الانتصارات المزيفة والكؤوس الفارغة

نشر بتاريخ: الخميس، 01 حزيران/يونيو 2006 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

كم رجل له اليد البيضاء في الهمة لا يقنع بما دون الغاية، ولا يقعد عن الاجتهاد والسعي، وآخر مصروف الهمة إلى اللهو، أو يخلط الجد بالهزل، فيحرم ذلك الشرف الكبير.

نحن أمة تعيش اليوم أكبر محنها تسقط المروءة عندها ويثلم وقار أبنائها اشتغالهم باللعب، أنا لا أقول اللعب بالحمام وشراء الكباش للنطاح والديوك للنقار، مع مقتي لممارستها وكراهيتي لمشاهدتها، ولكنني أشير إلى ظاهرة خطيرة دونها الحمام والكباش والديوك.

الأعداء يواصلون نهب ثرواتنا، ويحرمونا من استثمار عائدات نفطنا، ويسرقون مياهنا، ويحتلون أجزاء غالية من بلادنا، ويبنون المستعمرات العسكرية، ويواصلون رفع جدران الفصل العنصري أمام عيوننا، ويجتاحون مدننا، ويضعون عواصمنا تحت مرمى أسلحتهم، ويذيقونا كأس الذل والعار ونحن نلهث خلف الكؤوس الفارغة في الاستادات الرياضية الفارهة.

نسينا معارك الشرف في القادسية وحطين وذات السواري، وانتكسنا في حمأة الملاعب الخضراء والمناطق الخضراء نبحث عن الانتصارات المزيفة وحصد الكؤوس والميداليات.

أين الملاحم والقصائد والرايات تزف البشرى بانتصار العروبة والإسلام وترتقي بالذوق العام، من صفير الحمقى في الملاعب، والكلمات السوقية النابية، والهياج المسعور، والتعليقات السمجة التي ترددها تلك الأبواق.

شتان بين البطولة الحقة لرجال أبطال شجعان وفرسان أوفياء أمثال: أبي عبيدة وخالد وطارق وبين هذه الهياكل المتخشبة المزيفة المحقونة بالمنشطات المشغولة بنرجسيتها عن بلوغ المنى. 

أية تربية هذه التي تتم في في الملاعب للجمهور، إذا كان الاعتداء على الحكام واللاعبين بالقوارير الفارغة، والتخريب المتعمد للمنشآت الرياضية، والاشتباكات بين أنصار النوادي والمنتخبات الرياضية، أسلوبا غوغائيا تمارسه النظارة في كل مناسبة غير عابئة بما يكتب عنها من مخاز في الصحافة الملتزمة. 

صرف الشباب وهم أمل الأمة عن الاهتمام بالقضايا العامة، وإشغالهم عن متابعة ما يدور في العالم الإسلامي من فساد، وانتهاكات متواصلة لحقوق المواطن، وقمع للحريات، وتخريب فكري وعقائدي متعمد، قضية في منتهى الخطورة. 

تغييب الجمهور عن القضايا المصيرية الكبرى في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال وغيرها، وإشغاله بما يدور في الملاعب من تفاصيل تافهة بما فيها زيارة المنتخب العراقي للولايات المتحدة لإجراء مباراة ودية، والمشاركة في (بطولة دلاس) وكأن المباراة على أرض الرافدين قد توقفت، فقضية تحتاج من المفكرين الإسلاميين والقوميين إلى وقفات.

ومن هذه المدرسة المصروفة عن الحق والحقيقة عرفت رجلا يشتري الصحيفة اليومية فينتزع منها الصفحة الرياضية، ثم يرمي بالباقي غير عابئ بأسماء الموتى ولا بالمانشيت الذي يتصدر الصفحة الأولى باللون الأحمر. 

