الخديعة الكبرى

نشر بتاريخ: الثلاثاء، 04 كانون1/ديسمبر 2018 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

روسيا وإيران الضامنتان مع تركيّا لوقف إطلاق النار، وضمان السلامة الإقليميّة للأراضي السوريّة ووحدتها، لم تتوقف الأولى عن الإغارة بطائراتها على منطقة وقف التصعيد، وغض الطرف عن غارات النظام على المنطقة، ولم تتخلّى الثانية عن موقفها المنحاز للنظام، وعن الاعتداء على المدنيين في المناطق التي خدعت بما يسمى المصالحات.
ولم تسترشد هاتان القوّتان الغاشمتان بأحكام قرار مجلس الأمن رقم 2254 لعام 2015، إمعاناً في حرمان الشعب السوري من حقوقه السياسيّة، وتحقيق حلمه في الحريّة والاستقلال.
ولم تتخذا عن سوء نيّة التدابير اللازمة لبناء الثقة، كالإفراج عن المحتجزين والمختطفين، ولم تحددا هويّة المفقودين، وغضتا الطرف عن اغتيال المعارضين في مناطق المصالحات،

وعن العودة إلى الحل الأمني الذي فجّر الثورة قبل ثمانية أعوام، وسوق أبنائهم لقتال إخوانهم، وسرقة أثاث بيوتهم (التعفيش)، وإهانة السكان عند مرورهم على الحواجز التابعة لهم، ونشر التشيّع، وإصدار القانون رقم 10 لتنفيذ مشروع التغيير الديموغرافي.
وحالتا بالاتفاق مع النظام دون وصول المساعدات الإنسانيّة إلى المخيّمات المحاصرة وفي مقدمتها مخيّم الركبان (على الحدود الأردنيّة)، حيث أغلق المنفذ الواصل إلى الأردن بضغط روسي، وأغلق طريق الضمير من قبل الشبيحة الأسديّة والميليشيات الطائفيّة المسعورة، وأغلقت اليونيسيف النقطة الطبيّة دون إبداء الأسباب، ففتك الجوع والبرد وعاصف الريح والأمراض بأكثر من مئة ألف مهجّر سوري في صحراء قاحلة مقفرة .
ولم تنتزع الألغام التي زرعتها الميليشيات والنظام حول المدن والأرياف بعد فك الحصار والتوقيع على مراسم اتفاقات المصالحة الزائفة، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة عن وصول عدد المحاطين بالألغام إلى 8.2 مليون شخص مهدّد بمخاطر انفجار تلك الألغام.
الدول الثلاث متفقة وفق بيان موسكو على أنّ الأولويّة لمكافحة الإرهاب، ولكن التحالف الإيراني الروسي المخادع يصر على وصف المعارضة للنظام بالإرهاب، ويغض الطرف عن إرهاب الدولة، وعصابات الشبيحة العلويّة، والميليشيات الشيعيّة الفارسيّة، وحزب الله اللبناني، فكيف تستقيم إجراءات بناء الثقة بين الأطراف؟.
المتابع لتطوّر القضيّة السوريّة، منذ بداياتها يصاب بالخيبة بعد كل تصريح منحاز للنظام، يدلي به ساسة موسكو وطهران، بسبب تناقض ما يجري على الأرض، مع ادعاء روسيا وإيران الحياد والموضوعيّة في حل القضيّة السوريّة، بين النظام والمعارضة، وجلوسهما على منصّة القاضي الجائر.
وروسيا لا تخفي انحيازها للنظام الذي لا يعترف بالعمليّة السياسيّة، ولا بتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، وكذلك إيران التي ترفع الراية الحمراء اليوم على قبّة زينب، وتنادي بالثأر لدم الحسين، وكأنّ كل ما سفكته من دماء السوريين لم يشف صدور أبي لؤلؤة المجوسي.
روسيا ليست طرفاً محايداً، ولا يحق لها التفرّد بحل القضيّة السوريّة، لأنّها دولة غازية محتلّة، تفتقد الشرعيّة، وخاصّة بعد إقرار الكرملين بإجماع أعضائه التدخّل العسكري في سوريّة، والولوغ في دم السوريين، حيث توثق "الشبكة السوريّة لحقوق الإنسان" في تقريرها مقتل 6239 مدنياً بينهم 1804 طفلاً وارتكاب ما لا يقل عن 321 مجزرة على يد القوات الروسية، والمتضمن روايات لشهود عيان تؤكد ارتكاب روسيا جرائم حرب إلى جانب نظام الأسد والتي تعاونت معه منذ 2011 باستخدامها حق نقض الفيتو 12 مرة بشكل تعسفي من ضمنها ست مرات فيما يتعلق بملف استخدام الكيماوي.  
وإيران ليست طرفاً نزيها، لأنّها دولة محتلّة، وشريكة في سفك دماء السوريين، وهناك 22 مجموعة من الميليشيات الإيرانية المنتشرة على 232 نقطة في سوريا، وأنّ هذه المجموعات تضم نحو 120 ألف مقاتل، وأنّ عدداً كبيراً من كبار الضباط الإيرانيين متورطون بارتكاب جرائم حرب في سوريّة، يجب محاكمتهم في المحاكم الدولية بتهمة المشاركة بجرائم حرب ضد الشعب السوري، وجرائم ضد الإنسانية.
وعلى المجتمع الدولي السعي لإخراج القوات الاجنبية المتواطئة مع القتلة من سورية، قبل إجراء أيّة انتخابات حرّة، ومحاسبة مجرمي الحرب، والنظر في الدماء والجراح، ونصره المظلوم واعطاء كل ذي حق حقه، إذا كان أخيار العالم جادين في ايجاد نهاية للحرب.
ولا يحق لهذين القاتلين الجلوس إلى جانب تركيّا المنشغلة بإيواء ومواساة وإطعام وحماية أكثر من ثلاثة ملايين و424 ألف لاجئ سوري، وتعليم أبنائهم، وفتح أبواب الجامعات لهم، وعلاج مرضاهم وإسعاف جرحاهم، وسعيها الدؤوب لوقف إطلاق النار بين فصائل المعارضة من جهة، والنظام وحلفائه على الأراضي السوريّة، وإعادة المهجّرين إلى ديارهم، وضمان السلامة الإقليميّة للأراضي السوريّة ووحدتها.
تركيّا التي فتحت صدرها للسوريين، ومنحت الجنسيّة التركيّة لعدد كبير من المقيمين على أراضيها، ليتمتعوا كإخوانهم الأتراك بكافّة الحقوق والواجبات، محبة وتكريماً لهم، وربطاً للسوريين بإخوانهم الأتراك، وتذكيرهم بوشائج الدين والقربى والتاريخ المشترك على مدى أربعة قرون.
وسيذكر الأوفياء كلّما نسب الفضل لأهله، الأردن التي آوت ونصرت، وفتحت ذراعيها للسوريين في محنتهم، وسترضع الأمّهات للأجيال محبة الهاشميين جيلاً بعد جيل.
وطوبى للغرباء                                                                         رئيس التحرير
1/12/2018                                                                         محمد علي شاهين

الزيارات: 1023