت بالإمام حسن البنا وبايعته سنة 1367/1948، وأسّست (جمعيّة السيّدات المسلمات) أوّل جمعيّة إسلاميّة في المشرق العربي، وكانت ذات تجربة رائدة في ميدان العمل الإسلامي النسائي، وقدوة حسنة لبنات جنسها، فقد كلّفها الإمام البنا بإدارة (قسم الأخوات المسلمات) بعد تأسيسه، وعرفتها مساجد القاهرة خطيبة قديرة، ومدرّسة ناشطة، ومجاهدة مثابرة، وقامت بتأسيس (معهد الواعظات) لتأهيل النساء للوعظ وتدريسهن العلوم الشرعيّة، وأقامت (دار رعاية اليتيمات)  وأصدرت (مجلة السيّدات المسلمات) سنة 1369/1950، ولمّا دخلت (جماعة الإخوان المسلمين) في صراع مع حكومة الثورة، صودرت المجلّة وأغلقت المؤسّسات التي أقامتها الجمعيّة، وقدّمت السيّدة زينب أمام محكمة الثورة بسبب انتمائها الفكري والسياسي، واتهمت بالعداء لثورة 1952.

ولقيت الشهيد سيّد قطب سنة 1382/1962 وعاهدته على دفع مسيرة العمل الإسلامي في أحلك الظروف، وجنّدت نفسها لمساعدة أسر المعتقلين، والمفرج عنهم، من جماعة (الإخوان المسلمين) خلال سنوات المحنة سنة 1374/1955 وسنة 1385/1965 واستطاعت توحيد جهود العاملين من الإخوان المنفيّين المعارضين سنة 1376/1957 في موسم الحج، وكانت تقوم بسلسلة من الندوات في منزلها، فاعتقلت، وعذّبت في سجون الناصريّة، وقاست ألوان الاضطهاد والتعذيب، وقدّمت أمام محكمة الدجوي عام 1965، وحكم عليها بالإعدام، ثم خفّف الحكم  بالسجن خمسة وعشرين عاماً مع الأشغال الشاقّة، ثم افرج عنها بعد رحيل جمال عبد الناصر سنة 1391/1971 وهي أشد عزيمة ومضاء، بعد ست سنوات من التعذيب والاضطهاد على أيدي الجلاّدين القساة، وكان يشهد تعذيبها رأس النظام، وسجّلت في سيرتها الذاتيّة ما كان يجري في المعتقلات من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وأنّ ما ينسب إلى الإخوان من تطرّف وعنف لا أساس له من الصحّة حيث تقول : "ليس من أهداف الإخوان المسلمين قتل عبد الناصر.. إن غايتنا أكبر من ذلك بكثير.. إنها الحقيقة الكبرى قضية التوحيد وعبادة الله وإقامة القرآن والسنة".

ووجدت الحركة الإسلاميّة في شخصيّتها المثال الحي للمرأة المسلمة المجاهدة، ومنحها شباب الدعوة وشابّاتها كل تقدير واحترام، بسبب ثباتها على الحق الذي آمنت به، وصلابة مواقفها في أصعب الظروف وأحلكها.

وانطلقت في ميادين الدعوة، كأنّها ولدت من جديد، فلبّت العديد من دعوات المراكز الإسلاميّة في الدول العربيّة والإسلاميّة وكان لها حضور في المؤتمرات والمنتديات الإسلاميّة. 

رأت أن الرجل والمرأة حقيقة واحدة، وانتقدت حركة تحديد النسل، والسفور، وقالت: إنّ للنساء وظائف ومهام لا يصلح لها ولا يقدر عليها إلا هنّ، وأنّ للإسلام على المرأة فضلاً عظيماً، وأن أثره في الإصلاح لا حدّ له، وأن ما قدمه للمرأة من رعاية وعناية لا حدود له، وحذّرت من التنظيمات النسائيّة التي تهدم ولا تبني، بعد أن ضلّت طريقها، وجانبت الحق والصواب، وطالبت النساء المسلمات بالتحرّر من عادات الجاهليّة، والتقاليد المخالفة للدين، ومن البدع والمنكرات، ودعت النساء إلى ارتياد المساجد كما يرتاده الرجال، وإلى إعادة رسالة المسجد كما كان في عهد الرسول (ص)، ولم تجد مانعاً من خروج المرأة للعمل إذا كان المجتمع بحاجة إلى عملها، وقالت: إن مملكة المرأة الأصليّة أن تكون أمّاً ومربية لأبنائها، وأن مهمّتها بناء رجال الأمّة ؛ ووجدت في الزواج المبكّر صيانة وعصمة للرجل والمرأة، بشرط توفّر سبل الحياة الكريمة، واعتبرت دعوة تحديد النسل إفلاسا ومخالفةً صريحة لسنّة النبي (ص) وقوله: (تزوّجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة).