إن المال العام يهدر بشكل مخيف على حساب التنمية الحقيقية، في عالم إسلامي تنتشر بين ضلوعه المجاعات وسوء التغذية، وتفتك به الأمراض والأوبئة، وترتفع فيه معدلات الأمية والفقر والمرض والبطالة والعنوسة ويتم فيه تشغيل الأطفال على نطاق واسع، حتى أن بعض أبناء المسلمين يبيع أعضاء جسمه لتسديد نفقات أسرته، ويلقي بنفسه في عرض البحر طلبا للهجرة، ولست هنا بصدد نشر الإحصاءات عن هذه الآفات الاجتماعية المخيفة، ولا عن حجم المبالغ المرصودة في ميزانية الدول الغنية والفقيرة على السواء في منطقتنا كل عام على بناء المدن الرياضية والأستادات والملاعب الأولمبية، التي تستثمر مرة واحدة أو عدة أيام في كل عام ثم تتكفل الدولة بصيانتها على حساب دافع الضرائب المسكين، أما شراء اللاعبين الأجانب، ومنحهم الهدايا والهبات، واستيراد المدربين بمبالغ خيالية فمسألة تدعو إلى القلق.

وحتى لا يظن القارئ أننا نتحدث من فراغ عن دول إسلامية تتسابق على صرف الملايين على هكذا مشاريع، نسجل بعض الأرقام المنشورة من مصادرها دون تعليق:

خصص الديوان الأميري في قطر مبلغ ستة ملايين دولار لبناء (مدينة الدوحة) في بلدة سخنين بفلسطين المحتلة، تشجيعا لفريق الكرة المتميز خلف الخط الأخضر.

وجرى تبوير 80 فدانا من أجود الأراضي الزراعية في محافظة البحيرة لبناء مدينة رياضية تقدر كلفتها 200 مليون جنيه مصري.

وقدرت تكاليف إقامة المدينة الرياضية التي تعتزم دبي إقامتها ب 736 مليون دولار في إطار مشروع ترفيهي سياحي ضخم أطلق عليه (دبي لاند) تبلغ كلفته خمسة مليارات دولار.

ووضع حجر الأساس في مدينة الحديدة باليمن لبناء مدينة رياضية بتكلفة مقدارها ملياري ريال يمني.

وبدأت وزارة الأشغال والإسكان في مملكة البحرين بتنفيذ مشروع مدينة الشيخ خليفة الرياضية بتكلفة تتجاوز 9 ملايين دينار بحريني...... الخ.

أما حجم الملايين التي تنفقها الدول الإسلامية على تحرير وطباعة الصحف الرياضية المتخصصة والصفحات الرياضية في الصحف اليومية، وعلى المحطات الفضائية الرياضية المتخصصة التي تبث برامجها ليل نهار، وما يتبع تلك الفضائيات من جيوش المراسلين والصحفيين فيدعو للذهول في أمة يموت أطفالها جوعا، ولا يجد المرضى ثمنا للدواء.

لم تستطع دولنا أن تعيد بناء الخط الحديدي الحجازي على أهميته بعد مرور تسعين عاما على إنشائه، واستطاعت أن تبني عشرات المدن الرياضية بمدة قياسية وبأعلى المواصفات العالمية.

لم نستطع توفير ماء الشرب للقرى العطشى، ولم نوقف زحف الصحراء، وبقيت جبالنا جرداء، ولا يجد الفلاح في ديار المسلمين ثمنا للبذار، ولا يزال يستخدم المحراث الروماني في شق الأرض والنواعير لريها، ولا توجد في كثير من الدور بيوت خلاء، وينام الفلاح مع بقرته في بعض المناطق الريفية، ويربي الناس الدجاج على أسطح المنازل لتوفير البروتين رغم إصابتها بانفلونزا الطيور، ولا يراجعون الطبيب إلا لأخذ شهادة الوفاة، كل ذلك بسبب الفساد، واختلال ترتيب الأولويات. 

اعلموا أن علو الهمة وسموها مقرون دائما بشرف النفس وسداد الرأي والشجاعة، وويل لأمة تؤثر اللعب والشهوات إذا اشتغل كبارها بما يتلهى به الأطفال.

وطوبى للغرباء. 

1/6/2006 

الزيارات: 1366