الجولان المحتل ووعد ترامب

نشر بتاريخ: الأحد، 31 آذار/مارس 2019 كتب بواسطة: بقلم: محمد علي شاهين

نسيت إسرائيل أنّها كيان غريب مغتصب لأرض العرب، قام بوعد بريطاني، ودعم غربي أمريكي، واعتراف روسي، وادّعت أنّ سوريّة قامت بغزو الدولة الناشئة بعد إعلانها في عام 1948، واحتلّت بانياس، ومُثلث مِشْمار هايَرْدين (مستوطنة يهوديّة وتعني حارس الأردن)، ومُثلث ألْماغور (مستوطنة يهوديّة وتعني لا خوف)، بالإضافة إلى شاطئ البطيحة والضفة الشرقية من نهر الأردن، وأنّ سوريا وافقت في إطار اتفاقيات الهدنة عام 1949 على سحب جيشها من هذه المناطق وجعلها مناطق منزوعة السلاح. 

وادّعت أنّ سوريّة احتفظت بأراضٍ ضمنت سيطرتها على ضفتي نهر الأردن وبحيرة طبريا وبانياس ثم احتلّت موقعي حَمات غادِير (جيب الحمّة) ونُقيب شمالي القرية التعاونية عِين غِيف. 

وأنّ هذه المناطق بقيت تحت سيطرة سورية حتى حرب الأيام الستة 1967، مما كان يسهل عليها في شن اعتداءاتها المتكررة على اسرائيل.

 

مضيفة إلى الأرض الفلسطينيّة المغتصبة 1260 كيلو متراً مربعاً، وهدم جيش الاحتلال القرى ودمّر المزارع، واستولى على الممتلكات العامّة والخاصّة، وشرّد جميع سكان الجولان عدا سكان القرى الدرزيّة، وقرية غجر العلويّة، ويعيش في المخيّمات وبيوت الصفيح التي أعاد الطيران السوري والروسي تدميرها أكثر من 800 ألف مواطن سوري شرّدتهم إسرائيل.

واقتربت حدود إسرائيل الشماليّة من العاصمة السوريّة لتصبح على بعد 40 كيلو متراً، وشرعت ببناء المستوطنات والمستعمرات والتنقيب عن كنوز الجولان.

وبرّرت إسرائيل احتلالها للجولان بكل بساطة، على أنّه مجرّد استعادة لأراضيها المغتصبة (طبعاً قبل ستة آلاف سنة)، وكان الجولان قد شكّل هدفاً رئيسيّاً  للأطماع الصهيونيّة منذ القرن التاسع عشر، وادّعى آباء إسرائيل أنّ في الجولان مواقع أثريّة تشتمل على رموز يهودية وتوراتية.

وبعيداً عن الادّعاء التاريخي الموهوم، وحق إسرائيل في الدفاع عن مستعمراتها في الجليل، غزا (جيش الدفاع الإسرائيلي) الجولان واحتلّ مدينة القنيطرة، في ظروف غامضة، قصّر فيها وزير الدفاع حافظ الأسد عن حمايته، وسحب قوّاته قبل وصول طلائع الجيش الإسرائيلي، وعجز عن استرجاع الجولان خلال ثلاثين سنة من حكمه المديد لسوريّة، قبل تسليمه مسدس السلطة لابنه بشّار. 

وبموجب اتفاق «فض الاشتباك» عام 1974، أقيمت منطقة عازلة منزوعة السلاح بين إسرائيل والجولان. 

واعترفت إسرائيل بأهميّة الجولان الاستراتيجيّة لأنّه يوفّر لها حدودًا يمكن الدفاع عنها من غزو بري متوقع، ويحول دون تدمير شمال إسرائيل بنيران المدفعيّة من هضبة الجولان، والأخطر من ذلك: تأمين موارد المياه الرئيسيّة لإسرائيل على حساب الأردن، والاكتشافات النفطيّة الكبيرة، حيث يقدّر الإنتاج من تلك الآبار بمليارات البراميل من الذهب الأسود الثمين.

وأخضعت هضبة الجولان بموجب (قانون الجولان) الذي أقرّه الكنيست في عام 1981 للقانون الإسرائيلي، ولسيطرة قضائية وإدارية إسرائيلية منذ ذلك التاريخ..

وبعد ثمان سنوات من الصراع الدامي بين النظام العلوي وحلفائه الروس والإيرانيين من جهة، والشعب السوري المطالب بالحريّة والكرامة من جهة ثانية، خرجت سوريّة مدمّرة، محتلّة، ضعيفة وعاجزة، خرج علينا الرئيس ترامب بتغريدته على تويتر القائلة: " 

"بعد 52 عاما، حان الوقت لاعتراف الولايات المتحدة الكامل بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان التي لها أهمية استراتيجية وأمنية حيوية لدولة إسرائيل والاستقرار الإقليمي".

لم يخسر ترامب من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وقيامه بنقل السفارة الأمريكيّة إلى القدس، كما لم يخسر من (وعد الجولان)، لأنّ القدس والجولان تخضعان فعليّاً للاحتلال منذ هزيمة حزيران 1967.

كما أنّ ترامب لن يربح الكثير، لأنّه أعطى اللوبي الصهيوني كل ما يمكن إعطاءه بعد وصوله إلى البيت الأبيض.

أمّا حكام سوريّة المفرّطون بحقوق شعبهم، فهم في شغل عن هذه الوعد المشؤوم ـ كما تعلّمنا وصف وعد بلفور ـ بترويض شعبهم، والاستعانة بمحتلين من نوع جديد لا تقل أطماعهم عن أطماع اليهود، ويكفيهم من الغنيمة بالإياب.

وكانت ردّات فعل الشارع العربي فاترة وضعيفة بسبب حالة الضياع والإحباط التي يعيشها، وغياب الهيئات والأحزاب الفاعلة عن منابرها، والشخصيّات السياسيّة عن ساحاتها، نتيجة التربية السياسيّة الخاطئة، وترويض النشطاء بعصا الأمن الغليظة، والتزوير المتواصل للانتخابات، وما آل إليه الربيع العربي من نتائج سلبيّة وعواقب مخيفة.  

 

وطوبى للغرباء  

لندن في 1/4/2019 

الزيارات: 1305