فلتتضافر الجهود العربيّة والعالميّة للجم الفساد وقمع المفسدين

نشر بتاريخ: الجمعة، 01 تموز/يوليو 2005 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

رضي الناس في الماضي الجهول وراثة ابن العالم منصبه الديني بالإضافة إلى جبّته وعمامته، فسخر منهم أهل الأرض والسماء، وجاء على الناس زمان أصبحت فيه الوظائف العامّة والمناصب العليا تهدى وتباع مثل متاع الميّت، وتطوّب لأهل الحظوة من المقرّبين والأدعياء الفاسدين الذين أكلوا الأخضر واليابس، وكدّسوا الأموال في البنوك الأجنبيّة، وتركوا خزانة الوطن خاوية، وأرضه خرابا. 

ولم تعتمد الكفاءة والمعايير الموضوعيّة، التي نصّت عليها الشرائع الإلهيّة والقوانين الوضعيّة في اختيار الرجل الصالح المتمتّع بالجدارة والأهليّة، القادر على حفظ حقوق الناس وحماية المال العام.

وفي غياب النزاهة والشفافيّة والمساءلة والإدارة السليمة، وغياب الإعلام الملتزم، وفقدان المرجعيّة الأخلاقيّة والقيميّة دورها الرائد في المجتمع، دمّرت الديكتاتوريات العسكريّة الفاسدة وما تمخّض عنها من أنظمة متخلّفة أمن المجتمعات العربيّة، وقوّضت مؤسّساتها الديمقراطيّة، وعرّضت برامجها التنمويّة الشاملة للخطر حتى أصبح التخلّف سمة ملازمة للمجتمعات العربيّة، والاستبداد لعنة لا تفارقها، وعرّض الطغيان الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي لأفدح العواقب.

وفي ظل الأنظمة الشموليّة استغلّت الامتيازات الحزبيّة والحصانات الممنوحة للطبقة الحاكمة التي منحت نفسها حق الوصاية على الدولة والمجتمع أبشع استغلال. 

ووقف القضاء عاجزا عن القيام بدوره الطبيعي في التحقيق مع الفاسدين وملاحقتهم ومقاضاتهم أمام المحاكم، وأعيق سير العدالة بالتهديد والوعيد وقول الزور.

وكان من أهم العوامل التي عزّزت استشراء الفساد في مجتمعاتنا العربيّة ظاهرة عدم التناوب على المناصب العامّة، والاستئثار بإدارة الشركات الحكوميّة التي تكون عرضة للفساد بسبب المغريات والمزايا.

وبسبب الرشوة والمحسوبيّة، والحصول على امتيازات واستثناءات، وإساءة استخدام الوظائف العامّة، والمتاجرة بالنفوذ، واختلاس الممتلكات في القطاعين العام والخاص، أو تبديدها وتسريبها، وغسل الأموال، والحصول على قروض مصرفيّة بدون ضمانات، والحصول على الإعفاءات الضريبيّة والجمركيّة، وحجب المناقصات وعدم الاعلان عنها، والحصول على مناقصات بالتراضي، وبالأسعار والعمولات المتفق عليها، حصل إثراء غير مشروع لطبقة طفيليّة من الأولاد والأصهار والزوجات، لاذت برجال من ذوي المناصب الحزبيّة الرفيعة، لم تتخذ أيّة إجراءات قانونيّة لمساءلتها أو سحب امتيازها القائم على الظلم والفساد العريض.

ولكن السؤال المحيّر: من يستطيع أن يوقف زحف الفساد ويقمع الفاسدين، ويحرم الجناة من عائدات الجريمة؟

من يستطيع استرجاع الممتلكات المتأتية من الأفعال المجرمة، فيعيدها إلى الدولة المنهوبة المسروقة، وإلى أصحاب الحقوق الشرعيين الذين أصابهم الضرر؟

وتبقى الإجابة بسبب استفحال هذه الظاهرة الخطيرة، وجسامة النتائج التي تمخّضت عنها مفقودة طالما منع الفساد القوى الخيّرة من اجتثاث هذا البلاء وحال دون التحري عنه، وملاحقة مرتكبيه، وحجز وإرجاع العائدات المتأتية عنه إلى أصحابها. 

ولا بدّ لدعم النزاهة في مجتمع نظيف متمتّع بالشفافيّة والمصداقيّة من وضع قانون: من أين لك هذا؟موضع التطبيق على كافّة الموظّفين العموميين ومن يلوذ بهم.

وإجبار كافّة العاملين في القطاع العام والوظائف الحكوميّة على تقديم بيان واضح يتضمّن ذمتهم الماليّة وأنشطتهم واستثماراتهم وممتلكاتهم الشخصيّة.

والمحافظة على سلامة السجلاّت والبيانات الماليّة ذات الصلة بالنفقات والإيرادات.

ونشر المعلومات المتعلّقة بعقود الشراء وإجراء المناقصات، ووضع نظام قضائي فعّال للطعن في العقود المريبة والمشبوهة.

من يستطيع منع تأجير أرض خضراء موقوفة لخيول المجاهدين منذ آل زنكي وبني أيوب تسعة وتسعين عاما لشركة يملكها أحد المقرّبين لإقامة منشآت سياحيّة تضمّ المطاعم والملاهي، في قلب عاصمة عربيّة. 

ألم يؤد اضعاف جودة البنية الأساسيّة وما يشوب تلك الصفقات المريبة من غش وتدليس إلى انهيار السدود، ومقتل العشرات غرقا بمياه الطوفان، وهذا سدّ زيزون شاهد على ما ندّعي. 

لقد بات الدفاع عن أمن المجتمعات العربيّة والمحافظة على ثروتها القوميّة مسؤوليّة جماعيّة ودوليّة، وعلى كافّة القوى الخيّرة في العالم أن تتعاون لفضح الفاسدين، ولجم عدوانهم على المجتمعات العربيّة.

وطوبى للغرباء.

1/7/2005 

الزيارات: 1088