وفي محاضرة ألقتها بندوة الصحوة الإسلاميّة وهموم الوطن العربي، بعنوان: الصحوة الإسلاميّة والمواطنة والمساواة، أزالت الهواجس لدى غير المسلمين والنساء، من موضوع المواطنة والمساواة، وبيّنت أن الحركة الإسلامية المعاصرة التي تنادي بعودة الإسلام إلى حياة الناس تحمل أمانة ائتمنها الله على أهل الأرض جميعا، لأن عقيدتنا تأمرنا بالعدل في كل الناس.

وقالت: إن الإسلام يرفض أن تكون للمرأة المسلمة قضيّة منفصلة عن الرجل، فموقفها أمام الله سواء، ومسؤوليّتهما واحدة ؛ إنّ الإسلام لا يقبل أن تهان المرأة أو تعود أمة مستعبدة كما كانت في الجاهليّة، قبل أن يحرّرها الإسلام، وإنّ المرأة التي استعبدت في عوالم الدنيا غير المسلمة، هي في الإسلام في مقامها العالي من شريعته ؛ وإنّ إمارات نجاح الصحوة الإسلاميّة أن المرأة المسلمة غدت في يقظة الصحوة عاملاً مهماً لإنجاحها.

وعدّدت حقوق أهل الذمّة فقالت: ولأهل الذمّة في ديار المسلمين حقوق: حق الحماية، وحماية الأبدان والدماء، وحماية الأعراض، وحماية الأموال، والتأمين عند العجز والشيخوخة والفقر، وحريّة الدين، وحريّة العمل والكسب، وحق تولّي وظائف الدولة كالمسلمين ؛ وجمعت واجباتهم في: أداء الجزية، والخراج، والضريبة التجاريّة، والتزام أحكام القانون الإسلامي في المعاملات المدنيّة ونحوها، واحترام شعائر المسلمين ومشاعرهم ؛ وتمنّت أن تعامل الأقليّات المسلمة في أرض الأغلبيّات غير المسلمة، ببعض ما قرر الإسلام من حقوق لأهل الكتاب في أرضه.

وكتبت (نحو بعث جديد) و(أسماء الله الحسنى) و(إلى ابنتي) و(مشكلات الشباب والفتيات في مرحلة المرهقة) جزءان، وشرحت (الأربعين النوويّة للإمام النووي) وقدّمت أوّل تفسير للقرآن الكريم تكتبه امرأة، وشرحت المعاني بلغة العصر، وأسلوب منساب، وعاطفة صادقة هو: (مع كتاب الله) ؛ كتبت سيرتها الذاتيّة (ذكريات زينب الغزالي في الدين والحياة) وسجّلت مذكّراتها عن فترة اعتقالها (أيام من حياتي) ؛ وقام ابن الهاشمي الجزائري بجمع ما كتبته هذه السيدة الفاضلة في (مجلّة الدعوة) حول واقع المرأة المسلمة ومشاكلها وهمومها وحركتها، وكتبت شهرزاد العربي: (زينب الغزالي من القبّعة إلى الحجاب) و(امرأتان مؤمنتان في رحلة التحرير النسوي الجاد) ؛ وكتبت في سيرتها عشرات المقالات والدراسات، وكتب أحمد عاشور، وبدر محمد بدر (مسلسل أم الصابرين) عرض في رمضان 2012.

وبعد مسيرة حافلة بالعطاء انتقلت السيّدة المجاهدة زينب الغزالي إلى الرفيق الأعلى في القاهرة يوم 27/6/1426 الموافق 3/8/2005 تاركة في نفوس من عرف فضلها ونضالها وعلمها أثراً لا ينسى.  

______________________________________________________________

(1) أيام من حياتي لزينب الغزالي. (2) النبي والفرعون ص 11 جيلز كيبل. (3) الداعية زينب الغزالي مسيرة جهاد وحديث عن الذكريات لابن الهاشمي. (4) مجلة الوعي الإسلامي، لقاء مع الداعية زينب الغزالي أجراه مجدي إبراهيم ع 306 س 1410/1990 (5) ندوة الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي بعمان ص 211 محاضرة زينب الغزالي الجبلي.

 

الزيارات: 4865